إنشاء الصندوق الإنمائي متعدد الشركاء لمنطقة بحر آرال برعاية الأمم المتحدة
كتبت - هدى المصرى
لا يمكن لأحد تجاهل خط سير الدبلوماسية الأوزباكية التصاعدي، خلال السنوات الماضية، تجاه قضية "بحر آرال"، وهو خط سير أتت أحدث إضافاته منذ فترة وجيزة للغاية، أثناء زيارة رئيس جمهورية أوزبكستان شوكت ميرضيائيف لجمهورية قاراقالباقستان، حيث تحدث عن حدة مشكلة بحر آرال والأهمية الحاسمة للنهوض الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة، من خلال جذب الاستثمار الأجنبي المباشر إلى المنطقة المنكوبة وتنفيذ برامج المساعدات التقنية المستهدفة.
هذا ويصنف بحر آرال كرابع أكبر بحيرة عالمياً، إلا أنه يقف اليوم مهدداً بالزوال، في مأساة لن تقتصر تداعياتها على الحياة البشرية والبيئية في المنطقة ، بل وستنتشر في أرجاء العالم. وبدأت مأساة آرال في الستينات، نتيجة قرارات غير مدروسة اتخذتها وزارة الإصلاح الزراعي والثروة المائية في الاتحاد السوفياتي، التي قررت تحويل جزء كبير من المياه التي تغذي البحر للاستخدام في الري، وتحديداً قامت بفتح قنوات لسحب المياه من نهري آمور داريا و سير داريا ، وتوجيهها لاستصلاح الأراضي الزراعية في تركمانستان وأوزبكستان ومناطق جنوب كازاخستان. وبعد مضي عقود من الزمن تراجعت شواطئ آرال عشرات الكيلومترات؛ مما أدى إلى تعرية مساحات شاسعة من قعر ذلك البحر، مغطاة بالأملاح البحرية مع خليط من مواد كيماوية، مخلفات النشاط البشري في البحر وفي المناطق الزراعية على طول مسار الأنهر التي تغذيه.
وتحدث رئيس أوزبكستان شوكت ميرضيائيف في سبتمبر لعام 2017، من فوق المنصة الرفيعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، لافتا الانتباه نحو هذه القضية "كارثة بحر آرال" التي تعد واحدة من أكثر القضايا البيئية تعقيدا في عصرنا، وأعلن رئيس أوزبكستان آنذاك: “إن التغلب على عواقب جفاف البحر اليوم يتطلب حشد الجهود الدولية بصورة حثيثة. ونحن نؤيد التنفيذ الكامل لبرنامج الأمم المتحدة الخاص بتقديم المساعدة الفعالة للسكان المتضررين من جراء أزمة بحر آرال".
وفي 27 نوفمبر لعام 2018، جرى عقد المنتدى الخاص رفيع المستوى للأمم المتحدة في مقر منظمة الأمم المتحدة بمدينة نيويورك حول موضوع "تعزيز التعاون الإقليمي والدولي الهادف إلى تحقيق الاستراتيجيات الشاملة لدعم التنمية المستدامة". والهدف هو- عرض وإطلاق الصندوق الانمائي متعدد الشركاء للأمن البشري في منطقة بحر آرال.
وقد شارك في جدول أعمال المنتدى رفيع المستوى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، وممثلو الدول الأعضاء، والمؤسسات الخاصة للأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وبنك التنمية الآسيوي، والشركات الأمريكية الرائدة، والمؤسسات المصرفية والمالية، واتحادات البيئة الدولية غير الحكومية، والدوائر العلمية والتعليمية، بما في ذلك طلاب أوزبكستان الذين يدرسون في الجامعات الأمريكية.
ترأس وفد أوزبكستان نائب رئيس الوزراء سوخروب حالمرادوف. كما كان ضمن تشكيله رئيسا مجلس الشيوخ والمجلس التشريعي في البرلمان، ورئيس السلطة التنفيذية، ومجلس الوزراء في جمهورية قاراقالباقستان.
وفي افتتاحه لهذه الفعالية، أكد أنطونيو جوتيريس على شعوره بعظيم الشرف للمشاركة في جلسة الأمم المتحدة حول إطلاق الصندوق الانمائي. وبأن إطلاق ذلك الصندوق "سوف يفتح فصلا جديدا في تاريخ المنطقة المنكوبة."
