فن الواو.. ( قراءة في مربعات الشاعر عبدالستار سليم )
كتبت - د. عزة بدر
فن الواو هو فن شعبي أصيل يعتمد على مربعات شعرية مكونة من بيتين وأربع شطرات، من سماته تقطير النص، وتكثيف المعنى، هو فن سماعي، وإن كان بعض الشعراء الذين قالوه كتبوه في بعض الدواوين الشعرية، حيث تحل الكتابة الكثير من رموزه فيكون بين يدى القارئ يتأمله على مهل ويرى رأيه فيه، أما المستمع لهذا الفن فهو مأخوذ به، إذ يتواصل الشاعر مع جمهوره بإلقاء مباشر وتفاعل متبادل، ولذا يسمى البعض هذا النوع من الشعر فن "السيم" اعتمادًا على الشفرة التي يستطيع المستمع فك رموزها والتفاعل مع الشاعر إعجابًا وإكبارًا لحكمته ، وتقدير سلافة مشاعره ، وخلاصة أفكاره.
بدأ هذا الفن على يد "ابن عروس" الذي ولد في عهد حكم المماليك في مصر، والذي كان كله قسوة وغلظة وظلما، فعبر ابن عروس عن معاناته ومكابدة الناس لكثير من المظالم، وقد ولد ابن عروس وتوفى في قنا إحدى محافظات الصعيد، ويبدو أن هذا الفن قد نشأ ونما وازدهر في صعيد مصر، في مجالس الناس ونواديهم ، وفى سهراتهم الليلية في المنادر ، وحول الجرون على ضوء القمر.
من أبرز المبدعين في هذا الفن: "على النابي وزوجته ، وحسين زوط ، وحسن الفرشوطي وأحمد القوصي ، وحسن القفطي، وعبدالله لهلبها الإسناوي، ومحمد عبد الواحد ، وأبو كراع ، وحسين الحكيم وغيرهم ، وفن الواو فن شفاهي أي غير مدون ، لكن تحفظه ذاكرة رواته ومحبيه والعديد من مبدعي هذا الفن يستلهمون الجد "ابن عروس" ، ويدركون موروث قيم هذا الفن الجمالية التي تعتمد على التورية والكلام غير المباشر، وكان شعراؤه يستطيعون الإفلات من الرقابة الصارمة التي تفرضها عصور الاستبداد كما يقول الشاعر عبدالستار سليم في مقدمته لديوانه أو لمربعاته الشعرية التي أطلق عليها "واو عبد الستار سليم" والصادر حديثًا عن الدار للنشر والتوزيع ، وقارئ هذا الديوان كسامعه يشعر بالمتعة وهو يقاسم الشاعر عالمه الفني ، وأبيات شعره الأربعة التي تبدو كما لو كانت طعمة طائر، وحسوة ماء مقطرة ، معطرة بماء الورد، من شبابيك قلة قناوي مترعة، بثقوب ضيقة يتنزل منها الماء عذب الوِرد وطيب المأخذ، وكأنه الشاعر يمسك ماء الشعر في غرباله فنعجب لأن ثقوب الغربال حفظت لنا الجوهر والمعنى، وسرسبت كل ما هو زائد عن الحاجة وفائض عن المعنى!، وانظر أيضا إلى واحد من الزجالين البارعين من أبناء قنا وقد رأى حبيبته تشرب من قلة فقال على البديهة وعلى الفطرة: " خايف أقول له يقول له / والقلب مرعوب وخايف / ابقى قوليله ياقُلة / حين تو ردى ع الشفايف ".
وهو غزل متردد حيي، يسر به الحبيب للمحبوبة كلمة حب أو همسة وجد تنتظر لحظة مواتية لحظة نهل، وإرواء عطش، وملامسة شفة حيث يعبر الشاعر عن رغبة في المحبة، وتشوق لمكاشفة الحبيبة وإعلانها بهذا الشغف والحب.
