الجمعة 19 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

رحلة "المسكين" من العلمانية الى الرهبنة

رحلة المسكين من العلمانية
رحلة "المسكين" من العلمانية الى الرهبنة
كتب - كلوج ماهر

 ولد يوسف اسكندر يوسف يوم 20 سبتمبر عام 1919 بمدينة بنها بمحافظة القليوبية وكان من عائلة فقيرة معيشةً.

كانت والدته متدينة جدًا، تقضي أوقات طويلة في الصلاة والسجود، وهو كطفل يقلدها  وبدأ حبه الكبير للصلاة مثل أمه .

 فى سنة 1935 التحق بمدرس شبين الكوم الثانوية ، ثم كلية الصيدلة وكانت علاقته ممتازة بزملائه الطلبة ، تخرج من الكلية سنة  1944.

تم تعينه بالتكليف العسكري في المستشفيات الحكومية، و ادار صيدلية في الإسكندرية، ثم فتح صيدليتة   في دمنهور، ونجح في عمله حتى سنة 1948.

اسكندر كان يتميز  بمشاعر روحية منذ صغيره تجاة الرهبنه وحياة البرية زادت بعد انخراطه فى العمل الحر، سمع صوت الله ونفذ كلام الكتاب المقدس «يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ: اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي حَامِلاً الصَّلِيبَ» (إنجيل مرقس 10: 21) ، وباع كل ما يملك ووزعه على الفقراء ولم يحتفظ إلا بثمن التذكرة ذهاب .

 

 

 

اصل اللقب

 

 انطلق إلى دير الأنبا صموئيل بصحراء القلمون في مايو 1948، واختاره لكونه الأفقر والأبعد عن العُمران ،وقضى في الدير ثلاث سنوات، حيث ترهَّب فيه على يد القمص مينا الصموئيلي رئيس الدير

  حتى يدركه الصباح ، كان يطوي الليالي في قراءة الكتاب المقدس بتعمق شديد وفي الصلاة والتسبيح . وهناك بدأ يخط أولى صفحات أهم وأول كتبه  ”حياة الصلاة الأرثوذكسية“ (صدر سنة 1952- نُقِّح وزيد سنة  1968 ترجم ونُشر بالفرنسية سنة 1977، وبالإيطالية  1998، ثم الإنجليزية ونُشر بواسطة دار نشر ٍSVS التابعة لمعهد سانت فلاديمير اللاهوتي بنيويورك سنة 2002)

سرعان ما هزلت صحته بسبب فقر الدير الشديد، ولكنه أجبر على الانتقال إلى دير السريان ـ وادي النطرون سنة 1951، وهناك رسمه أنبا ثاؤفيلس قسًا رغمًا عنه باسم "القس متى المسكين" (بسبب وجود راهب آخر في الدير باسم متى - فاختار اسم القديس متى المسكين من القرن الثامن).

عاش متوحداً في مغارة وسط الصخور بعيداً عن الدير، وبعد سنتين، كلف أن يصير أباً روحياً لرهبان الدير وعلى الأخص للشباب المتقدم للرهبنة حديثاً، وهكذا صار رائداً للنهضة الرهبانية في الكنيسة القبطية في هذا الجيل ، و كان من أبرز هؤلاء الرهبان الراهب انطونيوس"البابا شنودة الثالث"

في 1954 اختاره بابا الإسكندرية الأنبا يوساب الثاني بابا الإسكندرية "1946-1956" وكيلاً له في مدينة الإسكندرية بعد أن رفع درجته الكهنوتية إلى إيغومانس "قمص" حيث مكث حوالي سنة وشهرين"مارس 1954 - مايو 1955" هناك، ترك في شعبها أثراً روحياً عميقاً ما زال ظاهراً حتى اليوم في إكليروس وشعب الكنائس القبطية في الإسكندرية حوالي 40 كنيسة.

