المدارس الزراعية.. ينقصها حسن الإدارة والاستثمار "4-4"
كتب - رضا رفعت
تستطيع حل مشكلات الأمن الغذائي ولكن الحساب الموحد عقبة أمام زيادة الأرباح والتطوير والإبداع
نائب الوزير: نجحنا في تحويل مزرعة دمياط (مساحة 27 فدانا) إلى مزرعة عضوية بشهادات معتمدة
د. محمد مجاهد: عرضنا اقتراحات لزيادة فاعلية مشروع رأس المال
د. خالد الأشهب: 42 مليونًا و200 ألف جنيه أرباح "رأس المال" بالمدارس الزراعية رغم المشاكل المتعددة
د. جمال عبدربه: العائد سيكون مئات الملايين إذا تم استغلال إمكانياتها الضخمة والتوسع في الإنتاج
المدارس الثانوية الزراعية يمكن أن تعكس نقطة تحول اقتصادي وتنموي لمجتمعاتها؛ بالنهوض بها، نظرًا لامتلاكها إمكانات طبيعية وبشرية لإقامة مشاريع إنتاجية ضخمة، يتم بيع منتجاتها المتميزة بأسعار مخفضة.. فقط مطلوب متابعة وتعديل اللوائح، وترويض مشاكلها، وزيادة الكوادر البشرية المؤهلة بها، وتقوية العلاقة بين نظام التعليم والمؤسسات الزراعية المنوطة بالتنمية.
وكان التعليم الزراعي يتركز على المحاصيل وتربية الماشية وزيادة الإنتاج، أما الآن وفي ظل محدودية الأرض والمياه والضغوط المتزايدة عليها؛ يحتاج المزارعون لتحسين أساليبهم في مجال الانتفاع بالأرض وإدارة الأنشطة الزراعية، لتحسين حياتهم وتجنب الإضرار بالبيئة؛ لذا برزت الحاجة لربط التعليم الثانوي الزراعي بالتنمية الريفية وباحتياجات المجتمع الريفي.
وهناك مدارس تتميز بانضباط العملية التعليمية، وجودة منتجاتها وسعرها المناسب، فتحقق أرباح عالية، وتنشر معلومات ومعارف عن الصناعات الغذائية والإنتاج الحيواني والداجني وغير ذلك بين أبناء المجتمع، مع رقابة المدرسة والأجهزة الرقابية كالصحة والتموين.
صرح متكامل
وقد قمت بزيارة أكثر من مدرسة، فوجدت كل منها صرح متكامل التخصصات، يمكن أن ينتج ويصنع جميع منتجات الألبان والصناعات الغذائية وخلافه، وبكميات ضخمة إذا توافرت الخامات - يشترونها رغم إمكانية زراعتها وإنتاجها- والتسويق الجيد. وكان بعض الطلبة يزرعون ويرعون المحاصيل، وآخرون يصنعون وغيرهم يربون.. إلخ.
وشاهدت مساحات شاسعة من المحاصيل، والصوب الزراعية وداخلها الخضروات وشتلات أشجار الفاكهة والموالح، مناحل إنتاج العسل، عدد قليل من الماشية (6للحليب و2للتسمين) تتضاعف أحيانًا - رغم توافر محاصيل المزرعة والمكان والخبرات الفنية-، وكذلك أنواع كتاكيت ذات سلالات جيدة، لكن مزارع الدواجن بمعظمها عبارة عن حجرات يمكن أن تكون عدة أدوار، مع توافر الخبرات والأيدي العاملة.. وتلك إمكانات هائلة تؤهلها لتكون مؤسسات استثمارية كبرى تخدم المجتمع وتؤهل الطلبة لسوق العمل.
ورأيت مساحات كبيرة غير مستغلة، وعلمت أن المباني التي يتم هدمها يتعذر البناء مكانها، لاشتراط استلام الأرض بدون بواقي أساسات!!.
وقال مدير مدرسة بالشرقية، رفض ذكر اسمه: تنقصنا فقط بعض الأمور البسيطة، مثل زيادة عدد المواشي ومساحة أماكن إنتاج الدواجن والصوب الزراعية. ومشروع رأس المال بدأ العمل به بالقرار الوزارى رقم 463 لعام2011م، ويشارك به 116 مدرسة في مجالات الإنتاج المختلفة.
وقد حققت مدرسة الزقازيق أرباحًا إجمالية حوالي 3.7 مليون جنيه، حيث تنتج 1500 كيلو لبن يوميًّا، وتقدم منتجات متميزة من المواد الغذائية، وتُعلم الطالب صناعة وتعبئة الألبان والمواد الغذائية.. والمدرسة أنشئت عام 1960م على مساحة 27.5 فدان.