واو الشاعر
يقول عبدالستار سليم في مقدمة ديوانه: "إن فن الواو يعتمد على المقطوعة التي تتكون من بيتين، يتضمنان أربع شطرات، ولذا كثرت واوات العطف فسمى هذا الفن بفن الواو، وكان ابن عروس يلجأ إلى عبارة "وقال الشاعر" دون أن يبوح باسمه هو حتى لا يقع تحت طائلة العقاب، ورغم أن هذا كان من خصائص هذا الفن في الزمن القديم إلا أن شاعرنا عبدالستار سليم يلجأ إلى تقية ابن عروس الجد، فيسير على نهجه فيقول في مقدمة الديوان جريا على عادة الجد "وقال: من فن الواو" فيضع فمه على الربابة، وأصابعه على فتحات مزمار ناي، ويحيلنا بقوله هذا إلى عطر هذا الفن وخلاصة زهره، والعتبة الفنية لإبداعه رغم صراحة العنوان في الإفصاح عن فن الشاعر بقول "واو عبدالستار سليم" لكن مفتتح الديوان يضعنا في إسار اللعبة المتبادلة بين الشاعر وجمهوره، وطقوسها فنتهيأ لفتنتها بقوله: "وقال من فن الواو".
يبدأ شاعرنا عبدالستار سليم ديوانه بمديح النبي صل الله عليه وسلم، وذلك كما عهدنا في قصائد الشعر الشفاهي للشعراء الشعبيين، إذ تفتتح القصائد في العادة بمدح النبي الغالي فيقول شاعرنا: " أول كلامي ح اصلى / على اللي الغزالة مشت له / واحكى ع اللي حصل لي / وأزرع همومي في مشاتله." ص 25
" صلوا معايا على البدر / طه النبي المكمل / هزم الصناديد في بدر / وصبر لغاية ما كمل "، ثم يثنى شاعرنا بالغزل في رقة عاطفة، وتشوق فيقول: " ياما بكى لي الرباب / شاعر وحنت ضلوعه / على بدر مخفى ورا باب / مستني ساعة طلوعه " ص 25، ص 26.
ثم يبدع شاعرنا حكمته الموافقة للوجدان الجمعي الذي يؤمن بأن "الغايب حجته معاه" ، و"مسير الحى يتلاقى" ، والوجدان الفصيح الذي يؤمن بأن "ربما تجمعنا أقدارنا ذات يوم / بعدما عز اللقاء" - كما في قصيدة الأطلال لإبراهيم ناجى - فيقول شاعرنا عبدالستار سليم " جدد سبيب الربابة / خليه يقسم بياتى / ون كنت مغرم صبابة / بكرة المفارق بياتى " وهنا يضعنا لحن الربابة أمام وجدان شاعر صب فتنته غزالة شاردة، وهو هنا لا يحذرها من الصياد كما في الأغنية الشهيرة التي تقول كلماتها: "ضحية الصياد غزالة شاردة ، والشوك في غصن الوردة يحمي الوردة" – من كلمات الشاعر مرسى جميل عزيز - لكن عبد الستار سليم يفاجئنا بأن الشاعر هو نفسه ضحية الغزالة !
تماما كما فاجأنا محمود درويش في ديوانه "سرير الغريبة": "لك أنت الرشيقة في البهو / ذات اليدين الحريريتين / وخاصرة اللهو / لا لرموزك / أوقظ بريتى، وأقول: / سأستل هذى الغزالة من سربها / وأطعن نفسى بها".
أما عبدالستار سليم فيقول: " عينى رأت سرب غزلان / فيهم غزالة شريدة / والقلب لما اتنغز لأن / شاور وقاللى شارى ده " ص 27.
فنرى هنا تحضر الشاعر في حضرة المحبوبة فهو عاشقها لأن قلبه لحبها وكأن الشاعر يستلهم سلوكه من فطرته السليمة وهو أن الحب اختيار، وأن المحب غير الصياد، وأن الغزالة رمز مقدس فهي في دنيا المديح تسير إلى النبي الغالي: "أول كلامي ح اصلى / ع اللى الغزالة مشت له " ص 25، وهنا تصبح الغزالة رمزا مقدسا يرمز إلى عاطفة تقدست في وجدان الشاعر الشعبى مقترنة بكل معنى جميل، وكل معجزة تغيِّر في حياة الإنسان.
