بحث قانوني يؤكد حق الدول المقاطعة في غلق مجالها الجوي أمام الطيران القطري
كتب - وفاء شعيرة
اختصاص منظمة إيكاو ICAO محصور في الأمور الفنية والأمنية المتعلقة بسلامة تأمين المطارات
السيادة الكاملة والمطلقة للدول الأربع على الفضاء الجوي الذي يعلو إقليمها حمايةً لمصالحها العليا
النزاع بين الدول الأربع وقطر يخضع لاختصاص محكمة العدل الدولية ولا اختصاص لمنظمة إيكاو
النزاع أمام محكمة العدل الدولية سيكشف الصندوق الأسود للسجل الدموي لقطر في تدعيمها وتمويلها للإرهاب
نظام الشكوى بمنظمة إيكاو يقتصر على النزاعات المتعلقة بالتأمين والسلامة الفنية والأمنية
ليس من حق قطر الاعتراض إلا إذا تابت عن تمويلها للإرهاب وعادت إلى رشدها
في أول دراسة فقهية منهجية للفقيه القانوني المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة عن الحقوق السيادية لأربع دول عربية بعنوان: (الحقوق السيادية للدول الأربع " مصر- الإمارات- السعودية- البحرين" في غلق مجالها الجوي ضد الطيران القطري لحماية أمنها القومي من تدعيم وتمويل قطر للإرهاب. دراسة منهجية في ضوء قواعد القانون الدولي وإشكالية تنازع الاختصاص بين محكمة العدل الدولية ومنظمة الطيران المدني) نشر على الصفحة الرئيسية لموقع نادي قضاة مجلس الدولة.
قال خفاجي إن هذا البحث القيم يؤصل لفكرة إرهاب الدولة بإسناد علمي منهجي، وهي الفكرة المستجدة على الفكر الغربي، وهو أول بحث عربي– نظرًا لحداثة النزاع- يؤكد حقوق الدول الأربع في غلق مجالها الجوي بأفكار قانونية جديدة مبتكرة في إطار قواعد القانون الدولي دعمًا للأمن القومي العربي السياج الذي يحمي الأمة العربية بعيدًا عن التفسير الخاطئ لإحدى المستنظمات الفنية التي أقحمت نفسها في ساحات الأمور الاستراتيجية السيادية التي تصون أمن هذه الدول وتحقق تطهير أراضيها من براثن الإرهاب وجرائمه.

وتأتي أهمية هذا البحث الفقهي في أن النزاع سيعرض على محكمة العدل الدولية ما يجعل البحث له قيمة تاريخية ووطنية واستراتيجية وعربية عن مفهوم إرهاب الدولة.
ونعرض فيما يلي في الجزء الأول لأهم عناصر هذا البحث المهم الذي يخص أربع دول عربية.
أولًا: لا يوجد تنازع جدي في الاختصاص بين محكمة العدل الدولية ومنظمة الطيران المدني وقطر تستدعي مؤامرة جديدة لتشغل العالم بقضية محسومة قانونيًا على المستوى الدولي لتداري صندوقها الأسود في تدعيمها وتمويلها للإرهاب:
يقول الفقيه الدكتور محمد خفاجي إن العديد من الأسئلة تُطرح على بساط البحث في هذا الموضوع المهم الذي يمس حقوق الدول الأربع الإمارات والسعودية ومصر والبحرين وهم العنصر الفاعل المؤثر على الصعيد الحضاري والعالمي في المجتمع الدولي عن مدى الحق السيادي للدول الأربع في إغلاق مجال كل منها الجوي أمام الطائرات القطرية؟ ومدى اتفاقه مع قواعد القانون الدولي؟ كما يثور التساؤل أيضا عن مسؤولية الدولة الداعمة للإرهاب وعلاقته بغلق المجالات الجوية عن طيرانها؟ ويثور التساؤل كذلك عن فكرة الأمن القومي العربي الذي تتشارك فيه أكبر دول عربية والذي يدخل في السيادة الكاملة والمطلقة لتلك الدول، خاصة إذا ما تعرضت مصالحها العليا للخطر أم تنفرد به دولة وحيدة صغيرة؟ وأخيرًا يثور التساؤل عن مدى اختصاص منظمة الطيران المدني الدولية ICAO: هل يقتصر على الأمور الفنية في السلامة الفنية والأمنية لتأمين الطيران والمطارات؟ أم يمتد لنظر النزاعات ذات الطبيعة القانونية المحضة؟ أم يشتمل على نظر المسائل السياسية بين الدول؟ أم أن حقيقة اختصاص منظمة إيكاو ICAO برمته لا يخرج عن كونه اختصاصًا فحسب للنواحي الفنية والسلامة الأمنية لتعزيز سلامة الطيران المدني الدولي وأمنه وكفاءته واستدامته؟
ويتساءل الدكتور محمد خفاجي: هل نحن أمام تنازع جدي في الاختصاص بين محكمة العدل الدولية ومنظمة الطيران المدني؟ أم أن الأمر لا يعدو سوى اختلاق محاولة يائسة من دولة قطر واستدعاء مؤامرة جديدة لتشغل العالم بقضية محسومة قانونيًا على المستوى الدولي لتداري صندوقها الأسود في تدعيمها وتمويلها للإرهاب؟ هذا ما سوف نكشف النقاب عنه من خلال هذا البحث الذي يخص في المقام الأول الدول الأربع مصر والسعودية والإمارات والبحرين، ويخص كذلك وحدة الصف العربي وما دفعنا إلى هذا البحث سوى الغيرة الوطنية على وحدة أمتنا العربية وعلو شأنها بين الأمم.
ثانيًا: اتفاقية شيكاغو الصادرة عن المنظمة الدولية للطيران المدني "ICAO" وعلاقتها باتفاقيتي باريس وهافانا:
يوضح المستشار الدكتور محمد خفاجي أن اتفاقية الطيران المدني الدولي المسماة باتفاقية شيكاغو تعتبر الأساس الدولي الرئيسي للمنظمة الدولية للطيران المدني "ICAO"، التي وقعت عليها 52 دولة في 7 ديسمبر عام 1944. وقد وُلدت المنظمة الدولية للطيران المدني في الرابع من إبريل عام 1947. وتمثلت الغاية منإنشاء المنظمة الدولية للطيران المدني في أن التطور المستقبلي في مجال الطيران المدني الدولي بوسعه إيجاد الصداقة والتفاهم بين أمم وشعوب العالم والحفاظ عليها، وإن التعسف فيه قد يُشكل تهديدًا للأمن العام ومن المستحسن تفادي الخلاف وتشجيع التعاون بين الأمم والشعوب التي يعتمد عليها السلام العالمي، لذا اتفقت الحكومات الموقعة على بعض المبادئ والترتيبات الرامية إلى إتاحة تطوير الطيران المدني الدولي بطريقة آمنة ومُنظمة، وإنشاء خدمات النقل الجوي الدولي على أساس المساواة في الفرص، وتشغيله بشكل سليم واقتصادي.
ويضيف الدكتور محمد خفاجي أنه قد كان لنفاذ هذه الاتفاقيّة أكبر الأثر على الاتفاقيات الدولية التي كانت قائمة قبلها، وأهمها اتفاقيتا باريس وهافانا، إذ إنه بمقتضى المادة 80 من اتفاقيّة الطيران المدني الدولي تتعهد كل دولة متعاقدة بأن تعلن، بمجرد بدء نفاذ هذه الاتفاقيّة، نقض اتفاقيّة تنظيم الملاحة الجويّة الموقعة بباريس في 13 أكتوبر 1919، أو الاتفاقيّة الخاصّة بالطيران التجاري الموقعة في هافانا بتاريخ 20 فبراير 1928 إذا كانت طرفًا في أي من هاتين الاتفاقيتين، وتحل هذه الاتفاقية بالنسبة للدول المتعاقدة محل اتفاقيتي باريس وهافانا، المشار إليهما.
