احتفال ١١٦ سنة بالمتحف المصري
كتبت - كاميليا عتريس
وسط تغطية إعلامية عالمية ومحلية، وبحضور عدد كبير من السادة الوزراء وسفراء الدول الأجنبية والعربية والمستشارين الثقافيين ووكلاء ورؤوساء اللجان، وأعضاء مجلس النواب والمحافظين وكبار الشخصيات العامة، احتفل المتحف المصري بالتحرير مساء اليوم الاثنين الموافق 19 نوفمبر 2016 بذكرى تأسيسه المائة وستة عشر.
حضر الاحتفالية ٣١ وزيرًا منهم ١٨ وزيرًا حاليًا منهم وزير الشباب والرياضة، ووزير التخطيط، ووزيرة التضامن الاجتماعي، وزيرة السياحة، وزير النقل، وزير التعليم، وزير الاتصالات، ورئيس لجنه الآثار والثقافة والسياحة أسامة هيكل، وزير التموين، ورئيس لجنة السياحة والطيران، وأكثر من ٥٠ سفيرًا ومستشارًا ثقافيًا، ووكيل مجلس النواب، والنائبة سحر طلعت مصطفي.
وخلال الكلمة الافتتاحية، رحب الدكتور خالد العناني وزير الآثار بالسادة الحضور، وأكد أن الوزارة تحرص من خلال هذا الحفل الكبير، على إرسال رسالة هامة للعالم أجمع تؤكد قيمة هذا الصرح العظيم، والذي لا تقتصر فقط على ما يضمه من كنوز أثرية لا مثيل لها، ولكن أيضا للبعد التاريخي لهذا المبنى العريق، الذي يعد من أوائل المتاحف في العالم، والذي تم تصميمه وإنشاؤه منذ البداية ليكون متحفًا للآثار، لافتًا إلى أن المتحف المصري لن يموت أو حتى يتأثر بإنشاء المتاحف الكبرى مثل المتحف المصري الكبير ومتحف الحضارة، والذي سينقل إليها عدد من القطع الأثرية بهدف إعادة اكتشاف الكنوز المعروضة بالمتحف المصري بالتحرير من خلال سيناريوهات عرض جديدة تبرز جمالها. ولن يتوقف الأمر على ذلك فحسب، بل سنقوم بالعمل على إثراء المتحف بآثار رائعة من المكتشفات الحديثة ومن الآثار المستردة، وكذلك اختيار مجموعات جديدة متميزة من بين عشرات الآلاف من القطع المحفوظة بالمخازن، ليستمر المتحف المصري درة تاج المتاحف العالمية.
وأوضح د. العناني أن اليوم المتحف المصري يظهر في حلته الجديد، بأولى خطوات العرض المتحفي، بإعادة تقديم كنوز يويا وتويا في ثوب جديد، لتعرض كاملة لأول مرة منذ اكتشافها في مقبرتهما بوادي الملوك عام ١٩٠٥، ويضم العرض الجديد 214 تحفة أثرية متنوعة وفريدة، منها قطع كانت مخزنة تُعرض لأول مرة للجمهور، مثل مومياوتي يويا وتويا وبردية يويا الملونة، التي يبلغ طولها حوالي عشرين مترًا والتي تم تجميعها بأيدي مرممي المتحف المصري.
وأعلن خلال كلمته بافتتاح المتحف مجانًا للزيارة للمصرين والعرب والأجانب المقيمين.
وقد قامت شركة أوراسكوم للاستثمار برعاية هذا الحفل، وذلك في إطار عرض الرعاية الذي تقدمه الشركة لعدد من الاحتفالات الأثرية، وفقا للائحة الرعاية التجارية الحديثة الثي أصدرتها وزارة الآثار، وأكد السيد المهندس نجيب ساويرس رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لشركة أوراسكوم للاستثمار أن قيام الشركة بهذه الرعاية ينبع من اهتمام وحرص الشركة بتطوير قطاع الآثار وإظهار ثراء مصر الحضاري العظيم، وجذب اهتمام العالم إلى حضارة وآثار مصر لتكون محط أنظار العالم كما تستحق.
وأضاف د.العناني أن العمل مازال مستمرًا حتى الآن، لاستكمال أعمال تطويره من خلال التعاون مع متاحف تورين وبرلين واللوفر ولايدن والمتحف البريطاني، للوصول به إلى المعايير المعتمدة من منظمة اليونسكو، وذلك من خلال خطة عمل تستمر سبع سنوات، كما قامت وزارة الآثار في الفترة الماضية بجهود حثيثة للترويج للمتحف، فقد تم فتحه لأول مرة ليلا للجمهور يومي الخميس والأحد من كل أسبوع، كما اتُخذت خطوات عديدة لرفع كفاءته مثل تغيير الإضاءة، وإعادة فتح منطقة البازارات بعد غلقها منذ عام ٢٠١١، وتركيب ٢٠٠ مروحة حائطية، وتم وضع لوحات إرشادية حديثة منذ أيام بالتعاون مع اليونسكو، وجارٍ التنسيق حاليًا مع معالي وزيرة التضامن الاجتماعي لإشهار جمعية أصدقاء المتحف المصري بالتحرير.
