السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

1440 عامًا على هجرة "النبي محمد" من مكة إلى المدينة

1440 عامًا على هجرة
1440 عامًا على هجرة "النبي محمد" من مكة إلى المدينة
كتب - محسن عبد الستار

منذ أول يوم نزل فيه الوحي جبريل عليه السلام، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يدرك أنه مهاجر من مكة المكرمة، ولقد أبلغه ورقة بن نوفل بذلك، حينما قال له إنه: ما من نبي أرسل إلا وجاهده قومه وكذبوه وأخرجوه، فكان -صلى الله عليه وسلم- مدركًا لضرورة الهجرة، مقدرًا الظرف الذي أحاط به، ولقد سبق الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة هجرة أولى إلى الحبشة، فقد اشتد عذاب الكفار كثيرًا على صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  فأمرهم أن يتجهوا إلى الحبشة؛ لأن بها ملك عادل، ليقيموا فيها ويبتعدوا قليلًا عن بطش قريش وظلمهم.

وترجع الأسباب التي أدت إلى الهجرة النبوية الشريفة، إلى عدم تقبل كفار قريش دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- وعدم تصديقها والعمل بها، فكان في بداية الدعوة حريصًا أشد الحرص أن يهدي قومه وأهله إلى الإسلام والنجاة من عذاب الله سبحانه وتعالى.

الهجرة لغة

لفظ مشتق من الكلمة الثلاثية (هَجَرَ)، ومعناها الرحيل عن المكان، أو التخلي عن شيء ما، وتعرف الهجرة بأنها انتقال الأفراد من مكان إلى آخر بغرض الاستقرار في المكان الجديد.

اصطلاحًا

تعرف بأنها الانتقال من البلد الأم للاستقرار في بلد آخر، وتتم بشكل فردي أو جماعي من الموطن الأصلي إلى وطن جديد، وعادة ما توجد ظروف عديدة تؤدي إلى هذه الهجرة.

لقد بدأت دعوة النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- سرًا، حيث دعا أهله وأقرب الناس إليه لدخول الإسلام وتوحيد الله وعبادته، فكان من أوائل من دخل الإسلام من الرجال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، ذلك الصحابي الجليل الذي صدق برسالته، كما صدقه بكل ما يلفظ به من قول أو فعل، لذا سماه الرسول "الصديق". بعد بضع سنين أمر الله نبيه بالجهر بالدعوة، فاستشاط المشركون غضبًا، فكذبوه وردوا عليه دعوته، وناصبوه العداء، فآذوه وآذوا صحبه ومن أمن برسالته، وأنزلوا بهم أشد العذاب، وقالوا عليه ساحر ومجنون بعدما كانوا يطلقون عليه "الصادق الأمين"، فكان أبو بكر الصاحب الوفي والصديق، فدافع عن النبي بكل ما يملك، فعلم الله ما في قلبه من صدق وإيمان، فاختاره من بين الخلق أجمعين ليصحبه في هجرته من مكة إلى المدينة، ولما بلغ بالمؤمنين العذاب الشديد أذن الله لرسوله بالهجرة.

هجرة الرسول وصحبه

اجتمعت قريش كلها لتبحث أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن أمن معه، فانتهى بهم الأمر إلى قتله، واختاروا من كل قبيلة شابًا قويًا ليتفرق دمه بين القبائل ويصعب الثأر له.

نزل جبريل -عليه السلام- على خاتم المرسلين، وأمره بعدم المبيت في بيته هذه الليلة، وأخبره بأن المشركين يتربصون به فذهب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت صديقه وحبيبه أبي بكر الصديق، وأخبره بأن الله قد أذن له بالهجرة، فقال له أبو بكر: الصحبة يا رسول الله، فجهز أبو بكر راحلتين وأخذ كل ما يملك من المال، وأمر محمد عليه الصلاة والسلام عليًا ابن عمه أبي طالب بالمبيت في فراشه بدلًا منه، ليتوهم المشركون أن رسول الله نائم في فراشه، وعند حلول الظلام تجمع المشركون عند بيت رسول الله ومعهم سيوفهم الحادة.