كما حققت "فاقوس" أرباح مليون و265 ألف جنيه عام 2017. و"كوم أمبو" بأسوان ( 82 فدانا؛ منها مزرعة 75 فدانًا)، تحقق مليون جنيه أرباح. وتستخدم التقنية الحديثة؛ مثل الزراعة المحمية في الصوب الزراعية ووسائل الري بالتنقيط، وتدرب الطلاب على الزراعة والري والجمع والتعبئة والتسويق...إلخ. وهناك مدارس تزرع بنجر السكر، والزهور العطرية والقصب، وخلافه.
ويشمل التعليم الزراعي مجالات أخرى (استصلاح الأراضي والميكنة الزراعية – تكنولوجيا إنتاج وتصنيع الأسماك – فني معامل – مساعد بيطري) تخدم التنمية.
وأضاف مدير المدرسة: نسعي لزيادة الإنتاج وفتح منافذ جديدة وتطوير القائمة، ولكن الحساب الموحد عائق كبير، والضرائب (حوالي 32 % ) مما يزيد ثمن المنتج.. وقد قيد مجال الإبداع والإنتاج، بالحد من شراء الخامات والتعاقد، وقلل مستوى المعلمين وإبداع الطلاب.
وأكد أن العائد المادي للمعلم نتيجة إشرافه على المشروع غير مجزية، وأن المدرسة بها ثلاثة عمال، رغم مساحتها الشاسعة، بسبب مجاملات بعض النواب لأبناء دوائرهم ونقلهم منها.

ويرى المهندس زراعي، عبدالكريم رمضان، أن هناك طاقات معطلة ومباني مهجورة وأراضي غير مستغلة وخبرات حبيسة الروتين، وأن الخريج يكون غير مؤهل بالقدر المناسب للعمل في المصانع والشركات أو يؤسس مشروع خاص، وضرب مثلًا بمدرسة بديرب نجم؛ التي يمكنها أن تكفي القرى والمدن المجاورة بالسلع والأغذية، بعد كسر الروتين العقيم، وحسن استغلال إمكانات وإدارة هذا الصرح الكبير بمساحة 50 فدانًا، الذي يمكن أن يكون منطقة تعلمية متكاملة ومكملة لبعضها، وصناعية ذات خامات طبيعية جيدة.
واقترح "رمضان"، تطوير هذه المدارس عن طريق منح بفائدة بسيطة تسدد من عائد المشاريع التي يتم تحديثها، وتفعيل قانون الشراكة المعطل أو السماح بدخول الاستثمار الخاص بنسب؛ فالمهم إيجاد أفكار تعود على الجميع بالنفع، وخصوصًا أن الحساب الموحد غل كل يد تريد أن تعمل وتطور.
بينما قال الدكتور حاتم أبوعالية، الأستاذ بمركز البحوث الزراعية: المدارس تحتاج لدعم الدولة وإعادة تحديث، وتضافر منظمات المجتمع المدني والتعاونيات الزراعية كشراكة مجتمعية؛ للوصول إلى تنمية زراعية حقيقية، وإقامة منافذ بيع ومعارض دورية لخدمة للمجتمع؛ تحقق كل منها أرباحًا بالملايين.
وزيادة كفاءة الدارسين وفاعليتهم؛ بإعادة تأهيل تلك المدارس، لتكون كل منها قرية منتجة تخدم منطقتها، بناءً على الميزة النسبية لكل محافظة، وهنا يدخل التصنيع الزراعي بإضافة قيمة مضافة للفلاح، ويوظف الشباب، وينعش الاقتصاد القومي؛ فمثلًا كفر الشيخ مشهورة بالأرز والأسماك، والبحيرة مشهورة بالذرة والخضروات والفاكهة، والوادي الجديد بالنخيل فيكون المطلوب نشر تلك المدارس بالمحافظات، وتحديث المناهج الدراسية بما يواكب مستحدثات العصر.
كذلك عمل مشاريع تخرج للطلاب؛ ليكون مشروعه هو الذي سيخدمه في العمل بالمدرسة أو خارجها، أيضا خضوع المدرسين للتدريب المستمر، وإيفادهم والطلاب لرحلات علمية، بعد توقيع بروتكولات بين "التعليم الفني بالوزارة" والدول المتقدمة.
