الأحد 21 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

رمضان زين الزمان "5"

رمضان زين الزمان
رمضان زين الزمان "5"
كتبت - د. عزة بدر

مسحراتي عمر الصاوي

 

"وأنا اللي بالأمل الجميل ساعي

بين المراوي والنجوم العالية

كل أما أقول يا مصر يا غالية

ألاقى عودي نما

يا ليل وقلبي انزرع

وسط الغيطان والترع

وبقاله جدر متين في أرض الحِمى

وفرعه طال السما".

بهذه الكلمات العذبة بدأ الشاعر عمر الصاوي ديوانه المسحراتي، الذي صدر عام 1987، ليقدم لنا مسحراتي جديدا يحمل وصايا مسحراتي فؤاد حداد (1927– 1985) الذي أرسى فنا شعريا جديدا، ونقل فن القومة أو فن التسحير من فن موسمي في شهر رمضان فقط إلى فن يومي، وقومي، له مضمون اجتماعي وثقافي وسياسي وفكري.

وكان فن القومة قد نشأ في العراق لكنه انتشر في مصر، واكتسب بعدا إنسانيا وفنيا راقيا مع مسحراتي فؤاد حداد عام 1964

 

الطبلة قلب له دقة

ومع عمر الصاوي أصبح للطبلة قلب له دقة، حمل الأمانة أمانة المسحراتي وفن قومته فيقول في قصيدته بعنوان "فؤاد حداد": "مسحراتي- جاى في الميعاد- باعتني والدي- الشيخ فؤاد- قال لي السنا دي " إحفظ ميعادى- علشان حاسافرــ سفر البعاد- عشر وصايا- أوصاني بيها- أمشي عليها- علم وبديهة- أول ما وصّى- إداني طبلة- وقال لي سَحّر- لو هي عبلة- يبقى انت عنتر".

وقد سَحّر عمر الصاوي بالمحبة، وأصبح للطبلة على يديه قلب وله دقة، فهو القائل:

"بالطبلة دقة.. وبقلبي دقة- ياللي سامعني ما تقولش لأ

كل اللي جوزتهم راجع أسحرهم- ع الحب نيمتهم بالحب أسهرهم- قلبين ما يتغيروا، طبع الوداد غالب، وأنا اللي طالب من الرحمن يكترهم- اصحى يا نايم- رمضان كريم".

ويمضي المسحراتي ليذكر الأحفاد، والأبناء بتراثهم الفكري، والثقافي، والشعري، ورموز الأمة من مفكريها وشعرائها فتجد قصائد عن طه حسين، وسيد درويش، وعبد الله النديم، وبيرم التونسي، وفي قصيدته عن طه حسين يقول:

"أدبنا جامعة- وأنت العميد- والدنيا سامعة- صوت من بعيد- بيقول: يا هادي- أولاد ولادي- العلم- مية وهوا

بالطبلة دقة- وبقلبي دقة- آياللي سامعني ما تقولش لأ".

في ديوانه يحادث عبد الله النديم، ويتحدث مع بيرم التونسي، ويتغنى مع سيد درويش، يناديه مناجيا :

" ياغنوة مصرية في قلوبنا تعيش- الموج يغنيها على الكورنيش- وتسهر الدنيا لحد الآن- يا وتر أنينه هز كل الوجود- الثورة بتغني معاك ع العود- ضمينا على بعض القلوب والأيادي- نقول بلادي بلادي".

وكما تغنى سيد درويش بكلمات بديع خيرى الذي صور جميع فنات الشعب من تجار، وترزية، وحدادين، وبزازين، وموظفين، ونجارين وغيرهم، كان مسحراتي عمر الصاوي يستحضر في وجدانه هذه الروح المصرية الصميمة، وهذا الطابع المصري الغلاب في التعبير عن المحبة، والوعى بما يميز المجتمع المصري من سمات التضامن والتماسك، وقد صورها الشاعر في صور شعرية رهيفة معطاءة فهو يقول في قصيدة الترزي:

"مسحراتي بالإبر والخيوط- بالضم بإذن الله جميع البيوت"، وتتدفق معانيه من خلال تصاوير لافتة تستأثر بقارئها وسامعها في ومضات شعرية مكثفة: "أنا المغنى وارث الإحساس- في إيدي إبرة في الشتا عريانة- وعاوزة تكسي الناس".

