سر "القميص السحري"
كتب - عادل عبدالمحسن
إذا كان الإنسان حديثًا قد استطاع أن يصنع قميصًا للحماية من الرصاص يرتديه كبار المسؤولين في مختلف دول العالم فقديمًا أخترع الإنسان قميصًا أطلق عليه "القميص السحري"، حيث لا زالت العديد من متاحف العالم، تحتفظ بقطع من الملابس القماشية، التي يطلق عليها مسميات مختلفة، وإن اجتمعت في النهاية على وصف "السحرية"، كانت تستعمل من قبل كبار رجال الدولة في العديد من بلدان العالم معتقدين أنها قادرة على حمايتهم من الأعداء أو في المعارك أو وقايتهم من السم.
وفي متحف الفن الإسلامي بالقاهرة يوجد قطعة "قميص سحري" يعد واحدًا من أكثر القطع الأثرية الموجودة بالمتحف جاذبية وإثارة وتشويقا، فبالإضافة إلى اسمه المثير وشكله الجاذب، يحمل ذلك القميص قصة غامضة، تنطوي على أحداث غريبة، تكشف كيف كان يفكر الملوك والنبلاء قبل قرون.
فما قصة هذا القميص وسر الكتابات الغريبة والكثيرة المنتشرة في كل قطعة منه؟ ولماذا أطلق عليه "القميص السحري"؟ وهل بالفعل يمنح من يرتديه قوة خارقة؟
ومعظم الكتابات الموجودة على القمصان السحرية أو ما تعرف بـ"قمصان الطلاسم" تتألف من أجزاء وآيات من القرآن، إضافة إلى أسماء الله الحسنى، وأسماء كثير من الأنبياء، وأسماء الملائكة الأربعة، واسم خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم وقصائد تمجده وأحيانا سيرته، وفي بعض الأحيان تورد أسماء فاطمة وابنيها الحسن والحسين والخلفاء الراشدين الأربعة ورموز البروج، وهكذا فإن معظم قمصان الطلاسم تحتوي على تعابير سحرية وتعاويذ في علم الأرقام مؤلفة من أحرف وأرقام يُعتقد أن لها طاقات ومعاني سحرية.
ومن بين هذه الملابس النادرة، "القميص السحري" الموجود بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة، والذي يزيد عمره عن أكثر من 350 عاما، ويرجع إلى العهد الصفوي في بلاد فارس -إيران حاليا.
وكان باحثا يدعى عبدالحميد عبدالسلام قد أعد دراسة علمية تناولت موضوع السحر والشعوذة في الثقافة الإسلامية، كشف خلالها عن تاريخ هذا القميص وسره والغرض الذي صنع من أجله، وكيف ظل محفوظا إلى أن وصل إلى المتحف الإسلامي بالقاهرة.
توصل في دراسته إلى أن إن سليمان الصفوي شاة أيران الذي تصدى للدولة العثمانية من دخول بلاده حيث أعتنق المذهب الشيعي حتى تظل مملكته خارج دولة الخلافة العثمانية وسليمان القانوني السلطان العثماني، كانا يرتديان مثل هذه القمصان أثناء خوض المعارك لحمايتهم ووقايتهم من الأعداء، حيث كان يرتديان هذا القميص تحت دروعهم الحربية.
وأوضحت الدراسة أن مثل ذلك القميص يندرج تحت بند التمائم والأحجية المصنوعة من النسيج، والتي كانت شائعة بشكل كبير في ذلك العصر.
ويبلغ طول القميص المصنوع من الكتان، 137 سنتيمترًا وعرضه 89 سنتيمترًا عند الصدر و92 سنتيمترًا عند الوسط، فيما يبلغ طول الذراع 20 سنتيمترًا واتساعه 30 سنتيمترًا.
ويحتوي القميص على أرقام وآيات قرآنية وأدعية وابتهالات، وأشكال هندسية، هي جميعها كتابات كان يراد بها استدعاء قوى سحرية لحماية من يرتدي القميص وصرف الأذى عنه.
ورجحت الدراسة أن القميص الذي صنع في عهد الحاكم الصفوي صفي الثاني بن عباس الثاني والذي عرف باسم "سليمان الأول"، وشاع عنه أنه "منحوس"، كان مملوكا لسليمان الأول ذاته، وإن لم يوجد دليل قاطع على هذه المعلومة، لافتًا إلى أنه في كل الأحوال، فإن من كان يمتلك هذا القميص مات مقتولا، بدليل آثار الدماء الموجودة عليه حتى الآن، أو تعرض لجرح شديد على أقل تقدير.
وقد وصل ذلك القميص إلى المتحف في ثلاثينيات القرن الماضي، عندما اشتراه ماكس هيرز، المسؤول عن دار حفظ الآثار العربية في ذلك الوقت بثمن لم يتجاوز الـ5 جنيهات، من مالكه “مصطفى بك شمس الدين” الذي كان فيما يبدو مستعدا للتخلص من ذلك القميص بأقل الأسعار بالرغم من قيمته التاريخية!
مدير عام متحف الفن الإسلامي الأسبق الدكتور أحمد الشوكي، كان قد أكد مسبقا في تصريحات صفحية، أن القميص الموجود حاليا بقاعة الطب في المتحف، تضمن كتابات ترجمتها كالآتي من يرتدي هذا القميص يحميه من الأمراض والأوجاع والآلام والقتل.
وبالرغم من التوصل إلى هذا القدر من المعلومات حول القميص، إلا أن الغموض يظل يكتنفه بشكل لافت، فمن هو الشخص الذي كان يرتديه بالتحديد؟ وما هو مصيره في ظل الدماء الموجودة على القميص؟ ولماذا حرص شمس الدين على التخلص منه بهذا الشكل؟ وهل له علاقة بكون الحاكم "سليمان الأول" أطلق عليه لقب "المنحوس"، خاصة أن المؤرخين اختلفوا حول حقيقة سبب موته؟!