ويشير الدكتور محمد خفاجي إلى أنه من أهم الأثار المترتبة على نفاذ هذه الاتفاقية، هو إنشاء منظمة الطيران المدني الدولي، ونتج عن ذلك حل اللجنة الدولية للملاحة الجوية، ايكان، ICAN التي تكونت وفقًا لأحكام المادّة 344 من اتفاقية باريس عام 1919، ولجنة خبراء القانون الجوي الدولي، والتي أسّسها مؤتمر باريس لإعداد مشروعات القوانين، الخاصة بالمسائل المتعلقة بالقانون الجوي الدولي، واللجنة الأمريكيّة الدائمة للملاحة الجويّة، والتي أُنشأت بموجب اجتماع ليما عام 1937 في نطاق اتفاقية هافانا، التي عقدت عام 1928والمنظمة المؤقتة للطيران المدني الدولي بيكاو PICAO، التي أنشأها مؤتمر شيكاغو عام 1944 للقيام بمهام المنظمة الدولية للطيران المدني ICAO الأصلية، وقد تولّت الإشراف على شؤون الطيران المدني الدولي، حتى أنشئت منظمة الطيران المدني الدولي في 7 إبريل 1947 وفقًا للمادة 91 اتفاقية الطيران المدني الدولي لعام1944.
ثالثًا: فكرة السيادة الكاملة والمطلقة في اتفاقية شيكاغو وحق الدول الأربع على الفضاء الجوي الذي يعلو إقليمها ما يعرض أمنها القومي للمخاطر:
يقول الفقيه الدكتور محمد خفاجي إن أهم قاعدة من القواعد الرئيسية في اتفاقية شيكاغو 1944 طبقا لما نصت عليها المادة الأولى من تلك الاتفاقية هي قاعدة السيادة بالنص على أن تعترف الدول المتعاقدة أن لكل دولة سيادة كاملة، ومطلقة، على الفضاء الجوي، الذي يعلو إقليمها، ومن ثم فإن ممارسة الدول العربية الأربع الداعمة لمكافحة الإرهاب (مصر والإمارات والسعودية والبحرين) لحقها الدولي المشروع في غلق المجال الجوي أمام الطيران القطري إنما يكون لحماية أمنها القومي نتيجة اعتياد قيام دولة قطر بتدعيم الإرهاب وتمويله.
ويشدد الفقيه القانوني على أن الدول الأربع حينما تمارس حقها الدولي المشروع في هذا الشأن إنما تمارسه في حدود قواعد القانون الدولي العام في السيادة الكاملة والمطلقة للدول الأربع على الفضاء الجوي الذي يعلو إقليم كل منها وحمايةً للمصالح العليا لها وحق شعوبها في العيش بأمان واستقرار، ولا ينشأ لدولة قطر ثمة حق في الاعتراض على ذلك إلا إذا تابت عن تمويلها للإرهاب وعقلت إلى مراعاة الأمن القومي العربي وعادت إلى رشدها وهو أمر لا ريب ستقدره الدول الأربع حال حدوثه، لكن تلك الدولة المارقة مستمرة في غيها وإيواء الإرهابيين المطلوبين للعدالة في دولهم، على نحو لا ينبئ عن تغيير استراتيجية الدول الأربع نحوها في المستقبل القريب.
رابعًا: اختصاص منظمة إيكاو ICAO في الأمور الفنية والأمنية المتعلقة بسلامة تأمين المطارات، وقراءة متأنية في الملحق السابع عشر:
يقول الدكتور محمد خفاجي: انطلاقًا من أن النقل الجوي الدولي أضحى في العصر الحديث يتسم بالسلامة والأمن، فإن منظمة الطيران المدني الدولي(ICAO) تعد بمثابة المنتدى العالمي للتعاون بين الدول الأعضاء، ومن الجدير بالذكر أن نشاط الطيران المدني الدولي يخضع لأحكام اتفاقية شيكاغو 1944.
ويذكر الدكتور محمد خفاجي أنه بموجب اتفاقية شيكاغو 1944 تقوم منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو) بحسبانها منظمة متخصصة تتبع الأمم المتحدة، بوضع الحد الأدنى من القواعد القياسية وأساليب العمل الموصى بها للطيران المدني الدولي، وهذه القواعد يحتويها تسعة عشر ملحقًا لاتفاقية شيكاغو، مع الاعتراف بسلطان كل دولة على حدة في تنظيم نشاط الطيران المدني فيها، ومن ثم صار تأمين سلامة وأمن الطيران المدني أحد الأهداف الاستراتيجية لمنظمة الطيران المدني الدولي ومواجهة التدخل غير المشروع الذي بشكل تهديدًا لسلامة الطيران المدني.

