تعرف على النمسا.. الدولة صاحبة التاريخ في الدفاع عن القضايا العربية
كتب - بوابة روز اليوسف
جمهورية النمسا دولة صغيرة في وسط أوروبا من حيث عدد السكان حوالي 9 ملايين نسمة، ومن حيث حداثة استقلالها، وكذلك من حيث صغر مساحتها (نحو 84 الف كيلو متر مربع) إلا أنها بلد بالغ الأهمية لنا ولمنطقتنا ولأوروبا وللبشرية كلها بفضل قادتها التاريخيين ودورهم وحكمتهم التي جعلت من بلادهم مركزًا دوليًا للسلام والسياحة والثقافة والأمن والحوار العالمي والدبلوماسية.
فالنمسا دولة ذات تاريخ عريق، كانت إمبراطورية في عصر الإمبراطوريات الكبرى، ولكن جمهورية النمسا بوصفها الحالي وحدودها الراهنة، حصلت على استقلالها في عام 1955 بعد ما تعرضت خلال الحربين العالميتين لتغييرات كبيرة سياسية وعسكرية وجغرافية.
وطبقًا لاتفاقية استقلالها، أصبحت النمسا دولة محايدة، لا تنضم لأحلاف عسكرية، ولا تستضيف قواعد عسكرية على أراضيها، الأمر الذي منحها مكانة رفيعة وأهمية سياسية بالغة للعالم كله، بعدما تحولت عاصمتها فيينا إلى مركز عالمي للحوار والمفاوضات بشأن كل قضايا العالم، ومنها صدرت العديد من الاتفاقيات الدولية لعل أبرزها اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961 وللعلاقات القنصلية عام 1963 كما تستضيف فيينا مقرًا إقليميًا للأمم المتحدة يشبه المقر الموجود في جنيف بسويسرا، وهي أيضا مقر للعديد من المنظمات الدولية والإقليمية مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة أوبك وغيرها.
ونتيجة لحيادها تمتعت باستقرار سياسي وأمني متميز، حصدت نتائجه في استعادة عاصمتها فيينا لمكانتها التاريخية كمركز عالمي للفنون والثقافة والعلوم والتعليم والآداب، واستعادت الأكاديميات المتخصصة في هذه المجالات دورها كمقصد للراغبين في تعلم الفنون والآداب من أنحاء العالم، وأقبل عليها السياح من أوروبا والشرق الأوسط ومناطق أخرى حتى أصبح الملايين التسعة في النمسا يستقبلون نحو 40 مليون سائح سنويًا من أجل الاستمتاع بالآثار التاريخية والفنون والطبيعة الخلابة في حدائقها وجبالها.. الأمر الذي حولها– إلى جانب تقدمها الصناعي– إلى المركز (12) عالميًا بين أغنى دول العالم.
ويضيف تقرير هيئة الاستعلامات أن النمسا استطاعت استعادة نهضتها ومكانتها في وقت قياسي بفضل قادتها العظام وفي مقدمتهم المستشار "برونو كرايسكي" أحد أعظم قادة العالم في القرن العشرين الذي يعرفه المصريون والعرب جيدًا بسبب مواقفه التاريخية إلى جانب الحق الفلسطيني.
فقـــد قـــاد كرايسكي– بصفتـــه وكيل وزارة الخارجيـــة النمساويـــة آنذاك– المفاوضات التي قـــادت إلى توقيـــع اتفاقيـــة استقـــلال جمهوريـــة النمسا عام 1955، ثم أصبـــح وزيرًا لخارجية النمسا من عـــام 1959- 1966، ثم مستشارًا للنمسا (رئيسًا للوزراء) من عام 1970– 1983.
وبصفته زعيم الحزب الاشتراكي في النمسا تم انتخابه رئيسًا للدولة الاشتراكية، وهي تنظيم عالمي يضم الأحزاب الاشتراكية في أنحاء العالم وكان له تأثير كبير في فترة الحرب الباردة.
وبصفته مستشار النمسا وزعيم عالمي للمنظمة الاشتراكية الدولية، كانت له مواقف كبرى في مساندة حق الشعب الفلسطيني، فكان أول زعيم أوروبي يلتقي الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في القاهرة عام 1974 عندما زار مصر على رأس وفد للاشتراكية الدولية لتقصي الحقائق عقب حرب 1973.
ثم كانت النمسا أول دولة أوروبية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني، واستضافت فيينا أول مكتب للمنظمة، وأول عاصمة تستضيف الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات.
وقام كرايسكي بجهد كبير من أجل التشجيع على الاعتراف المتبادل بين إسرائيل والمنظمة، ومن خلال كرايسكي أصدر ياسر عرفات
وأول تصريح يلمح إلى إمكانية هذا الاعتراف هو لتصريح آثار جدلًا حينها، وتحول إلى واقع بعد ذلك بنحو عشر سنوات.
وساهم كرايسكي بدور في دعم جهود مصر من أجل السلام مع الرئيس الراحل أنور السادات.
وبصفته رئيس الاشتراكية الدولية أنهى كرايسكي انفراد إسرائيل بتمثيل الشرق الأوسط في هذه المنظمة من خلال حزب العمل الإسرائيلي، حيث شجع على انضمام أحزاب اشتراكية عربية إليها كان أول حزب فيها الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان.
وقد انتقد كرايسكي الصهيونية بشجاعة عندما أعلن أن اليهودية عقيدة وليست انتماء عرقيًا، وقام بوساطات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في أزمات عديدة.
وما زال اسم كرايسكي محفوظًا في الذاكرة الإنسانية والعربية والمصرية كزعيم يحظى بكل احترام وتقدير وتم تخليد اسمه من خلال جائزة كرايسكي لحقوق الإنسان التي فازت بها أكثر من شخصية فلسطينية ومركز كرايسكي للحوار العالمي.
ويقول تقرير هيئة الاستعلامات إن برونو كرايسكي لم يكن الشخصية النمساوية الوحيدة التي تحظى باحترام وتقدير شعب مصر والشعوب العربية، فقد أنجب هذا البلد الصغير أيضا شخصية عالمية أخرى هو "كورت فالدهايم" أمين عام الأمم المتحدة من أول يناير عام 1972 حتى نهاية عام 1981 بعد أن تم التجديد له عام 1976، ثم اختاره النمساويون رئيسًا للجمهورية من عام 1986 حتى عام 1992.
وقد قام فالد هايم خلال توليه منصبه على رأس الأمم المتحدة بدور كبير من أجل حل عادل قضية الشرق الأوسط، وخلال رئاسته تم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني، وساهم بدور كبير في مراحل عديدة من المفاوضات العربية الإسرائيلية عقب حرب أكتوبر عام 1973.



