
سر الشيخ "رضوان" في حياة جمال عبدالناصر

الأقصر- بوابة روز اليوسف
العارف بالله رفض مساعدة عبد الناصر المادية ليعلم الناس "التعفف"
تحتفل مصر حالياً بحلول الذكرى السادسة والستين لثورة ٢٣ يوليو، تلك الثورة التي نحرت مظاهر الاستعباد التي كان عليها المصريون أنذاك وأرست مبادئ المساواة والعدل بين مختلف أطياف الشعب لا فرق بين غني وفقير أبيض الوجه وأسوده إلا بإتقان العمل لصالح الفرد وقبل ذلك المجتمع ومن ثم الوطن.
وكل عام تأتي علينا ذكرى الثورة المجيدة لتروي لنا تفاصيل مختلفة من أحداث صاحبتها وقت انطلاق شرارتها لكن بألوان أخرى تحمل عبق التاريخ وحلاوة الماضي لتظل الصورة التاريخية للثالث والعشرين من يوليو عام ١٩٥٢ أيقونة داخل قلب كل مصري تحمل أجمل الذكريات.
"بوابة روزاليوسف" في الذكرى ٦٦ لثورة يوليو تلقي الضوء على واحداً من أهم الشخصيات التي كانت تتواجد في حياة الزعيم الخالد ذكره جمال عبد الناصر كان يأخذ بنصائحه ولا تفارق مخيلته أبداً كلماته التي كان يهمهم بها في أذنه بجانب الراحة النفسية التي كانت تدب ببدنه عند ملاقاته إنه الإمام العارف بالله الشيخ أحمد رضوان أحد أولياء الله الصالحين .
لمن لا يعرف الشيخ أحمد رضوان نشأ في بداية حياته بمنطقة نجع العرب بمحافظة أسوان في صعيد مصر ثم انتقل إلى منطقة البغدادي بمدينة البياضية، جنوبي محافظة الأقصر وذلك تنفيذاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء رؤيته في المنام، وهناك أقام بيتًا ومضيفة لاستقبال الضيوف واطعام الفقراء حوله وظلت كذلك كانت تستخدم في تحفيظ القرآن الكريم لأهل هذه المنطقة، حتى جاء العارف بالله بجوار داره بنى ساحة صغيرة تتكون من مجلس يجلس فيه ليعلم الناس أمور دينهم.
بدأت العلاقة الوطيدة بين العارف بالله الشيخ أحمد رضوان والزعيم جمال عبد الناصر بالتقريب في أواخر فترة الخمسينيات من القرن الماضي حتى وفاة الشيخ فحسبما يقول مصطفى صبري " حفيد العارف بالله " إن بداية الالتقاء بين" الزعيم الراحل والشيخ " كانت بعد استشارة عبد الناصر للدكتور حسن عباس زكي وزير الاقتصاد والمالية في حكومته ماذا يفعل كي يخرج من حالة الاحباط والاكتئاب التي كان عليها عبد الناصر في ذلك الحين بسبب ما كانت تتعرف له البلاد من مؤامرات.
وكان الدكتور حسن عباس زكي الذي تقلد مناصب وزارية خلال الفترة من عام ١٩٥٨ إلى سنة ١٩٦٥ قد ذكر في أحد مؤلفاته أن عبد الناصر لم يكن صوفياً في بداية حياته لكن كان على الطريق ويعتقد أنه ساهم في ذلك باعتباره شخصياً صوفياً أيضاً وينتسب للبيت المحمدي من ناحية والدته "كان بيننا خلوات روحية وإشراقية ، ولقاءات لا يحكمها البروتوكول التقليدي بين الرئيس والوزير".
ويضيف حسن أن علاقة العارف بالله الشيخ أحمد رضوان بالرئيس جمال عبد الناصر بدأت عندما اجتمع به وكان خارجاً من الوزارة في ذلك الوقت فأشار عليه بضرورة ملاقاته للعارف بالله للخروج من حالة الاحباط التي كان منغمساً فيها وحينها كان العارف بالله قد ذاع صيته كثيراً فاقتنع عبد الناصر وسأله كيف يحضره إلى القاهرة فذهب زكي إلى الشيخ.
ويشير عبد الله صالح أحمد رضوان - الرائد الثاني للساحة الرضوانية إلى أنه الوزير الدكتور حسن عباس زكي جاء بالفعل للعارف بالله وطلب منه أن يوافق على مقابلة الرئيس جمال عبد الناصر والجلوس معه لاخراجه من حالة الاكتئاب التي يمر بها وفي وقتها وافق فوراً العارف بالله الشيخ أحمد رضوان على المقابلة حيث لم يكن من عادته أبداً أن يرد سائلاً لمقابلته فقد كان يوهب نفسه لذلك ولا يلقي بالاً لأي شئون دنيوية.
توطد العلاقة بين الرئيس والشيخ بعد رفض العارف بالله مساعدة عبد الناصر المالية
ويروى الدكتور حسن عباس زكي في احدى مؤلفاته تفاصيل اللقاء بين الرئيس عبدالناصر والشيخ رضوان يعود قائلا: وعند الوداع وقع الالتباس كان عبد الناصر على الهاتف يقول لي: يا حسن شيء ما أغضب الرجل مني سألته: ماذا حدث؟
قال قدمت إلى الرجل "علبة صدفية" وبها بعض النقود. رفضها وغضب.