ويلفت الدكتور محمد خفاجي إلى أنه على سبيل المثال لا الحصر بقصر اختصاص عمل منظمة الطيران المدني على النواحي الفنية والسلامة الأمنية، فإن التاريخ الذي يرصد يسجل للجمعية العمومية لإيكاو أنها عقدت دورة استثنائية في يونيو 1970م على أثر الزيادة الخطيرة في جرائم العنف التي عرّضت سلامة الطيران المدني للخطر في أواخر الستينات من القرن الماضي، فطلبت الجمعية العمومية إدراج أحكام في الملاحق الحالية أو الجديدة لاتفاقية شيكاغو تتناول مشكلة التدخل غير المشروع خاصة الاستيلاء غير المشروع على الطائرات، وفي أعقاب الأعمال التي قامت بها لجنة الملاحة الجوية ولجنة النقل الجوي واللجنة المعنية بالتدخل غير المشروع، اعتمد المجلس في 22 مارس 1974 التوصيات الدولية الخاصة بالأمن، وسماها (الملحق السابع عشر الأمن) ويتضمن هذا الملحق النقاط الأساسية لبرنامج إيكاو لأمن الطيران المدني، ويهدف أساسا إلى حماية الطيران المدني وتجهيزاته من أفعال التدخل غير المشروع، متناولًا الجوانب الإدارية والتنسيقية والتدابير الفنية لحماية أمن النقل الجوي الدولي، وهو يقتضي أن تضع الدولة المتعاقدة برنامجا خاصا بها لأمن الطيران المدني، تدمج فيه التدابير الأمنية الإضافية التي تقترحها الهيئات المختصة الأخرى.
ويستطرد الدكتور محمد خفاجي أن الملحق السابع عشر على النحو المتقدم يهدف إلى تنسيق أعمال المشاركين المختصين ببرامج الأمن، بحسبان أن شركات الطيران هي الجهة المسؤولة عن ركابها وممتلكاتهم، وهو ما يفرض على الدول الأعضاء التأكد من أن الناقلين الجويين يراعونها ويطبقون برامج أمنية تتوافق مع برامج أمن المطارات. ولا يمكن إغفال الدور الجوهري الذي يلعبه فريق خبراء أمن الطيران بصدد مراجعة الملحق السابع عشر، وقد قام المجلس بتعيين هؤلاء الخبراء ويشمل ممثلين من دول عديدة، وممثلي منظمات دولية مثل المجلس الدولي للمطارات، والاتحاد الدولي للنقل الجوي، والاتحاد الدولي لرابطة طياري الخطوط الجوية، ومنظمة الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول).
ويتطرق الدكتور محمد خفاجي في بحثه القانوني إلى أنه في تطور لاحق عام 1988 يؤكد وجهة نظرنا في أن الاختصاص المعقود لمنظمة الطيران المدني هو محض اختصاص يتعلق بالنواحي الفنية والسلامة الأمنية للركاب أُدخلت تغييرات إضافية على الملحق السابع عشر اشتملت على مواصفات من شأنها المساهمة في مكافحة التخريب، وبعضها أُدرج في التعديل واعتمدت في 1989، وهي تتعلق بالقواعد القياسية الخاصة بالجمع بين الأمتعة والركاب، وممارسة الضوابط على الأمتعة التي تدرج على الطائرات بعد نزول الركاب منها، وتطبيق الضوابط الأمنية على خدمات البريد الممتاز التجاري، وتطبيق الضوابط على البضائع والبريد في حالات معينة.
ويؤكد الدكتور محمد خفاجي أنه في تطور لاحق كذلك، يؤكد ذات الفكرة التي ننادي بها بشأن إنكار الاختصاص لمنظمة الطيران المدني لثمة نزاع جدى بين الدول الأربع ودولة قطر بشأن غلق مجالها الجوي أمام الطيران القطري بسبب قيام الأخير بتدعيم وتمويل الإرهاب أن مجلس إيكاو ذاته اعتمد في 7 ديسمبر 2001 أحدث تعديل للملحق السابع عشر على أثر ما تعرض له الطيران المدني من جراء أحداث 11 سبتمبر 2001 ودخل هذا التعديل حيز النفاذ في أول يوليو 2002 يتعلق بالتعاون الدولي على تبادل المعلومات عن التهديدات، وبتطبيق مراقبة الجودة على المستوى الوطني، وبمراقبة المنافذ، وبالتدابير المتعلقة بالركاب وأمتعتهم المسجلة، وبوضع أفراد أمن على متن الطائرات وحماية مقصورة القيادة والإجراءات الواردة في وثيقة "إجراءات خدمات الملاحة الجوية وقواعد الجو وخدمات الحركة الجوية"، ووثيقة "إجراءات خدمات الملاحة الجوية وعمليات الطائرات".