الغياب والمفارقة والفقد
تمثل هذه المعاني مشاعر رئيسة في فن الواو الذي يهتم بشكوى الزمان، وغدر الخلان، وفى هذا الديوان يعبر الشاعر عن شعور أسيان بالفقد، والرغبة في التواصل مع الحبيبة فيقول: " كحلة عيونه سبتنى / والجرح اهه.. لسة فينا زينة البنيات سابتنى / ومشت في أول سفينة" ص 31.
ويصَور الشاعر عاطفة الحب التي تدفعه إلى المغامرة وكأنه يستكمل رحلته مع السامعين الذين يودون معرفة أخبار السفينة المرتحلة التي أخذت معها أحلام الشاعر وزينة البنات فيقول الشاعر: " القلب بحَّر مع النيل / وعشق ركوب السفاين / بيت الحبايب على النيل / شبّاكه طرح جناين " ص 31.
وتمضى بنا المربعات في تعمق ما جرى للعاشق ، وتأتى رشاقة المفردات، واختلاف المعاني بما تحققه بلاغة الجناس التي تعتمد على تشابه الكلمات في الحروف، والمغايرة في المعنى لتضيف حلاوة لها مذاق الموال، وأسى قلب صبارة بيضاء هي قلب العاشق فيقول الشاعر: "كيف أبقى عاشق وصبّار/ دنا ياما عذبت روحي / وزرعت ف غطانى صبّار / لجلن ما أداوى جروحى" ص. ، وهنا تتداعى معانى الصبر ومرارة نبات الصبار مرتبطة بسفر الحبيبة أو فراقها، وهو الشعور الذي يدفع إلى الذاكرة تراث غياب الأحباب ووقعه على الشعراء مثلما قال بيرم التونسي في الأولة في الغرام "من يوم ما سافر حبيبي وأنا بداري جروحي / أتاري في يوم وداعه ودعت قلبي وروحي". ، وهي الأبيات التي تغنت بها أم كلثوم، وكأن فن الواو- من وجهة نظري - قادر على الاتصال الشعوري بميراث المخزون العاطفي الشعرى المرتبط بغياب الحبيب ، والتصبر على فراقه ، وتصوير العاطفة الإنسانية الأسيانة تلك التي تستدعى أيضا مقطع شعرى للشاعر الأمريكي إدجار آلان بو وهو يهتف في قصيدته الشهيرة " الغراب " من قلب حزين بعد فقد حبيبته " الينور " مصورا غيابها بعبارة تتردد في القصيدة بنفس المعنى قاسية إلى حد الفجيعة "
“only this and nothing more “ or “ then the bird said nevermore "
حيث تتردد روح الفقد في القصيدة فالطائر والريح والجدران وكل الأشياء، الكل يقول " ولا شيء بعد ذلك أبدا" وكأنها نهاية أو بداية جروح لا تنتهى" ودعت عقلي وروحي "عند بيرم التونسي" وزرعت الأرض صبار لاجلن أداوى جروحى" عند عبدالستار سليم.
وتتداعى مشاهد التشوق والأسى على فراق الحبيب والحنين إليه عند شاعرنا فيقول في مربعاته: " ع الموردة اجّلعوا البيض / آه من جلعهم يا بايا / فردت مراكبى قلوع بيض / مطرح ما مالوا الصبايا " ص 38.
" ع الموردة.. شفت لامواج / حنوها قدام عنيا / مسكك – يابو المسك – لم واج / ويوج مسك البنية " ص 38.
حكمة الجماعة الشعبية
تتجلى حكمة الشاعر المتأثرة بحكمة الجماعة الشعبية والتي تأتى مرتبطة بفكرة أن المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين، و"مشيناها خطى كُتبت علينا"، وهو ما تتخذه الجماعة من قناعات تحث على التصبر أمام قسوة الظروف والمصائر فيقول شاعرنا في رباعياته :" حالف زماني ما يصفا / ولا جسمي تُقطب جروحه / مشواري ما لقيت له وصفة / غير انى لازم أروحه " ص 67.