قلت له: لا عليك، هؤلاء الناس لايهتمون بالدنيا ومافيها، دعني أصلح الأمر ، ذهبت إلى الشيخ رضوان . سألته ماذا حدث تمنع الرجل عن الحديث.
قلت له الرئيس يدعوك لزيارته مرة أخرى.
رحب الرجل مستبشرا ، وكأن شيئا لم يقع وزال الإلتباس ، وبقي الإشراق ، قبل الزيارة قلت للرئيس أعطيه مسبحة أو مصحفا بعد الجلسة الثانية سارت العلاقة وطيدة بين الرئيس والعارف بالله الشيخ أحمد رضوان . لم أتدخل في الأمر بعد ذلك ... فقد عرف كل منهما طريقه إلى الآخر.
وحول هذا الموقف يعود " مصطفى صبري " بدت العلاقة تتوطد كثيرا منذ ذلك الوقت بين العارف والزعيم فأصبح جليسه الدائم الزيارات له والمتبادلة بينهما وكانت لقاءاتهم تتخلها البساطة وعدم التكلف فكان أحياناً يقابل الرئيس عبد الناصر جدنا الشيخ الجليل مرتدياً الجلباب وابتسامتهم كانت أول ما يرسم على وجوههم عند بداية اللقاء.
وبالنسبة لموقف رفض الشيخ لمساعدة عبد الناصر المادية فيستطرد حفيد العارف بالله أنه في فترة ما سمع أحبابه عن ذلك الموقف فسألوه عنه قال لهم أن عبد الناصر أقسم له أنه من ماله الخاص فسألوه إذاً لماذا رفضت وكان من الممكن أن تأخذها وتنفقها على الفقرا فكان الجواب منه " رفضت لأعلمكم العفة ولأجعل للعلماء هيبة ".
مسجد عبد الناصر ومحطة الرضوانية
يقول عبد الله صالح رضوان إن العارف بالله قرر بناء مسجد بجوار ساحته عرف باسم الزعيم جمال عبد الناصر وبالفعل بدأ البناء في المسجد وتم افتتاحه في يوم الجمعة الموافق ١٧ شعبان عام ١٣٨٥هجرية وسنة ١٩٦٥ ميلادية في حضور المهندس أحمد عبده الشرباصي نيابة عن رئيس الجمهورية - وبعدها كان الشيخ أحمد رضوان يريد توسعة الساحة عندما ضاقت مساحتها على المريدين والمحبين والمترددين عليها فتولت وزارة الأوقاف بتعليمات من عبد الناصر أعمال توسعة الساحة والتي عرفت منطقتها الآن باسمها، كذلك فقد قرر الرئيس عبد الناصر انشاء محطة انتظار قطار سميت بمحطة الرضوانية تكريماً للعارف بالله ولأهالي منطقته.
أردف حفيد الشيخ أنه قبل وفاة العارف بالله اشتد عليه المرض ، فأرسل الرئيس جمال عبد الناصر طائرته الخاصة لنقله إلى القاهرة للعلاج في المستشفى العسكري، وصحبه في هذه الرحلة فريد باشا زعلوك
وكانت رغبة الشيخ ألا يذهب إلى المستشفى، لكن الطيار سعد الدين الشريف أصر على ذهاب الشيخ إلى المستشفى العسكري تنفيذاً لأوامر الرئيس.
وكان فريد باشا يريد أن يقيم الشيخ في بيته، لكن الطيار والمرافقين للشيخ، رفضوا فاقترح فريد باشا أن ينزل الشيخ عنده فى بيته للراحة ثم بعد ذلك يذهب إلى المستشفى فوافقوا، ولما دخل الشيخ بيت فريد باشا زعلوك بمصر الجديدة، رفض الذهاب إلى المستشفى، وظل يعالج فى البيت وكانت الحاجة زينب شقيقة بريد باشا هي التي تقوم على تمريضه والعناية به وتقديم الطعام له، وانتقل في هذه الفترة مجلس الشيخ الذي كان يحضره الشيوخ «عبد الحليم محمود والشرباص والباقورى وأبوالعيون» بالإضافة إلى كوكبة من علماء الأزهر وغيرهم إلى بيت آل زعلوك، حتى انتقل الشيخ أحمد رضوان إلى جوار ربه فى العاشر من يونيو سنة 1967، وقد أمر القصر الجمهورى بتغسيله وتجهيزه وتكفينه والصلاة عليه في القاهرة، في مشهد مهيب، وأذن القصر بإعداد عربة مكيفة من الدرجة الأولى لنقل المعزين من القاهرة إلى الأقصر بالسكة الحديد، وذلك لتوقف حركة الطيران بعد الاعتداء الإسرائيلى في الخامس من يونيو 1967 وفي الأقصر تمت الصلاة عليه مرة أخرى ودفن في مقامه بمسجد ساحته بالبغدادي جنوبي محافظة الأقصر.