كما يوضح الدكتور محمد خفاجي أنه يستفاد من كل ما تقدم، أن منظمة الطيران المدني معنية بالأساس وبالقواعد القياسية ومواصفات أمن الطيران وكل ذلك بقصد مساعدة الدول الأعضاء على النهوض بالسلامة والأمن في الطيران المدني ومعظمها إجراءات فنية لمنع وقوع أفعال التدخل غير المشروع لضمان تحسين سلامة أمن الطيران، وبالتالي لا اختصاص مطلقًا لمنظمة الطيران المدني إيكاو فيما يتعلق بالأنزعة التي تثور بين الدول الأربع الإمارات والسعودية ومصر والبحرين الداعية لمكافحة الإرهاب وبين دولة قطر فيما يتعلق بغلق المجال الجوي للطيران القطري وتخضع للاختصاص العام الشامل لمحكمة العدل الدولية.
خامسًا: نزاع قطر يتعلق بمقتضيات الأمن القومي للبلاد الأربع، ولا يُعد من قبيل المفهوم الدقيق لنظام الشكوى السائد في منظمة الطيران المدني ICAO ولا تملك تلك المنظمة الفصل فيه:
مجلس المنظمة يحل الموضوعات بالطرق الدبلوماسية بحكم تكوينه الفني وأعضائه يفتقرون إلى الخبرة القانونية التي يستطيعون بها إنجاز الوظائف القضائية المقررة وفقا للفصل الثامن عشر من الاتفاقية المنشأة:
يواصل الدكتور محمد خفاجي أن قواعد تسوية أوضحت النزاعات في المنظمة وأن الإجراءات التي يجب اتباعها في الشكاوى هي نفس القواعد المتبعة في حالة النزاعات مع الفارق من حيث امتداد الإجراءات في الأولى وانتهائها في الثانية عند تقديم المذكرة المضادة (المادة 22 من قواعد تسوية النزاعات)، وبعد استلام المذكرة المضادة يقرر المجلس عقد اجتماع لإصدار قرار يحدد فيه طبيعة المسألة المعروضة عليه، وبيان ما إذا كانت تندرج تحت فئة الشكاوى بالمعنى المقصود الوارد في اتفاقي المرور والنقل الجوي الدولي (المادة 23/1 من قواعد التسوية والمادة الثانية قسم 2 من اتفاق مرور الخطوط الجوية المنتظمة والمادة الرابعة قسم 3 من اتفاق النقل الجوي الدولي) وإذا قرر المجلس اعتبار المسألة المعروضة عليه شكوى بالمعنى سالف البيان فإن على المجلس أن يعين اللجنة المكونة من خمسة أشخاص ويحول المسألة إليها، وعلى تلك اللجنة عند معالجة المسألة المطرحة أن تتقصى الحقائق وفي نفس الوقت تكلف نفسها لتكون وسيطًا بين الأطراف المتنازعة فتبدأ عملها بدعوة الدول المعنية إلى التشاور (المادة 24/1 من قواعد التسوية) وتتفق مع الأطراف المعنية بطريقة غير رسمية على ترتيب كيفية إتمام هذا التشاور بشكل يتفق ومقتضى كل حالة على حدة ( المادة 24/2) وأن تطرح الأسئلة على الأطراف المعنية للحصول على المعلومات الإضافية وتحاول جهدها لإيجاد حل عادل يرضى عنه جميع الأطراف، ثم تقوم بعد ذلك برفع تقرير عن حصيلة جهدها إلى المجلس (المادة 24/2 والمادة 25 /1).

