السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

"آخر 15 ثانية" في حياة العقاد

آخر 15 ثانية في حياة
"آخر 15 ثانية" في حياة العقاد
كتبت - هند سلامة

بين تشويه وتصحيح الإسلام دارت أحداث العرض المسرحي "آخر 15 ثانية" الذي قدمه المخرج مجدي بو مطر عن حياة المخرج السينمائي السوري الراحل مصطفى العقاد، الذي توفي إثر حادث إرهابي عام 2005، وقدم ضمن فعاليات مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، وحصل على جائزة أفضل عرض، ثم أعيد عرضه على خشبة مسرح الفلكي يومين متواصلين.

تناول العمل جانبا من حياة الراحل مصطفى العقاد؛ فلم يتطرق إلى حياته بشيء من التفصيل، بينما اهتم المخرج بإبراز فكر العقاد ورغبته في تحرير الدين الإسلامي من مفاهيم العنف والعدوان والكراهية وهو ما دفعه لإخراج ملحمتيه "الرسالة" أو "the message" عن البعثة المحمدية وتفاصيل دعوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم السمحة؛ و"أسد الصحراء" أو "lion of the desert" وكانت لديه الرغبة في تقديم عملين عن فتح الأندلس وصلاح الدين الأيوبي، لكن القدر لم يمهله لإتمام المشروعين؛ ثم تناول العرض في المقابل الفكر المتطرف الذي يطمس معالم وروح العقيدة الإسلامية؛ بين الفكرين المصحح والمشوه قدم المخرج "آخر 15 ثانية"، عرض لا يشبه العروض المسرحية التقليدية خصوصا الأعمال التي تتناول هذا النوع من الموضوعات؛ فعادة ما تكون هزيلة أو ضعيفة المحتوى تنخرط في الابتذال والبكائيات يهتم صناعها بالمباشرة والخطابة والنصح والإرشاد على حساب الاهتمام بتقديم قصة تخاطب العقل والوجدان.

خاطب بو مطر بعرضه عقل ووجدان الجمهور في عمل فني رفيع يحمل من الرقي والعذوبة ما جعل الجمهور يجلس صامتا ولا يحرك ساكنا في متابعة تسلسل أحداثه التي يعلم نهايتها مسبقا بينما من شدة المتعة والتأثر سيدفعك الفضول إلى متابعته حتى النهاية كي تعلم كيف صنع المخرج هذه الثواني المؤلمة في حياة المخرج الراحل؛ في البداية استعرض فريق العمل حياة العقاد بالخارج ورغبته التي لا تتوقف في صناعة أعمال دينية باللغة الإنجليزية وبأبطال غير عرب مثل أنطوني كوين حتى تصل رسالته، فاختار ان يخاطب الغرب على لسان نجومه المحبوبين والمؤلفين لديه؛ لأن في وجهة نظره هذا ما سيجعلهم أكثر ولعا واهتماما بالمشاهدة، وكان له ما أراد، ثم استعراضه لحياة هذا الإرهابي وكيف ولدت ونضجت داخله تدريجيا هذه الأفكار العنيفة المتجردة من الإنسانية فكلاهما كان ضحية فكره ورغبته في الثورة من أجل التصحيح، جمعهما دين واحد اختلفا في إدراكه وتأويله.

من هذه الفكرة انطلق المخرج بمشاهد أقرب إلى السينما في تتابعها وتسلسلها، وكأنها قطعت بمونتاج متقن إلى مشاهد سينمائية في عرض مأساة هذا الرجل في خط متواز قدم جانب من حياة العقاد وعلاقته بابنته التي حرص والدها على تربيتها بعادات شرقية رغم نشأتها في بلاد غربية ثم حياة هذا الإرهابي وعلاقته بوالدته وزوجته التي رفض معاشرتها ليلة زفافهما وفضل حياة الآخرة أو الجهاد كما يعتقد عن متعة ولذة الحياة ففي ليلة زفافه وفي مشهد صامت بليغ ألبس الإرهابي عروسه حزاما ناسفا وعانقها وهو يرتدي نفس الحزام في إشارة لعلو رغبة وثقافة الموت على الحياة يتبادل الممثلون بعض الأدوار في العرض حتى يؤكد المخرج أن الاثنين الإرهابي والعقاد ينتميان لثقافة واحدة وكلاهما قررا الانتصار للإسلام على طريقته، فالمفارقة المؤسفة أن العقاد الذي كان يبرئ الإسلام من التطرف مات على يد متطرف!

لم يكتف مخرج العرض ومؤلفه مجدي بو مطر بصناعة مشاهد صامتة أو باللعب على الصمت فترات كثيرة وهي جرأة فنية تحسب له لأن هناك احتمالا بشعور الجمهور بالملل من إطالة فترات الصمت، لكن هذا لم يحدث بل صمت الجمهور معه صمتا طويلا مأخوذا لمتابعة أحداث العرض المثيرة والمؤلمة والممتعة، بين التمثيل والصمت والحوار باللغة الإنجليزية الذي تعمد أن تكون لغته الأصلية حتى يضمن مخاطبة قطاع كبير من الغرب، وبين مقطوعات موسيقية أشبه "بمود" الأوبرا وتكنيك مختلف في التمثيل والحركة والإخراج، يشبه دقات عقارب الساعة، وكأننا في وضع الانتظار للحظة الانفجار لعب هذا التكنيك على وضع الجمهور في حالة من الإثارة والتشويق؛ ثم سينوغرافيا موحية صنعها في خلفية المسرح تناثرت خلالها مجموعة من الملابس البيضاء على ملاءة كبيرة وضعت في وضع "الغسيل المنشور" وكأنها أجساد متبعثرة لجثث وضحايا العمليات الإرهابية التي نعيشها كل يوم وفي الوقت نفسه استغلها المخرج كمرآة عاكسة لصور الممثلين على المسرح باستخدام الفيديو بورجيكتور وكأنهم ذكريات نسترجعها على شاشة "3D" ساهمت هذه الصور المنعكسة في وضعنا بحالة السينما وكأننا نعيش نوستالجا ذكرى العقاد وابنته يوم زفافها صنع المخرج لحظة الانفجار يوم زفاف ابنته لأن اليوم الذي قتل فيه العقاد قتلت قبله بدقائق "ريما" بعد وصولها إلى فندق عمان لحضور حفل زفاف مع ابيها وخلال هذه الثواني لحق بها والدها ففي هذا اليوم سرق الإرهاب فرحة العقاد "ريما" قبل أن يسرق حياته، جمع المخرج العائلة في مشهد مصور بديع عشنا فيه "آخر 15 ثانية" من حياة العقاد!

 

تم نسخ الرابط