ويتأكد هذا المعنى أيضا في قوله: " أنا اللى بدى يا خلَى/ أرمح معاك بالكحيلة / وأزرع في شطك نخيل لى / لكن ما باليد حيلة " ص 77.
ورغم هذا التسليم للأقدار فالشاعر يدعو في مربعات أخرى للأخذ بناصية الأمور ، ومحاولة تغيير ما يعترى النفس من سأم وضعف بل وتغيير الكون من خلال إرادة قوية فاعلة فيقول: "إصحا وغيّر لى جواك / يتغير الكون جميعه / لو نجمة الفجر تغواك / الورد ييجى بربيعه" ص 89.
التماهي مع عالم الأمثال الشعبية
وتتبدى في فن الواو أيضا هذه النزعة للتمسك بخبرات اجتماعية مؤثرة وتوارثتها الجماعة الشعبية فجرت في حياتها مجرى المثل السائر حيث نجد بعض المربعات تتماهى معها وتؤكدها فيقول الشاعر: " إيه م المواعظ يكفَّيك / الحلو ولاّ مراره / إل تعمله ينعمل فيك / من خيره أو من شراره " ، وهو ما يتوافق مع الحكمة القائلة " الجزاء من جنس العمل " ، أو " كل ما تزرع تحصد " ، وكذلك يتفق مع المثل السائر: " إللى تزرعه تقلعه ".
وكذلك يهتم فن الواو كفن شعبي بإسداء النصح في مجال المعاملات الاجتماعية، وحفظ المقام واحترام الذات فيقول الشاعر: " احفظ مقامك وعلّيه / ون ضمك الجمع زينه / تصبح لسانه وعين ليه / ويحرسولك خزينه" ص 72 ، وهو ما يتوافق مع المثل السائر: " لسانك حصانك ان صنته صانك ، وان هنته هانك ".
وكذلك اجتناب النذل والابتعاد عن التعامل معه وهو مايرد في المثل السائر: "عتاب الندل اجتنابه"، وهو ما سجله شاعرنا في مربعاته فقال: " الندل لو باس لك الإيد / لا تمكنه من نوالك / حتى ان قطف لك عناقيد / ع الشر قلبه نوى لك " ص 91.
دنيا غرورة !
ويعد التأمل في الحياة واستكناه سرها هو جوهر التجربة الشعبية في فن الواو، وهو الفن الذي يتواصل مع حصاد التجربة الإنسانية للشاعر العربي حيث تحمل الجذور المشاعر نفسها والتأملات ذاتها فهي ميراث إنساني يستحق التأمل فعندما قال الشاعر أبو العلاء المعرى: "تعب كلها الحياة / فما أعجب إلا من راغب في ازدياد" نجد ما يوافق ذلك في أمثالنا الشعبية ومنها: "الدنيا دولاب داير" أي يرفع من شأن الخلق ويخفض ، ويسجل شاعرنا في رباعياته ما يتوافق مع هذا الإرث في النظر إلى تقلبات الدنيا وأحوالها التي تتقلب بين النعمة والحرمان
واليسر والشدة فيقول عبد الستار سليم: "احذر من الدنيا لو جات / دن جات يالا السلامة / عدلة لكن ليها عوجات / تلوى رقاب السلامة " ص 147.
بحث في التفاصيل!
التفرس والتعمق في طبائع النفس البشرية من شأن فن الواو لأنه بحث في التفاصيل ، في الملامح النفسية، والاجتماعية، ومحاولة لفهم تقلبات الحياة والبشر، وكما قدم المثل الشعبي نقدًا ورؤى ثاقبة حول سلوك الفرد يقوم فن الواو بذلك أيضا، فإذا كان المثل الشعبي يقرر "أن الغرض مرض " أي أن صاحب الغرض يفعل كل ما استطاع وبأى وسيلة للحصول عليه ويشخص هذا بالمرض لأن صاحب الغرض قد يذهب مذاهب شر ليصل لمأربه ، فإن فن الواو في مربعات شاعرنا تشخص ذلك في قوله: " سنطة بلدنا عابوها / ولا حد نقا قرضها / فيه ناس ع تبيع أبوها / علشان ما توصل غرضها".
