السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

غداً معرض الفنان التشكيلي مجدي أنور بقاعة "الباب" بالأوبرا

غداً معرض الفنان
غداً معرض الفنان التشكيلي مجدي أنور بقاعة "الباب" بالأوبرا
كتبت - سوزى شكرى

يفتتح دكتور خالد سرور، رئيس قطاع الفنون التشكيلية، معرض الفنان التشكيلى مجدى أنور تحت عنوان "ذاكرة الأبيض" بقاعة الباب بالاوبرا وذلك الثلاثاء 5 مارس الساعة السابعة مساء  ويستمر الى يوم 16 مارس 2019.

منذ بداية مسيرته الفنية حرص الفنان مجدى انور على أن يكون الإرث التاريخى والمنجز الإنسانى للحضارات مبحثا فنيا وتقنيا وفلسفيا ومصدرا لأعماله الفنية التصويرية، فقدم العديد من معارضه الخاصة تحمل عناوين تؤكد هذا الحرص، على سبيل المثال وليس الحصر قدم ثلاثية "إرث الأرض – 1 -2 -3 " التى قدمها فى ثلاثة معارض من عام 2005 الى عام 2010وغيرها من معارض الخاصة.

 وفى معرضه الجديد "ذاكرة الابيض" يستكمل بحثة الفنى التشكيلى باختياره تحديداً للون الأبيض ليخصص له معرض كامل وليكشف عن دلالاته وقيمتة التاريخية  ، فقدعرف اللون الأبيض فى مصر القديمة منذ عصور ما قبل الأسرات ، كما استخدم فى أواخر الاسرة الثامنة عشر فى تلوين خلفيات المناظر وهو من أكثر الألوان ميلا إلى المعاني الدينية والأفكار الروحية ومنحوه قدسية خاصة، واستخدمه المصري القديم  لون الكتان الابيض كلون مميز لثوب رجال الدين والملك والنبلاء ودليلا على الطهارة والنقاء والمكانة الاجتماعية ، وبجانب معالجتة وصياغته للتكوين تميز ان له ابجدية خاصة يستوحيها فنياً من الملامس التراكمية على المسطح التصويرى ويقدمها نقشأ وهى حالة استحضار لروح النقوش التاريخية القديمة التى تسرد نصاً إنسانياً وتمثل هذة النقوش احدى اساليب التعبير بالكتابة التصويرية فى العديد من الحضارات القديمة الفرعونية والاسلامية ومزج بينهما فى حاله فنية فريدة تؤكد ان الحضارات الانسانية تكمل بعضها ببعض دون تنافر بل توافق.

وعن معرض "ذاكرة الأبيض" كتبت الكاتبة والناقدة "منى عبد الكريم" قراءتها النقدية عن أعمال الفنان:

في الطريق إلى وكالة الغوري تتداخل الأصوات والروائح والحكايات التي تمتزج بعبق المكان، تلك التفاصيل والمشاهدات التي يحرص الفنان مجدي أنور على أن يسجلها عبر مشاوير متكررة إلى مرسمه الذي يقع ضمن مراسم الفنانين بتلك الوكالة الأثرية التي تضفي سحرها على زوارها وروادها من الفنانين، واصلة الماضي بالحاضر.. يستمع مجدى إلى أصوات الأذان والأدعية والتواشيح القادمة إليه من مسجدي الحسين والأزهر بل ويتسلل إلى وجدانه أصوات بعيدة لأولئك القادمين بلهفة المجاورة واللقاء، فيعيش تلك الأجواء الروحانية بينما يأتيه نور النهار عبر مشربية المرسم الخشبية، أو ربما حين تصدح الموسيقى في الأمسيات التي تستضيف فيها الوكالة عروض التنورة حيث تتداخل الألوان ويحلق الراقصون الصوفيون.

ويأتي هذا المعرض في وقت حاسم، عقب الحادث المؤسف الذي وقع مؤخرا، كرؤية استشرافية إلى ما نحتاجه اليوم لنرمم الشروخ العميقة التي أصابت أرواحنا.. يأتي كدعوة إلى السلام والمحبة .. ذلك السلام الذي انتشر على مسطحات مجدي باللون الأبيض الذي اختاره بطلا أساسيا يحمل في طياته رسائل خفية في كل أعمال المعرض التي تقترب من الخمسين عملا والتي خرجت كنبوءة بيضاء.

والفنان مؤمن إن الألوان ما هي إلا إحساس يعبر بها الإنسان عن حالته النفسية كالفرح والحزن والغضب .. وكان اللون الأبيض ذو قدسية واحترام لدى المصري القديم ويعتبر رمزا للقوة والنصر واعتبروه منذ القدم رمزا للطهارة والنقاء والصفاء والرفعة وكان اللون المميز لتاج الوجه البحري فكان رمزا للسعادة والانتصار، وقد عرف قديما باسم "حدج"  Hadageوهو لون الكتان الأبيض الذي يرتديه الملك والنبلاء وكبار الكهنة.

