السوريون في تركيا يعانون تدهور الليرة.. "نخسر من تعبنا"
كتب - وكالات
هنا، في اسطنبول، يرفض بعض العمال السوريين الحديث لوسائل الإعلام حول تأثير انخفاض الليرة التركية أمام الدولار الأميركي على عملهم وحياتهم اليومية خشية من السلطات الحكومية، نتيجة معرفتهم بالرسائل القصيرة التي ترسلها شبكة الهواتف المنقولة للمواطنين الأتراك، حيث يدعونهم فيها إلى "عدم الحديث عن انخفاض الليرة أمام الدولار عبر وسائل التواصل الاجتماعي".
واشترطت مجموعة من العمال السوريين في اسطنبول في حديثهم لـ"العربية.نت" عن معاناتهم مع انخفاض الليرة، عدم ذكر أسمائهم خوفاً من ملاحقتهم أمنياً.
يخسرون من تعبهم
وقال شاب سوري يعمل في مجال البناء (24 عاماً) لـ"العربية.نت": "لم تتغير رواتبنا أبداً، فهي على حالها كما كانت قبل الأزمة الاقتصادية، لكننا اليوم، نخسر من تعبنا، المعيشة اليومية، باتت مكلفة والأجرة زهيدة مقارنة بالقيمة السابقة للعملة التركية".
وأكد سوري آخر يعمل في مجال البرمجيات والحواسيب (32 عاماً)، أن "أموره قبل أزمة الليرة، كانت أفضل، كنتُ أقبض راتبي بالدولار، ولكن بعد ذلك، لم يدفع لي أرباب العمل مبلغاً كبيراً من المال، ما زاد من الصعوبات لدي".
وأوضح مستطرداً "ربما وجد مديري في العمل أن راتبي يعادل مالاً كبيراً مقارنة بالليرة التركية، فامتنع عن دفعه لي".
يعملون دون عقود وغالبيتهم بلا إقامات
حكاية هذا السوري هي واحدة من قصص مئات وربما آلاف العمال السوريين مع أرباب عملهم في تركيا، حيث يمتنعون في نهاية المطاف عن دفع أجورهم، إذ لا قوانين تحمي هؤلاء، لاسيما أن غالبيتهم يعملون دون عقودٍ رسمية.
أما من يعمل وفقاً لعقود رسمية، فنسبتهم ضئيلة مقارنة بمن يعمل دون عقود، وهم في المجمل يسعون للحصول على الجنسية التركية، حيث تقدم السلطات التسهيلات لمن لديه عمل ثابت.
ولا يحق للعامل السوري الذي يعمل دون عقدٍ رسمي، المطالبة بتعويضات إضافية عند تركِ عمله في ظل الأزمة الحالية في البلاد، وكذلك لا يحصل على ضمانٍ صحي أو إجازةٍ سنوية، وهو حال غالبية السوريين الذين يعملون في هذه المدينة.
وكذلك لا يملك كل العمال السوريين تصريحات قانونية تسمح لهم بالإقامة في تركيا، فالحصول عليها يتطلب جوازِ سفرٍ ساري المفعول في ما غالبيتهم، إما انتهت صلاحية جوازات سفرهم أو دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية، الأمر الذي يدعوهم لطلب بطاقة إقامة مؤقتة تُدعى بالتركية "كيملك"، وتمنحها تركيا لعدد كبير من اللاجئين السوريين دون أن يكون لها صلاحيات واسعة كاستخدام الخطوط الجوية أو التنقل بحرية ضمن البلاد إلا بعد الحصول على موافقة مغادرة من الجهات المختصة حين السفر من مدينة لأخرى.
وأمام هذه الظروف التي يصفها هؤلاء العمال السوريون بـ"الكارثية"، وكذلك بعض حالات الاستغلال من قبل أرباب عملهم، لا يفكر غالبيتهم سوى بالهروب نحو أوروبا، حيث يرون في تركيا دولة عبورٍ، على حدِ وصفهم.
واتجه بعض العمال السوريين الذين يعيلون عائلاتهم مؤخراً إلى اقتراض المال من أصدقاء وأقرباء لهم في أوروبا، بعد غلاء ثمن المواد الغذائية وأجرة البيوت التي يقطنونها، في ما البعض الآخر يعمل لساعاتٍ إضافية، كي يقوم بتأمين مصاريف تراكمت عليه نتيجة غلاء الأسعار.
ولم ترتفع أجرة وسائل النقل في اسطنبول نتيجة تعديلاتٍ على أسعارها قبل وقتٍ قصير، في ما رفعت تركيا مؤخراً من أجرة بعض وسائل النقل في جنوبي البلاد، الأمر الذي يؤثر سلباً على رواتب العمال السوريين في تلك المدن ومنها غازي عينتاب وشانلي أورفا.
أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة لم يتأثروا بالأزمة
وتمكنت "العربية.نت" من الوصول لعددٍ من المحلات التجارية الكبيرة التي يملكها السوريون في اسطنبول، وقال أحد أصحابها، "خسارتنا ضئيلة نتيجة تعاملنا بالدولار قبل حصول أزمة الليرة التركية، حيث كان تعاملنا بالليرة محدوداً وبسيطاً".
وحاول بعض التجّار السوريين وأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة دعم الليرة التركية في أزمتها، بينما هي تواصل خسارتها أمام الدولار، لتفقد نحو 40% من قيمتها منذ بداية العام الجاري.
وفي هذا الإطار، تشير إحصائيات اقتصادية، إلى أن "من بين 4 مستثمرين أجانب في تركيا هناك مستثمر سوري".
وقررت تركيا في وقت سابق، منع الكتابة باللغة العربية على واجهة المحلات التجارية والمطاعم ومشاريع أخرى يملكها سوريون في البلاد، بعدما اكتظت مراكز مدنٍ جنوبية في البلاد وبعض شوارع اسطنبول بمحلاتٍ كُتبَ على واجهاتها بالعربية فقط.
وفي سياق متصل، أفاد تقرير نشره معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، بأن "اللاجئين السوريين ساهموا في زيادة عدد سكان تركيا منذ العام 2014 بنسبة 4.2%".
وتكشف أرقام الأمم المتحدة، أن "أكثر من نحو ثلاثة ملايين لاجئ سوري على الأراضي التركية، وهم يشكلون نحو ثلث إجمالي اللاجئين في العالم".
أسباب داخلية وخارجية لفقدان الليرة التركية لقيمتها
وتعاني تركيا من مشاكل سياسية داخلية تعيق نهوض قيمة عملتها من جديد، ويربطها محللون بالاستفتاء الذي أجراه الرئيس رجب طيب أردوغان والذي حوّل نظام الحكم في البلاد من نظامٍ برلماني إلى رئاسي في ابريل من العام 2017، بالإضافة لسوء العلاقات بين واشنطن وأنقرة التي ترفض إطلاق سراح القس الأميركي أندرو برانسون المحتجز لديها منذ العام 2016.