 عندها خرج رسول الله من بيته وألقى التراب على رؤوس أعدائه مرددا قول الله سبحانه وتعالى: "وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ". واخترقهم دون أن يشعروا به ومضى في رعاية الله وحفظه.

الجائزة الثمينة

في صباح هذه الليلة استيقظ الحاقدون على النبي، المتربصون به من غفلتهم وعلموا أن عليًا ابن عمه، هو من كان نائمًا في فراش محمد، فعلمت قريش بالخبر فجن جنونها، فراقبت طرق مكة كلها، وأعلنت عن جائزة ثمينة لمن يأتي بمحمد وصاحبه، وهي مئة ناقة.

غار ثور

وفي هذه الأثناء اتجه رسول الله مع أبي بكر إلى غار "ثور" ومكثا فيه بضع ليالٍ، وخلال هذه الأيام كان عبد الله بن أبي بكر يأتي لهما بأخبار قريش، وكانت عائشة وأسماء تأتيان لهما بالطعام، وكان راعي أغنام أبي بكر يأتي باللبن، ويمحو بأغنامه آثار من يذهب إليهما بالغار حتى لا يصل خبرهما إلى قادة قريش ويصيبهما مكروه.

دليل الرسول وصحبه في الهجرة

استأجر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن أريقط ليدله على الطريق أثناء الهجرة، وكان مشركًا لم يسلم بعد، ولكنه كان خبيرًا عالمًا بالطرق.

انتشر الكفار في ربوع مكة بحثًا عن الرسول وصحبه، حتى وصل بعضهم إلى مكان وجوده، فنظر أحدهم إلى داخل الغار، ولكن الله أعمى بصره فلم ير شيئًا، فخاف أبو بكر أن يراهما أحد، فقال له الرسول الكريم: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما".

سراقة بن مالك واللحاق بالنبي

 وبعد ثلاثة أيام، خف الطلب واللحاق بهما، فخرج النبي وصاحبه، وعبد الله بن أريقط، دليلهما في الهجرة، وفي الطريق يراهم سراقة بن مالك، وكان قد خرج من مكة يبحث عن النبي وصحبه، رغبة في الحصول على الجائزة الثمينة، التي أعلنتها قبيلة قريش، وهي مئة ناقة، فأراد اللحاق بهما وإلقاء القبض عليهما ليفوز بالجائزة الثمينة، ولكن الله تعالى جعل أقدام فرسه تغوص في الرمال مرة تلو الأخرى، حتى طلب من رسول الله النجاة ويكف عن اللحاق بهما، فكان له ما أراد.

وعد الرسول لـ"سراقة"

وعد الرسول سراقة بأنه سوف يأخذ سواري كسري.. فقال النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- له حين لحق به هو وأبي بكر في أثناء الهجرة من مكة إلى المدينة: "كيف بك إِذا لبست سِوَارَيْ كسرى ومِنْطَقَتَه وتاجه؟!" ففرح سراقة بوعد النبي.. ورجع أدراجه وأصبح كلما مر به أحد من المشركين يقول له لم أر أحدًا في هذا الطريق.

تحقق وعد النبي لسراقة

بعد بضع سنوات، وفي عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. أَتي عمر بسواري كسرى ومنطقته وتاجه، ودعا سراقة بن مالك وألبسه إياهما.

بركة الرسول الكريم

وفي أثناء الهجرة، مر رسول الله بامرأة يُقال لها أم معبد، فطلب منها الطعام، فقالت له: إن شياهها هزيلة ولا يوجد فيها اللبن، فطلب رسول الله منها إحدى الشياه الهزيلة فمسح بيده الشريفة على ضرعها فتفجرت العروق باللبن، فشرب رسول الله وسقى المرأة وصاحبه ثم ارتحلا، وعندما أصبح على مشارف المدينة، وسمع الأنصار- أهل المدينة- بخبر قدومه، فخرجوا جميعًا لاستقباله بالأناشيد والتكبير فرحين بقدومه صلى الله عليه وسلم.. وبدأت حياة جيدة.

 

تم نسخ الرابط