أما على الصعيد الشخصي فقد اختار أنور اللون الأبيض ليعبر به عن تلك  الحالة  من التخلي عن قيود العالم المادي،  ورغبة منه في إيجاد ملجأ آمن للتأمل بعيدا عن قسوة المحيط الخارجي وعن الصراعات التي تلتهم الجميع دون رحمة.. لذا اختار هذا اللون محملا إياه برسائل عدة أراد أن يبعثها في الوقت الحالي، فما كان منه إلا أن دونها بأبجدياته ورموزه على مسطحة  كلغته الأم التي يجيدها.

ولطالما اشتهر مجدي أنور بأبجدياته التي صاغها بنفسه، إذ تبدو حروفياته مألوفة تقترب كثيرا من اللغات القديمة التي نشاهدها على الحفريات وجدارن المعابد وفي المخطوطات، إلا أنها في الواقع لا تنتمي إلى أي لغة من اللغات المعروفة .. بل هي لغة تصويرية خاصة به صاغها من مشاهدات عدة وتراكمات حضارية، إذ أن الفنان المصري عموما كما يقول أنور يمتلك الكثير من المخزون البصري المتراكم والذي يمكنه -مع شيء من الوعى والدراسة الأكاديمية - من الوصول إلى عمل فنى صادق.

والمتأمل للأعمال يمكنه أن يلمح الكثير من تلك التراكمات الحضارية التي وجدت طريقها على المسطح  المؤلف من طبقات تحمل في ثناياها تاريخا مستقلا يضاف للعمل، إذ اعتمد مجدي في كثير من الأعمال السابقة على تجهيزه السطح بطبقات عدة من خامات متنوعة تمتزج بألوان الإكريلك،  إذ تقوم تجربته الفنية على تقديم تجارب على السطح الهدف منها محاولة التوصل لحلول تشكيلية للوحة التصويرية، وهو ما يؤدي – كما يذكر الفنان- إلى الوصول إلى مدخل جديد للتعبير ولمزيد من التفهم لإمكانية أن تكون الخامة مُثيراً جمالياً لدى ممارسي التصوير لإنتاج إبداعات ذات قيمة فنية مستحدثة بعيدا عن الصياغات المتعارف عليها.

ويبدو أن السطح في المعرض الأخير أكثر نعومة من المعارض السابقة إذ تتواري كثيرا الملامس الخشنة والتأثيرات البارزة وهو ما يؤكد على رغبة الفنان في بث شعورا بالهدوء والسكينة داخل نفسه قبل نفوس المشاهدين، ومع ذلك خرجت الأعمال محملة برموز متشابكة متداخلة بعضها يؤكد على فكرة إسقاط حواجز التمييز الدينية، وبعضها يحيلنا إلى أصولنا المصرية القديمة ، ففي أحد اللوحات يخيل لي أنني أرى حورس يفرد جناحه الأبيض على المسطح حاملا السلام والحكمة إلى العالم،  بينما أرى في لوحات أخرى شخوص خفية تتوارى وراء اللون الأبيض في مشهد أقرب للحلم .

إن ما يقدمه مجدي أنور هو ما وصفه شيخ النقاد الراحل كمال جويلي في أحد معارض أنور المبكرة "بخبرات متراكمة على السطح"، مضيفا : دائما ما تأخذنا أعماله المباغتة بالدهشة والدعوة للتأمل مع إطلاقها لطاقة إيجابية إبداعية متجددة لدى المشاهد،شحنة من الإبداع القلقة الهادرة المصحوبة بالطموح تمثل طلاقة في التعبير وامتداد في الخيال .. أعماله تثير التعاطف والتأمل والجدل المنصف .. إنها أعمال تدهشنا وتستوقفنا مرارا وتكرارا .. أسلوب تلقائي مدروس يجمع بين أنماط مختلفة فتخلق تكوينات من طبقات تتحاور فيما بينها هذه الروح المميزة للأعمال لا تجعل العين تمل من توقفها وتأملها للأعمال وتكويناتها وطبقاتها وقد يكون هذا مفتاح الاستمتاع بها.

ولعل تلك التلقائية التي تحدث عنها الجويلي مبعثها أنه منذ بداية مشواره الفني يحرص الفنان مجدي أنور على ألا يغادر مقعد الهاوي في ممارساته الفنية وهو ما يعني ألا يترك نفسه لمقصلة الاحتراف، إذ يرى أن الفن كغيره من الممارسات كلما كنت فى صفوف الهواة كلما زادت متعتك الشخصية، فينعكس ذلك على أدائك دون توتر يفرضه على الفنان آليات سوق الفن.

تم نسخ الرابط