 أوائل  1955 آثر العودة إلى مغارته بالدير ليكمل حياته الرهبانية في الوحدة والسكون، أُقيل تلغراف من أنبا يوساب وعاد إلى دير السريان،  وآنذاك ازداد الإقبال على التتلمذ له في طريق الرهبنة في الجمعة 20 يوليو 1956 ترك دير السريان إلى ديره القديم الأنبا صموئيل طلباً لمزيد من الخلوة والهدوء، فتبعه تلاميذه الجدد إلى هناك ظل هناك 3 سنين رُشح خلالها للمرة الأولى ليكون بطريركاً.

 

 

 البابا كيرلس السادس

 في 1958 أنشأ القمص متى بيتًا للمكرسين من الشباب المتبتل الذين يرغبون في الخدمة -دون الرهبنة- وكان مقره المؤقت في حدائق القبة، ثم انتقل في أوائل  1959 إلى حلوان.

 توجه ألاب متى من  دير الأنبا صموئيل في 27 يناير 1960 مع 12 راهبًا إلى بيت التكريس في حلوان، وأقاموا فيه بصورة مؤقتة لحين صدور توجيهات البابا كيرلس السادس لاختيار الدير الذي يناسبهم، ولكن طلبهم البابا كيرلس السادس "بقرار رسمي " بترك القاهرة حيث عزله من الرهبنة والكهنوت لمدة 9 سنوات، فتوجهوا إلى صحراء وادي الريان وحفروا مغائر عاشوا بها 9 سنوات، وكان بعض المعارف يرسلون لهم طعامًا كل شهرين على قوافل جِمال، في تلك الفترة أعلن الأنبا ثاؤفيلس أسقف دير السريان في جريدة الأهرام تجريد هؤلاء الرهبان من رتبهم وأسمائهم الرهبانية.

  بعد 9 سنوات طلب البابا كيرلس لقاء مع القمص متى  1969 لإجراء المصالحة وإعادته للرهبنة، بحضور القمص صليب سوريال والأنبا ميخائيل مطران أسيوط، وتم إلحاقهم بدير القديس أنبا مقار، بحضور الأنبا ميخائيل مطران أسيوط ورئيس الدير؛ حيث كان البابا كيرلس قد سلَّمه مسئولية بَعْث الحياة الرهبانية في الدير وتجديد وتوسيع مبانيه.

 بدأ الراهب المسكين في مسئولية إعادة إعمار الدير وإعادة تخطيطه، وإدارة شئون الدير والرهبان والعمال والزراعة والإنتاج الحيواني.

 

 

 

 البابا شنودة الثالث

 

بعد لما اتجهه الاب "متى المسكين "الى طريق الرهبنه ، حيث دخل الرهبنة جيل جديد من الشباب و كان من ضم هؤلاء الرهبان "نظير جيد" الذى انضم الى الدير باسم الراهب "انطونيوس السرياني"، و كانت  علاقته بالراهب متي المسكين  ، فكان القمص متى بالنسبة لراهب "انطونيوس" هو المرشد الروحي، بينما كان "نظير" بالنسبة للمسكين هو الأستاذ .

 

فى عام 1956، انتقل المسكين من دير السريان إلى صحراء دير الأنبا صموئيل، وانتقل معه عدد من الرهبان، كان من بينهم الراهب انطونيوس "البابا شنودة الثالث" ولكن سرعان ما نشأ الخلاف الفكري هناك، فقررتركه وعاد لدير السريان في مايو 1957، ومنذ تلك اللحظة لم يعد القمص متى مرشدا روحيا له .

 

 من الستينات وحتى  أوائل القرن الـ21، استمر الخلاف العقائدي بين  القمص متى والأنبا شنودة،  أبرزها كان حول مسألة "تأليه الإنسان"، و"عقيدة الكفارة والمبادلة الخلاصية"، "النقد الكتابي والتشكيك في صحة أجزاء بإنجيل مرقس وبعض عبارات انجيل متى"، و"دور الأعمال الصالحة في نوال الخلاص"، و"مفهوم الوحدة مع الطوائف الأخرى"، ومسائل أخرى.