وتكتنز ومضاته بإحساس رهيف، يستقى من الأمثلة الشعبية، وحكمتها فيقول: "سميت على التوب اللي راح يتقص

علشان أطيب خاطره ويا المقص- وشكرت ربى في الصلاة والصوم- بَعت الشتا والبرد قد الهدوم- وقال يا عبدي كل شيء بيحس- ولو قماش كتان".

ويتغنى شاعرنا بسمات الحياة المصرية ويحتفى بلحظات الإثمار والحصاد فيقول في قصيدته المنجد:

"يا قطن يا أبيض ياللي اسمك قطن- علشان خدودك خدوك الفلاحين بالحضن- يا كل خيط نوّر على بيتنا- على قد ما حبينا

حبيتنا- دي حاجات فرحنا لما تيجي وتقدم".

وتتواصل قصائد المسحراتي فهو شخصية ساحرة، على مسرح الحياة والشعر يقوم بأدوار عديدة فمسحراتي القصائد فطاطري، وبائع لبن، وترزي، ومنجد، وحداد، ونجار، وقهوجي، ومن خلال هذه المهن جميعا يصور الشاعر رحلة العطاء، حيث تسمو قيمة العمل وإتقانه كعمل من أعمال الجهاد فيقول:

"يا رب اجعل ضميري وصوتي زي بلال- غنوة محبة وأمل بتجمع العمال- بين الدخان والعرق والصهد- قلنا: يا رب

هوَّن علينا الشقا- وارزقنا رزق حلال- اصحى يا نايم- رمضان كريم".

الإيمان بفن الكلمة.

وفي قصيدته عن البنايين يقول: "مسحراتي وصنعتي بَنّا- وارث جدودي من قديم العصور- نبني في مصر وبالتراب نتحنى- يا كل طير على الغصن لو غنى- وعلم الإنسان ينادي النور"

وفي القصيدة احتفال بأول البناة، بأصحاب الكلمة فيقول عمر الصاوي: "طايرة البلابل تغني فوق سطوح المنازل- في كل حبة على شرع المحبة تقاول- دا اللي بنى مصر كان في الأصل شاعرها- عصفور من الجنة عامل بَنَّا ومناول"- اصحى يا نايم- رمضان كريم "

الأمل في الغد واستشراف المستقبل، هما ما يميز عالم المسحراتي هنا، والذي يرى في ليالي رمضان أكرم الأيام، وأن القادم أجمل..

فيقول: "يا أكرم الأيام يا شهر الصيام- يا جناين الأحلام في نور الهداية- زرع المحبة فواكه حسنات- فات اللي فات، أجمل سنينا اللي جاية- بإذن العليم- اصحى يا نايم- رمضان كريم".

 

يا حمام يا طاير

وعند مسحراتي شاعرنا تجد القصائد الطويلة تحتوي على قصائد قصيرة، تبدو وحدها ذات اكتمال، بللورات صافية تكتنز المعنى كما في قوله: "يا حمام يا طاير من هنا لهناك- حامل رسايل في العيون مقربة- يا للي فاكرني عمري ما بانساك

وان يبنوا بينا سور من الأسلاك- قلبي يجيلك بالسحور والمية".

وتبدو مهمة المُسحر متواصلة بلا نهاية بل هي ميلاده الجديد في كل مرة يقوم فيها بالتسحير، وفي كل مرة يخترع المعنى فيقول المُسحر الذي يستعيد صباه ويؤسس لحكمته:

"قالوا العلام في الصغر أنا قلت والشيخوخة".

وهكذا يستعيد المُسحر بالعلم صباه ويسترد عافيته، ويهزم الزمن فينشد: "وأنا اللي يحلالي شقايا وتعبي- لما باغني معاكو يا حبايبي- أرجع صغير والزمن ينساني- وشعرى الأبيض يرجع اسود تاني- والشمس بتبدل معايا سناني- وابقى مكاني واسمى على السبورة- وأختي نورة تقوللي علمهاني- ألف وبه- وته وثه- وجيم وحا- والشمس نازلة مروحة- بالطبلة دقة وبقلبي دقة- ياللي سامعني ما تقولش لأ".

وإلى حلقة قادمة.

 
تم نسخ الرابط