كاتب صيني بالأعلى للثقافة: الثقافة الحقيقية تخرج من القرى
كتب - محمد خضير
أقام المجلس الأعلى للثقافة بأمانة الدكتور سعيد المصري، وبالتعاون مع المركز الثقافي الصيني بالقاهرة محاضرة بعنوان: "النموذج الصيني في التنمية الثقافية"، ألقاها المحاضر الصيني الدكتور لي مينغتشيوان، نائب رئيس اتحاد سيتشوان، والباحث في أكاديمية العلوم الاجتماعية في سيتشوان، وأدار النقاش الدكتور شريف عوض.
تحدث الدكتور لي مينغتشيوان في بداية المحاضرة، مؤكدًا أن تاريخ مصر العريق، وحضارتها وثقافتها يمثلوا جاذبية قوية للصين، لذا دائمًا ما يتطلع الشعب الصيني لزيارة مصر، وأن الحضارة المصرية قامت في الريف والقرى، تمامًا مثلما قامت الحضارة الصينية، وأكد أن الرئيس الصيني يؤمن بأن الأقليات لا تقل أهمية عن الأغلبية، إذا كنا نريد تنمية حقيقية، كما تحدث عن استثمار هذا التراث الثقافي الثرى، كمدخل للتنمية الثقافية، لأن الثقافة لن تتحقق بمنأى عن التراث.
كما أشار إلى أهمية دعم البنية التحتية، وتحسين نوعية الحياة للبشر كمدخل إلى التنمية الثقافية، وقال إنه بعد تأسيس الصين بدأت الدولة تهتم بالريف وتطويره، وعندما وصلنا إلى التسعينيات ظهرت المشاكل الاجتماعية، فمثلًا المناطق الساحلية ذهب إليها العمال، وأصبح هناك مصطلح "العمال الفلاحين"، وأصبحت بعض القرى خالية من السكان، فبعض القرى سميت بقرية الشخص الواحد، وقد أدرك الشعب الصيني هذه المشكلة وحاول حلها المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، بواسطة وضع استراتيجية للقضاء على هذه المشكلة.
كما أكد أن التنمية الثقافية هي صناعة تتطلب مقومات وأدوات واستراتيجيات، وقدم مثالًا على تطوير الصناعات في الريف بقرية يتنوان، وقال بعد تطور الريف يجب أن يكون لدى الفلاحين حماية لثقافتهم التي امتزج فيها الحديث بالقديم، ليصبح الفلاحين قادرون على الإبداع بأنفسهم.
وتابع متحدثًا عن الفكر الإبداعي كمدخل للتغيير، وتساءل كيف ننهض بالريف بواسطة الثقافة؟ ثم أوضح أن نهضة الريف تتأثر بالثقافة، وضرب المثل بقرية جيوجيام الصينية، وهي تعد مكان متعدد الثقافات وليس فقط معلم سياحي جميل، لكن به الكثير من الخصائص التاريخية.
وقال هناك قرية تتميز بالزهور صفراء اللون أبتدع سكانها عيدًا أطلقوا عليه: "عيد الزهور الصفراء"، كما قاموا أيضا بكثير من الأنشطة الأخرى المتعلقة بالزهور الصفراء، مما كان له عائدات سياحية كبيرة تعادل 15 مليون جنيه مصري، بالإضافة أيضا لخلق مشروعات أخرى ومنتجات ثقافية شيقة للغاية، عن طريق الكتب المدرسية التي تناولت هذا المكان الذي قام بدمج ثقافة الأم الرحيمة، التي ترتبط بشخصية تاريخية كانت موجودة في التاريخ الصيني، وكانت تمثل صورة للأم الصينية، لذا نجد بعض الحدائق هناك قد تمحورت حول موضوع الأم الصينية.
وأضاف مثالًا آخر لقرية مساحتها صغيرة في مقاطعة "ستشوان"، وقد اكتسبت شهرتها بدمج الفن والرسم والمشغولات الخزفية، ومختلف مجالات التعليم الفني، ويضاف إلى ذلك الفنادق الفنية والمساكن الشعبية هناك، التي قام سكانها بفتح بيوتهم كفنادق للسياح، فعندما تذهب إلى هناك تجد أشكال مختلفة من الفنون، وأكد على اهتمام الصين برفع مستوى الوعى الجمالي والفني، كونه شيء مهم للغاية لأنهم يعيشون في بيئة قد تكون فجه، وأشار إلى إحدى مقولات المفكر الاشتراكي الشهير كارل ماركس عام ١٨٤٤م، حين أوضح أن المجتمع الاشتراكي ستتلاشى به عملية تقسيم العمل كما ستتلاشى الطبقات، فمثلًا من يعمل في المناجم ومن يعمل في تربية الأغنام، هذا التقسيم في العمل يخفى تمامًا المواهب الموجودة داخل كل منّا؛ فكل شخص يُخرج الفنان والملكة الموجودة بداخله، وقال ماركس بهذا ممكن أن يصبح كل شخص رسام، وأضاف الدكتور لي مينغتشيوان أنه يرى أن كل شخص ممكن أن يصبح فنان وليس رسام فقط.
عقب هذا تابع مشيرًا إلى أن هذه الثقافة خرجت إلى خارج القرية وبدأ الصينيين في نشرها، كما أن هناك أيضا نظام وضعوه لتنمية الصناعات الموجودة في الريف، وأوضح أن حفل الربيع يمثل حدث مهم جدًا في الصين؛ ففي الربيع يحتفل الصينيين بفوانيس لا تخرج إلا في هذا الفصل، ويقام حفلًا كبيرًا للغاية وهو ما تحول على مر الأعوام إلى عادة شعبية، لذا فيعد تأثير حفل عيد الربيع كبير، وهذا الحفل في قرية "ليشويه" يحقق دخل ما يعادل ٢٥ مليار جنيه مصري.
وتحدث عن اقتصاديات الريف كمدخل للتنمية، ونهضة القرى التي تشمل الشكل والمضمون، وهذا ما تفعله الحكومة الصينية الآن، حيث يجب تطوير الفلاحين ليس في المظهر فقط بل في الجوهر أيضا، كيف يمكن أن نجعل الأشخاص سعداء، فإذا عاشوا في حزن وقلق، كيف تتحدث عن تطور؟ هذا يجعلنا نخلق فلاح قوى وفلاح غنى؛ فالثقافة يمكن أن تقوى الأشخاص، وأن تجعلنا سعداء والأشخاص يشعرون بالسلام والسكينة والهدوء والأمان عند تطوير الثقافة.
وتابع مؤكدًا أن الشخص المثقف الذي يفهم الموسيقى والفن، حتى إذا أراد أن يكون سيئًا، فسوف يجد صعوبة كبيرة في ذلك، وأكد أن الثقافة التقليدية الصينية قوية ومتنوعة.
وقد جاءت المحاضرة ضمن برنامج "منتدى الحوار الثقافي"، الذي ينظمه المجلس الأعلى للثقافة ضمن خطته الثقافية، ويتناول كل لقاء بالمنتدى استضافة لأحد المفكرين البارزين على الساحة الثقافية العربية والعالمية، لإلقاء محاضرة حول أحد الموضوعات والقضايا الثقافية، وقد فتح حوار عقب انتهاء المحاضرة مع المفكرين والرموز الثقافية المصرية لطرح الرؤى المختلفة وتبادل الخبرات الفكرية.