قي هذه الفترة ، كان البابا شنودة غاضبا من حوادث صنفت تحت مسمي فتنة طائفية ، وهي مادفتة للصدام بالرئيس السادات ، وعلي خلفية  احداث "الزواية الحمراء" الطائفية فى سنة  1981 وقام "السادات" بعزل البابا شنودة و تحديد  إقامة فى دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون عقب اعتقالات سبتمبر الشهيرة، وتشكيل لجنة بابوية لإدارة شئون الكنيسة، وقتها قال البابا شنودة  " الكرسي الباباوي ليس دكة لكي يجلس عليها السادات خمسة اساقفة".

 

 

 

متي و الرئيس 

  فى مقابلات مع الرئيس السادات اعترض الاب متي المسكين  علي قرارات سبتمبر ،وطلب منه التراجع عنها فرد عليه "السادات" بأن كل شيء قد أعد ولا يمكن التراجع عنه‏.‏

 فقال له :المسكين"‏:‏

 سيادة الرئيس‏,‏ أي انسان قبطي يتعلم من صغره ان يؤدي مطانية‏‏ "أي سجود للأرض‏"‏ أمام رئيس الكنيسة‏,‏ لذلك فأي مساس برئيس الكنيسة يحدث جرحا عميقا في مشاعر الأقباط‏.‏

وبالمناسبة يا سيادة الرئيس أتوسل اليك ألا تدعوه في خطبك "شنودة" بل الانبا شنودة أو البابا شنودة كي لاتجرح مشاعر الاقباط ، ‏‏ 

‏‏ ثم أعاده الرئيس حسني مبارك بعد ذلك سنة 1984، ومنذ أحداث سبتمبر 1981، لم يلتق البابا شنودة بالقمص متى، حتى قام البابا بزيارة لدير الأنبا مقار في نوفمبر 1996، وتبادل الإثنين  التحية، وحدث عدة لقاءات أخرى بعد ذلك، إلا أن الخلاف اللاهوتي بقى كما هو، وهنا قال البابا شنودة في حديثه لجريدة "الأهرام"، "الأب متى المسكين ما من مرة كان مريضا إلا وزرته وسألت عنه، ولكن العقيدة شيء والعلاقات الاجتماعية شيء آخر".

 

 

 

 مؤلفاته

 

استمرت حركة التأليف الديني مستمرة وأصبح له أكثر من 180 كتاباً بخلاف ما ينشره من مقالات في مجلات وجرائد دورية (أكثر من 300 مقالة).

في 1988 بدأ في تأليف شروحاً لبعض أسفار العهد الجديد صدرت في 16 مجلد تتسم بالشرح الأكاديمي والتفسير الروحي واللاهوتي، ويتراوح حجم هذه التفسير ما بين 500 – 800 صفحة.

 و سبق أن ألَّف مجلداً ضخماً عن القديس أثناسيوس الرسولي سيرة حياته وجهاده ولاهوته (800 صفحة)، واخر عن الرهبنة القبطية في عصر القديس أنبا مقار (800 صفحة)، وثالث عن سر الإفخارستيا (700 صفحة)، ورابع عن حياة القديس بولس الرسول ولاهوته، ويعد من اهم الكتب الممنوعة .

 

 

بعض هذه الكتب والمقالات تُرجم إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والروسية واليونانية والإسبانية والهولندية والبولندية.

ظل حتى وهو على فراش المرض يكتب ويؤلف حتى تنيح ( توفي) يوم 8 يونيو 2006 عن عمر يناهز 87 سنة .

 

 دفن في مغارة في صخرة ضمن الأسوار المُحيطة بأرض الدير، كان قد اختار مكانها قبل نياحته بثلاث سنوات.  حيث نشر رهبان الدير في بعض الجرائد أنه ترك وصية بأن لا تصلي عليه أيَّة قيادات كنسيَّة، إنما يصلي عليه رهبان الدير فقط.

 

 
 
تم نسخ الرابط