من جانبه قال الدكتور مصطفى وزيري الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار أن تطوير المتُحف لن يقتصر فقط على تطوير سيناريو العرض المتحفي، بل يتزامن مع تطوير ورفع كفاءة البنية الأساسية للمبنى، وإعادة المتحف إلى حالته الأولى وقت افتتاحه منذ ١١٦ عاما، فتمت إعادة الدهانات بالدور العلوي إلى لونها الأصلي، كما تم تغيير زجاج أسقف المتحف إلى تقنيات الـ UV لمنع أشعة الشمس الضارة على القطع الأثرية، كذلك تم إعادة أرضيات بعض المتحف إلى شكلها القديم.
وقالت إلهام صلاح رئيس قطاع المتاحف، إن المتحف المصري بالتحرير، يعد منارة الآثار حول العالم لما يحتوي عليه من قطع أثرية فريدة وهامة، ويأتي الاحتفال اليوم بذكري تأسيسه المائة وستة عشر بمثابة مرحلة استثنائية، ليتم عرض سيناريو متحفي عالمي جديد للقطع الأثرية الموجودة به مع الحفاظ على هويته وإعادة عرض لأهم القطع وإبرازها، حيث يضم المتحف قرابة الخمسة آلاف قطع أثرية تتنوع بين المعروض، والموجود داخل المخازن الخاصة به، والمكتشفات الأثرية الحديثة، والآثار المستردة من الخارج. وأشارت أن من أهم القطع التي سيتم عرضها اليوم هي المجموعة الكاملة لمقبرة يويا وتويا.
وأشارت أن أعمال التطوير تتضمن المدخل وإعادة سيناريو العرض المتحفي الخاص بالقاعات 46،47،49،50،51. كما سيتم وضع رؤية استراتيجية شاملة وخطط للتسويق والترميم والحفظ، وغيرها من الخطط، التي تهدف إلى ربط الجمهور بالمتحف وخلق قنوات للتواصل والتفاعل مع مختلف الفئات المجتمعية، ودمج أهم الوسائل التكنولوجيا الحديثة
ومن جانبها أوضحت صباح عبدالرازق مدير عام المتحف أن مقبرة يويا وتويا تم الكشف
عنها عام ١٩٠٥م، أي قبل اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون بما يقرب من سبعة عشر عامًا، وهي المقبرة رقم ٤٦. ويويا وتويا هما والدا الملكة تي زوجة الملك العظيم أمنحتب الثالث، وجد وجدة الملك أخناتون، وقد حظي كل منهما على مكانة رفيعة خولت نحت مقبرتهما في وادي الملوك بالبر الغربي بالأقصر، هذا المكان الذي كان مخصصًا فقط لمقابر الملوك.
وتظهر أسماء الزوجين يويا وثويا، اللذين ينتميان للعائلة الملكية، على العديد من آثار المقبرة، كما ذُكرا بصفتهما أبويا الملكة تي في نقوش جعرانين تذكاريين من عهد الملك أمنحتب الثالث. وتعود أصول يويا إلى مدينة أخميم، حيث كان ينتمي إلى طبقة النبلاء، وكان أحد كبار رجال الجيش، فضلًا عن عمله كاهنًا للإله مين المعبود الرئيسي في أخميم، كما شغل عدة مناصب مهمة في القصر، مثل المشرف على الخيول، وقد يشير لقبه "والد الإله" إلى دوره المتميز بصفته حما الملك.
كما حملت تويا العديد من الألقاب الدينية، فضلًا عن لقب "الأم الملكية للزوجة العظيمة للملك"، وهو اللقب الذي اعتزت به كثيرًا، وسجلته مرارًا وتكرارًا على توابيتها ومقتنياتها، وبالإضافة إلى الملكة تي أنجب يويا وثويا ابنًا يُدعى عنن، كان يشغل منصب الكاهن الثاني لآمون.