في حين قال دكتور جمال عبدربه، رئيس قسم البساتين بجامعة الأزهر: العائد سيكون مئات الملايين؛ إذا تم استغلال الإمكانات الضخمة لجميع المدارس وتذليل معوقات التوسع في الإنتاج، بالإضافة إلى دورها في تخفيف أعباء المواطنين بعرض منتجاتها بسعر مخفض وتدريب الطلبة؛ فمساحات مزارع كل منها تتراوح ما بين 17 إلى 72 فدانًا، وإنتاجيتها عالية للمحاصيل والخضروات، ويوجد صوب زراعية بمساحات متفاوتة لإنتاج النباتات النادرة والخضراوات والفاكهة، وعنابر للدواجن ومفرخات، وأقسام الألبان والصناعات الغذائية والإنتاج الحيواني والمناحل وخلافه.
.jpg)
أما الدكتور محمود الجندي، أستاذ الثروة السمكية، فقد قال: عدد من المدارس تدرب الطلاب حاليًا على الاستزراع السمكي من خلال الأحواض السمكية الزجاجية، وفي المزارع السمكية والمفرخات؛ والتي يعملون بها بعد التخرج. ويمكن لتلك المدارس أن تنتج للسوق لو لها توافرت ميزانية ومزرعة مثل مزارع الفاكهة والخضر ومنافذ توزيع. ويمكن الاستفادة من الخريجين في خدمة البيئة المحيطة والمجتمع وخفض الأسعار، لو توافرت إمكانية الإنتاج من مزارع ومفرخات تنتج وتغطى جزء في منطقتها.
وبعد أيام من البحث؛ وجدت دراسة ماجستير بجامعة بنها بعنوان: دور المدارس الثانوية الزراعية في تقديم الخدمة الإرشادية الزراعية"، للباحث محمد صلاح، أوصت بإدخال المستحدثات لتطوير التعليم والنهوض بالدور الإرشادي للمدرسة. والدخول في مجالات استصلاح الأراضي وإنتاج المحاصيل المتحملة للملوحة والجفاف، والإنتاج الحيواني والداجني، والآفات الزراعية وغيرها من الخدمات التي يحتاجها سكان المناطق الصحراوية.
وكذلك عقد ندوات للمزارعين؛ لتزويدهم بالمعارف والمهارات اللازمة للنهوض بمستوى معيشتهم والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والمحافظة عليها. وإجراء المزيد من الدراسات للنهوض بالدور الإرشادي للمدارس وخاصة في المناطق الصحراوية، والتي تعاني من نقص في أعداد المرشدين الزراعيين المتخصصين.
وقال مسؤول سابق بالإدارة العامة للتعليم الزراعي - رفض ذكر اسمه-: هناك أسباب خطيرة تحجب نتائج الإمكانات العظيمة؛ فمثلًا يستسهل مديرو المدارس تأجير المزرعة الحقلية أو الحيوانية لأقارب المسؤولين؛ فيتم إهمال تدريب الطلبة أو يعملوا كعمال نظافة فقط بغير مقابل، ويوقعون على مخالصات للمبالغ مالية؛ لكي يحصلوا على الشهادة.
أما حسابات رأس المال؛ فحدث ولا حرج؛ فمثلًا أرض مساحتها 40 فدانا يزرع 30 بمحصول غالى الثمن و10 ثوم كمحصول رخيص الثمن، وأثناء الحساب يتم عكس المحاصيل على الورق بالاتفاق مع مديري المدارس وجهاز التوجيه.. ولذلك لابد أن تحسب هيئة المساحة الأراضي، ويتم حصر الماشية من خلال لجان مستقلة عن التعليم الفني.
الطاقة الشمسية
وعن حال تلك المدارس ودورها في أكبر المحافظات مساحة، قال اللواء محمد الزملوط، محافظ الوادي الجديد: قررت تخصيص 10 أفدنة لمدرسة الفرافرة؛ لزراعتها بأشجار الخروع لإنتاج زيت الخروع والوقود الحيوي. ووجهت بدعم المشروع بمبلغ 50 ألف جنيه، وكذلك 5 آلاف جنيه للطالبة صاحبة الفكرة تشجيعًا لها وتحفيزًا لغيرها على المشاركة المجتمعية فيما يحقق التنمية بالمحافظة.
كما قررت إنشاء قسم "الماعز والأغنام" بالمدارس الزراعية؛ لتوفير إيرادات لها وتدريب الطلاب على تربية الأصناف الحديثة ودراسات الجدوى. ويتم تدريب الطلبة والطالبات على قيادة الجرارات. ويتم إدخال نظم الزراعة المطورة، ومنها تنفيذ صوبة زراعية تعمل بالطاقة الشمسية بمدرسة موط، لتكون الأولى من نوعها على مستوى الجمهورية.