وذكّر الأمين العام بزيارته إلى منطقة بحر آرال في يونيو لعام 2017، ووصف جفاف البحر بأنه يمثل "كارثة عالمية". وأكد قائلا: "لقد أتيح لى الاستماع إلى حكايات مريرة حول أن اختفاء واحدة من أكبر المسطحات المائية في العالم قاد إلى تدمير النظم الاجتماعية والاقتصادية في الإقليم، وأجبر الناس على التخلي عن نمط حياتهم المعتادة وعن آمالهم في المستقبل".
كما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن بالغ تقديره لمبادرة قيادة أوزبكستان نحو إنشاء الصندوق الانمائى، وناشد الجهات المانحة للمشاركة بنشاط في تمويل أنشطة الصندوق. ووفقا لقناعته، فإن برامج تعزيز أهداف التنمية المستدامة في منطقة بحر آرال "سوف تعيد التفاؤل إلى السكان المحليين وتمنحهم الأمل في استعادة الظروف المعيشية اللائقة".
في الختام، تعهد أنطونيو جوتيريس بأن الأمم المتحدة سوف تبذل قصارى جهدها لحشد جهود المجتمع الدولى من أجل الوفاء بالمهام المحددة للصندوق.
وقد قامت منسقة الأمم المتحدة المقيمة في أوزبكستان هيلينا فريزر بتذكير المشاركين في المنتدى، بأن رئيس جمهورية أوزبكستان شوكت ميرضيائيف، كان يحمل بين يديه لدي إلقائه لكلمة في سير جلسة الجمعية العامة في نيويورك قبل عام و نيف خريطة تبين بوضوح مأساة بحر آرال، مشيرا إلى أنها لا تحتاج إلى التعليق عليها".
قالت هيلينا فريزر: "لسنا هنا اليوم لإعلان إنجازاتنا التى تحققت في أوزبكستان". "هدفنا هو مضاعفة النتائج المتحققة وضمان استدامتها للسنوات العديدة القادمة."
وقد أيد مبادرة إنشاء الصندوق الانمائي الوفود الممثلة لدول اليابان والنرويج ونيجيريا وكازاخستان والجزائر، فضلا عن ممثلين لعدد من المنظمات غير الحكومية.
وشرح الوفد الأوزبكي بالتفصيل حزمة التدابير المعقدة التى اتخذتها حكومة أوزبكستان للتخفيف من حدة الآثار المدمرة لأزمة بحر آرال على البيئة، وعلى نشاط السكان الذين يعيشون في المنطقة. وتم إعلام المشاركين في المنتدى بإنشاء المركز الدولي للابتكار في بحر آرال بناء على مبادرة رئيس أوزبكستان، كما تم الكشف عن أهدافه ومهامه الرئيسة.
وقام موسى إيرنيازوف، رئيس السلطة التنفيذية لجمهورية قاراقالباقستان، بالحديث على نحو شفاف وعاطفي للغاية حول العواقب الوخيمة لجفاف بحر آرال - رداءة نوعية مياه الشرب، وزيادة الأنواع المختلفة من الأمراض عام بعد الآخر، وارتفاع معدلات الوفيات بين الرضع والأمهات.
وصرح رئيس قاراقالباقستان قائلا: "اليوم، يحدو سكان قاراقالباقستان جميعهم الأمل الكبير وهم يترقبون عمل الصندوق الانمائي الذى تم إطلاقه لمنطقة بحر آرال. ونحن نعتقد بصدق أن الصندوق الذي يتم إنشاؤه سوف يسمح لنا بتحسين الظروف المعيشية للملايين الذين يعيشون في ذلك الإقليم من أوزبكستان".
كما أكد موسى ايرنيازوف بشكل منفصل على الاهتمام الكبير الذي توليه قيادة أوزبكستان لتلك المنطقة. وقال إنه بعد الرحلة الأخيرة التى قام بها منذ فترة وجيزة رئيس دولتنا إلى قاراقالباقستان، تبنى برنامجًا حكوميًا خاصًا غير مسبوق للعامين القادمين، ينص فيه على تنفيذ قرابة ثمانمائة مشروعا بتكلفة تتجاوز أكثر من 1.5 مليار دولار.
وعُرض على المشاركين في المنتدى فيلم وثائقي يكشف بوضوح عن خطورة الكارثة البيئية لبحر آرال.
طبقا للنتائج التى أسفر عنها المنتدى، عُقد مؤتمر صحفى خاص لممثلي وسائل الإعلام الأجنبية، تم خلاله إطلاع الصحفيين على النتائج الرئيسة للمنتدى، وتحديد الأهداف والغايات الرئيسة للصندوق التي يجري إنشاؤه، وكذاك المجالات ذات الأولوية في المستقبل القريب. وتلقى أعضاء الوفد العديد من الأسئلة، والتي تم تقديم الاجابات الشاملة عليها.