وتعد مقبرة يويا وتويا من أجمل المقابر التي تم اكتشافها، لما تحتوي من كنوز عظيمة تعبر عن الحياة اليومية لهما، مثل العجلة الحربية ليويا والأسرة والكراسي وصناديق حفظ الحلي المصنوعة من الخشب المذهب والمطعم من الفيانس والعاج والابنوس، وأوانٍ من الالباستر والحجر والحجر الجيري الملون، كما احتوت أيضا على مومياء كلا من يويا وتويا في حالة جيدة من الحفظ والتوابيت الداخلية والخارجية لهما، والأقنعة الخاصة بهما وهي مصنوعة من الكارتوناج المذهب والمطعم بالأحجار الكريمة، كما تم العثور على صناديق وأواني الاحشاء وتماثيل اوشابتى، وأطول برديج في مصر ويبلغ طولها ٢٠ مترًا، وهي البردية الخاصة ليويا ومكتوب عليها كتاب الموتي.
كما تظهر للجمهور وتعرض لأول المرة اليوم بردية "يويا" المدونة بالخط الهيروغليفى المبسط، والتي تعد أطول بردية عثر عليها في مصر، وأوضح مؤمن عثمان مدير إدارة الترميم بالمتحف المصري بالتحرير، أن البردية ظلت مخزنة داخل دواليب التخزين بالمتحف المصري منذ اكتشافها في مقبرتهما بوادي الملوك عام ١٩٠٥، وقد عثر عليها متكاملة في شكل لفافة ممتدة وفي حالة جيدة من الحفظ، وتحتفظ بألوانها وحالتها جيدة جدًا، ولم يكن في الإمكان عرضها بصورتها الكاملة نظرًا لطولها الذي يقرب من 20 مترًا.
وأضاف أنه قد تم فردها وقت الاكتشاف، وتقسيمها إلى 34 جزءًا بالإضافة إلى جزء صغير خالٍ من الكتابات ليكون المجموع 35، وقبل البدء في أعمال الترميم استعدادا لعرضها، فقد بدأ فريق العمل في فتحها وتوثيق حالتها الأثرية، حيث تم استخدام التوثيق الفوتوغرافى عالي الجودة والميكروسكوب الضوئي لفحص البردية، وتم فحص حالة الأحبار والألوان المستخدمة التي ظهرت في غاية الروعة والإبداع.
أما عن أعمال الترميم فقال مؤمن إنها شملت تجميع الأجزاء المنفصلة للبردية، بشكل جزئي لكل قطعتين، حتى نتمكن من سهولة تحريكها وعرضها، استخدم الأسلوب الياباني في وضع الحامل الجديد المكون من الورق الياباني 5جم/متر، والمكون من ألياف نبات الكوزو، الذي ينمو في اليايان مع استخدام أساليب القطع اليابانية التقليدية والتي أضيف عليها بعض التغييرات التي تتلاءم مع ظروف البيئة والحفظ في مصر.
واستطرد قائلا إن البردية ترجع إلى برديات الدولة الحديثة في تكوينها سواء من حيث حجم الصفحات المكونة للبردية يتراوح طول كل ورقة من 11.5 إلى 14 سم، وتميزت تلك البردية ذات الرسوم المصورة والبطاقات المرسومة بالروعة، وتجسدت روعتها في دقتها وتعدد ألوانها وعنايتها بالتفاصيل، وتتضمن بردية "يويا" أربعين تعويذة من "كتاب الموتى"، أو كتاب "الخروج بالنهار" وهو مجموعة مختارة من التعاويذ والتلاوات والاعترافات والارشادات، فضلا عن مجموعة أخرى من المتون الجنزية، أكثر من كونها "كتاب" بمعناه الحقيقى. هذه التعاويذ موضوعة بشكل متلاصق وأن خلت من التسلسل المتعاقب.
وقالت نيفين نزار معاون وزير الآثار لشؤون المتاحف والعرض المتحفي، إنه قد شارك في فعاليات حفل عيد ميلاد المتحف، فريق عمل مشروع حائط المعرفة، تحت إشراف د. فتحي صالح والتابع لمكتبة بعمل تطبيق على الموبايل والتابلت، مستخدما تكنولوجيا augmented reality الواقع المعزز في شرح محتويات مقبرة يويا وتويا وبردية يويا بلغة سهلة وعرضها بطريقة 3D.
وأشارت مايسة مصطفي باحث ومدير العلاقات العامة لحائط المعرفة بمكتبة الإسكندرية إلى أن استخدام تكنولوجيا الواقع المعزز يساعد للوصول لجمهور الشباب وتعريفهم بتراثهم، وأيضا يضع مصر في مصاف الدول في الخارج وذلك لمواكبة لغة القرن ٢١ في نقل المعلومات.
وأضافت أن المكتبة ساهت أيضا بفيلم تسجيلي قصير عن كل خطوات نقل وترميم وعرض بردية يويا وتويا مجمعة، وذلك يتم توثيق كل خطوات الترميم لأول مرة في تاريخ البرديات في مصر.