ويتم دعم تلك المدارس، ماديًا ومعنويًا وتشجيع العاملين للتوسع في الإنتاج، وإدخال سلالات جديدة من الأبقار التي تنتج كميات كبيرة من اللبن، وكذلك الحلابات التي تعمل بالكهرباء، وسلالات للأغنام والماعز، وإنتاج عسل النحل، بالإضافة إلى إنشاء خط جديد أعلاف وتوفير فراز إلى لتصنيع الألبان.
.jpg)
وأضاف الدكتور إبراهيم التداوي وكيل وزارة التربية والتعليم بالوادي الجديد: دخلت المدرسة الزراعية بمدينة باريس للخدمة التعليمية (مساحة 72 فدانًا)؛ والتي تضم مزرعة إنتاجية متكاملة، وقبلها دخلت مدرسة الفرافرة للخدمة، وجاري إقامة مدرسة بلاط على مساحة 72 فدانا. وتم حفر بئر ري حديث بكل مدرسة؛ كوسيلة للارتقاء باقتصاد المحافظة.
والمدارس تطرح كتاكيت مستوفية التحصينات للمواطنين، ونسعى لتحويلها إلى وحدات إنتاجية متكاملة؛ تحقق ثباتًا في الإنتاجية وجودة عالية وأسعار مخفضة؛ حيث توفر الدواجن واللحوم الطازجة بجانب منتجات الألبان والأجبان التي تلقى رواجًا كبيرًا؛ نظرا لجودتها وانخفاض أسعارها.
الأنسجة
وأكد "التداوي"، أن هناك طفرة حقيقية بتلك المدارس، تسعى للإنتاج وتطوير آليات العمل، وخدمة مدارك الطالب ومتطلبات العصر. وتعمل وحدة تيسير الانتقال لسوق العمل داخلها على الارتقاء بفكر الطالب، وفتح آفاق واسعة لطموحاته التي تتطلب بذل المزيد من الجهد وتطوير آليات العمل. وهناك توجه لدعم تلك المدارس ماديًا ومعنويًا بهدف تطوير مشروعات رأس المال وربطها بالسوق الخارجي، بالتزامن مع وجود شركات لتسويق المنتج المحلى بها.
وأشار إلى أنه سوف يتم افتتاح أول قسم خاص بالأنسجة بمدرسة الخارجة، مع بداية العام الدراسي القادم ليلتحق به أوائل الإعدادية، نظرا لتميزه وانفراده على مستوى الجمهورية، وتمهيدا لإعدادهم كخبراء في ذلك المجال.
ميزانيات وإنتاجية
.jpg)
فيما قال دكتور خالد الأشهب، خبير القطاع الزراعي ببرنامج دعم وتطوير التعليم الفني: أرباح مشروع رأس المال بالمدارس الزراعية وصلت إلى 42 مليون و200 ألف جنيهًا، مع وجود العديد من المشاكل؛ وأهمها دخول ميزانية المشروع ضمن الحساب الموحد، رغم كونه مشروع تعليمي لتنمية المهارات العملية للطلاب وخدمة المجتمع، بالإضافة إلى الضرائب.. ومناهج التعليم الزراعي تغطى احتياجات سوق العمل، ولكنها تفتقر إلى الجانب التطبيقي العملي.

كما قال الدكتور محمد مجاهد، نائب الوزير للتعليم الفني: عرضنا اقتراحات لزيادة فاعلية مشروع رأس المال الدائم، تتمثل في خروجه من الحساب الموحد، رفع حد السلف للنفقات التشغيلية لمدارس المشروع، والسماح بإجراء الشراكات مع القطاع الخاص.. وهناك خطة لجعل جميع المدارس الفنية إنتاجية.
ونتعاون مع وزارة الزراعة، بمشروع زيادة إنتاجية محصول القمح، تدريب 1000 طالب كمطبق مبيدات بالتعاون مع شركة شورى للكيماويات، والتدريب للمعلمين والطلاب في الإنتاج الحيواني والداجني، والاستزراع السمكي.
ونجحنا في تحويل مزرعة دمياط (مساحة 27 فدان) إلى مزرعة عضوية بشهادات معتمدة من جهة أجنبية، وهناك مدارس تنتج المواد الغذائية وصلت ميزانياتها إلى ملايين الجنيهات، مثل الزقازيق الزراعية، ويبلغ عدد المدارس ذات الإنتاج المتميز ما يقرب من12 مدرسة على مستوى الجمهورية.