ويضيف الدكتور محمد خفاجي أنه إذا لم تستطع اللجنة الخماسية تحقيق الحل المنشود عن طريق الجهود التي بذلت تقوم بتضمين تقريرها إلى المجلس الاقتراحات والتوصيات التي تراها مناسبة لحل النزاع (المادة 25/2)، أما إذا توصلت اللجنة إلى تسوية فإن شروط هذه التسوية تسجل وترسل إلى الأطراف (المادة 26/2 من قواعد التسوية)، وإذا لم تتحقق التسوية فإن المجلس يرسل اقتراحات وتوصيات اللجنة إلى الدول المعنية (المادة 26/3).
ويشدد الدكتور محمد خفاجي على نقطة غاية في الأهمية بأن نظام الشكوى يقتصر على النزاعات المتعلقة بالتأمين والسلامة الفنية والأمنية فإذا ما خرج النزاع المطرح على منظمة الطيران المدني عن ذلك كالحالة الماثلة التي تتعلق بقيام الدول الأربع مصر والإمارات والسعودية والبحرين الداعية لمكافحة الإرهاب بغلق المجال الجوي لكل منها على الطيران القطري بسبب قيام دولة قطر بتدعيم وتمويل الجماعات الإرهابية والإرهابيين من مختلف الجنسيات فإنه لا يجوز لها في الأصل أن تتعرض له لكونه ينحسر عن اختصاصها، لأن هذا النزاع يتعلق بمقتضيات الأمن القومي للبلاد الأربع المذكورة وهو أمر لا تملك تلك المنظمة الفصل فيه، ولا يعد من قبيل المفهوم الدقيق للشكوى السائد في نظام المنظمة، ويدخل إن كان له مقتضى ضمن الاختصاص الأصيل لمحكمة العدل الدولية التي ستجد نفسها بدورها في صعوبة بالغة في التدخل لمثل ذلك النزاع لأنه يصطدم بفكرة الأمن القومي والسيادة التي حرص ميثاق الأمم المتحدة على ضمان تمتع الدول بها.
ويشير الدكتور محمد خفاجي إلى أن نص المادة 32 من قواعد التسوية يتفق والسياسة التي يتبعها المجلس منذ أول قضية نزاع عُرضت عليه حيث يتجنب ما استطاع إليه سبيلًا تسوية النزاعات وفقا للطريق القضائي لأنه لا يملك أدواته بحكم تكوين أعضائه وبحكم اختصاصاته ويفضل دائما أن تحل النزاعات بالطرق الدبلوماسية، وذلك من وجهة نظرنا يرجع إلى طبيعة تكوين المجلس كما ذكرنا الذي يتألف من أعضاء يفتقرون إلى الخبرة القانونية التي يستطيعون بها إنجاز الوظائف القضائية المقررة وفقًا للفصل الثامن عشر من الاتفاقية المنشئة.
ويتابع خفاجي أن أي ما تقدم ما تقضى به المادة 84 من الباب 18 في اتفاقية شيكاغو لعام 1944، من أنه إذا وجد خلاف بين دولتين متعاقدتين أو أكثر على تفسير أو تطبيق هذه المعاهدة أو ملحقاتها ولم تفلح المفاوضات في فضه فعلى المجلس– بناء على طلب أي دولة طرف في الخلاف– أن يتخذ قرارًا في هذا الشأن، ولا يجوز لأي عضو في المجلس أن يصوت عند بحث المجلس لخلاف يكون هو طرف فيه، ومع عدم الإخلال بأحكام المادة الخامسة والثمانين لكل دولة متعاقدة أن تستأنف قرار المجلس إلى محكمة تحكيم يقبلها باقي الأطراف في النزاع أو إلى محكمة العدل الدولية الدائمة، وكل استئناف من هذا القبيل يجب إعلانه إلى المجلس في مدى 60 يوما من تاريخ وصول إعلان قرار المجلس.
وغدًا نعرض للجزء الثاني من هذا البحث المتفرد الذي يخص أربع دول تقاوم الإرهاب هي مصر الإمارات والسعودية والبحرين ضد قطر التي تدعم الإرهاب وتموله بشأن حق تلك الدول في غلق مجالها الجوي حفاظًا على مصالحها العليا وفكرة الأمن القومي العربي من تلك الدولة المارقة.