كتم المواجع عبادة
وفى مربعات شاعرنا أيضا ما يميز فن الواو من الحث على خوض غمار الحياة وبث روح التحدى، وأن يكون للإنسان موقف إيجابي من الحياة فيقول شاعرنا: "دا الرزق والعمر مقدور / بس الرجالة مواقف / ما دمت للموت منذور / فإن مت موت وانت واقف"ص 156
النهى عن الحزن، والتصبر على متاعب الحياة أحد ملامح فن الواو، وهو يتجلى في مربعات شاعرنا بطرق مختلفة فيقول: "ياعين قِلى ما تنعيش / كتم المواجع عبادة / دن خلصوا ليام ما تنعيش / ربك يلاطف عباده ".
ويقول في موضع آخر: " ياعين قِلى المدامع / كتر البكا مالو عازة / دا القلب بالحزن دامع / والموت مالو أجازة ".
ويؤكد الشاعر أهمية مواقف الإنسان والتي تتجلى أكثر في الشدائد فيقول: " يا دنيا ناسك معادن / فيها الدهب والنقاضة / كل اللى قالن وعادن / هايبان عند المخاضة " ص 181
الحياة الدينية وشعائرها
ويحتوى فن الواو بطبيعته على تصوير الحياة الدينية، وممارسة العبادات والشعائر الدينية ,
وفى ديوان شاعرنا نجد لها نصيبا وافرا فتراه مصورا مشاعره الدفاقة عند زيارة مكة المكرمة يقول: " يا أهل الحجاز اندهولى / وادعو لى يوعدنى سيدى / وأرمى في مكة حمولى / من زمزم أشرب بإيدى ". وفى موضع آخر يقول: " زوقت بيتى وقبيته / نده الحرم جيته باكى / يا كعبة الله في بيته / علقت قلبى بتوباكى " ص 204.
ويرسم شاعرنا مراحل الرحلة إلى الحرم المكي وهي من أهم فنون الشعر الشعبي والتي يطلق عليها الدارسون أغاني التحنين، وكلها تصف مشاعر الحجاج وأماكن الحج، وفى فن الواو أيضا تتجلى هذه الأوصاف على نحو فريد فيقول شاعرنا: " لما ب طه انشغلنا / حنينا والسكة حنت / والبحر من فرحه غنى / وبواخر البحر غنت ".
وفى موضع آخر يقول: " نوره على الدرب باين / فوق الجبل والتلالى / وعلى الفضا والمداين / أنوار نبينا تلالى " ص 205.
ويقدم هذا الشعر من فن الواو المشاعر الدينية في أنقى سرائرها عندما تخلق المرء من جديد وتعيده إلى حياته مغسول القلب، مرفرف الجناح، مغفور الذنب، أو تعيده إلى بارئه راضيا مرضيا يرجو رحمة ربه وكأنه الإنسان وقد وضع قلبه في راحة كفه وذهب مسافرا إلى الله في رحلة إيمان وشوق فيقول شاعرنا: " يارب جاى لك ملبى / محرم تركت المظاهر / إن مت يرحمنى ربى / وان عدت رجعنى طاهر " ص 211.
إن فن الواو يصور رحلة الحياة فيرتحل في النفس الإنسانية ويتعمق أدق خلجاتها ، ويجلو أسرارها، ومن هنا تكون تجلياته أكثر عمقا وتأثيرا في نفوس مستمعيه، حيث كل مربع يتضمن فكرة مستقلة عن غيره ، ويعطى فرصة للمستمعين لـ "فك" مغاليق المربع ، وتلك الميزة الخاصة لهذا الفن والتي تجعل المستمع في حالة حضور ذهني ومتابعا للشاعر، ومشاركا له، ويضيف شاعرنا في مقدمته الوافية لمربعاته عن فن الواو: أن قالب هذا الفن قالب قولي محدد الهوية، صارم الملامح، سهل التناول ولذا فقد استطاع أن يستوعب القص الملحمي، كما في السيرة الهلالية صعيدية الصياغة بينما صيغت السيرة الهلالية في الدلتا بالموال، ولهذا حديث آخر.



