أخر حوار مع صاحب أشهر صورة في حرب أكتوبر قبل رحيله
إعداد - عادل عبدالمحسن
صورة شهيرة من صور حرب اكتوبر المجيدة ، لفتت أنظار العالم وجعلت من موته أمس الخميس حديث مواقع التواصل الإجتماعى و"السوشيال ميديا" إنه المقاتل عبدالرحمن أحمد عبداللاه القاضى ، ابن مدينة المراغة ، محافظة سوهاج ، معلم اجيال ، موجه بالتعليم الابتدائى بالمعاش ، تخرجت من بين يديه اجيال ،
موقع "المجموعة 73مؤرخين" أجرت حواراً مع هذا البطل قبل وفاته ومن خلال أحد تلاميذ هذا البطل قام الطبيب أحمد مختار أبو الدهب بإدارة هذا الحوار قال، :افتخر اننى كنت واحد من تلاميذه فقد عرفته أستاذى منذ نعومة أظافرى ، إلا أننى فوجئت به كمقاتل من وراء تلك الصــورة – التي فاجأنى بها ابن شقيقة ، موجها انتباه "المجموعة 73 مؤرخين" إلى هذا المقاتل الذي لم يسمع عنه أحد
عن تلك الصورة ، يبدأ بطلنا حواره قائلا : حين عدت من الحرب كان جميع اخوتى واقاربى يحتفظون بهذه الصورة ويقولون إنها صورتى فعندما عبرنا كان المراسلون الحربيون والمصورون موجودون قبلنا وقاموا بتصويرنا فعلا نفس السلاح ، ونفس ساعتى التي كنت اردتديها. ولكنك تتحدث عن حرب ، لذا للأمانة اولاً ، ولانها لا تفرق ثانيا اكون انا أو أي مقاتل اخر ، فالاهم هو الحرب ، والنصر.اما الصورة ، فانا لا اجزم انها صورتى ، لانى اخر من رآها منذ لحظة ألتقاطها
يحكى مسيرته بداية من الألتحاق بالتجنيد قائلا:التحقت بالتجنيد بعد تخرجى يوم 4 اكتوبر 1967 ، حيث بدأنا حياتنا العسكرية في مركز التدريب بالهايكستيب ، حيث التحقت بسلاح المدرعات ، ثم التحقت بتخصص اتصالات سلكية ولاسلكية بسلاح المدرعات ، ثم تم توزيعى على كتيبتى الكتيبة 212 الفرقة 19 مشاة ، والتي كان مقرها بالكيلو 16 طريق القاهرة السويس ، عايشنا حرب الاستنزاف ومبادرة "روجرز" ووقف إطلاق النار ، وقبيل المعركة حصلنا على تدريب بمدرسة المعركة بالسويس
واذكر قائدى محمد سعيد البرعى ، وكان قائد كتيبتى وهو قائد عظيم ، حيث رفع معنوياتنا قبل الحرب حين قال لنا ليس أمامنا إلا النصر رغم الامكانيات ، إلا أنه انتقل من الكتيبة وجاء بعده قائداً أخر اذكر أن اسمه "سمير" لكنى لا اذكر اسمه بالكامل.
حرب الاستزاف :
كانت فترة قاسية جدا ، كنا تقريبا بشكل يومى نتعرض لقصف بالطائرات أو المدفعية أو كلاهما لمدة 16 ساعة ، وكان العدو يزيد تحيته لنا يوم الجمعة بأن يجعل القصف يستمر لفترة اطول قد تصل إلى 20 ساعة لانهم يعرفون يوم الجمعة وشعائر الصلاة فيه ، ورغم ذلك كنا نمارس حياتنا بشكل شبه عادى ، اعتدناه مع مرور الأيام ، ويحضرنى في ذلك مقولة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر رحمه الله حين قال "جنودنا يتطعمون بجو المعارك كلما اشتد عليهم قصف العدو !!!"
واذكر في أحد المرات اثناء تنقلات لنا في موقع أخر وعندما كنت فوق "تبة متوسطة" اقوم بتوصيل خطوط الاتصالات ، اتصل بى قائد عمليات الفرقة وقال لى: ادينى رئيس عملياتك بسرعة.
فنزلت من على "التبة" مسرعا تجاه "رئيس العمليات" وقولت له ، قائد الكتيبة طالب سيادتك يا فندم.
ففوجئت به يجيب قائلا: مش هاكلمه...يا بارد !!!
- يا فندم ده عالخط !!!!
- قلت مش هاكلمه يا بارد !!!!
لم افهم معنى موقفه ، لكنه كلم القائد طبعا ، وقصده من ذلك ان يعلمنى هدوء الأعصاب تحت أي ظرف وقال لى بعد أن انهى مكالمته مع قائد العمليات: لما زمايلك يشوفوا عسكرى الاتصالات بيجرى كده يقولو ايه..الحرب قامت.. سيطر على أعصابك دايما يا عبدالرحمن..ثم ابتسم قائلاً: "مش عاوز اشوفك بتجرى بعد كده حتى لو الحرب قامت"
ويقول البطل :تعلمت منه يومها معنى ضبط النفس وهدوء الأعصاب حتى في قلب الخطر.ونظرا لأننا كقوات مدرعات كنا تقريبا ثابتون في أماكننا ، لم نعبر إلا بقيام الحرب ، لكننا كنا نتابع بشغف عمليات حرب الاستنزاف التي كان يقوم بها زملائنا من الأسلحة المختلفة ، سواءاً المشاة أو القوات الخاصة.
وصف تأثير عمليات قوات الصاعقه على معنويات الجنود
كان تعرضنا للخطر شبه يومى إن لم يكن كل يوم بقصف العدو على مدى ساعات طوال اليوم ، كان القصف ينال من مواقع لنا ، منها على ما أذكر قطار حربى كان يمر من السويس إلى "عجرود" ثم القاهرة ، حيث تم قصفه وحدثت إصابات ووفيات بين زملائنا منهم أحد الجنود من زملائنا بترت ذراعه ، وقد عاد لنا مرة أخرى بعد اصابته ليسلم علينا ويرفع معنوياتنا وقد تأثرنا بما حدث له. وبعدها تم تغيير مسار القطار ليكون بين "عجرود" و"القاهرة" فقط ، دون الذهاب إلى السويس.
كان دوري كجندى الاتصالات هو مسؤولية اتصالات الكتيبة ، والمسؤول عن مد خطوط الإتصالات السلكية في حال انتقالنا إلى مكان أخر ، وهو ما حدث حين عبرنا بقيام حرب أكتوبر
ويصف البطل عبدالرحمن الحرب بأنها كانت حرب عظيمة جداً اكتسب فيها جيشنا الكثير من الخبرات ، وحقق الكثير من البطولات ، كانت صعبة نظرا لتحصينات العدو الرهيبة ، التي كان يحكى لنا عليها زملائنا ممن يقومون بعمليات الاستنزاف ، ثم رأيناها بأعيننا حين عبرنا في حرب أكتوبر المجيدة.
وكانت مهامنا اثناء حرب الاستنزاف تدريبية استعداد ليوم العبور ، حيث كنا نقوم بمشاريع تدريبية في ترعة الخطاطبة ، تدريبا على العبور والعمليات ، لكن ما فوجئنا به فعلا يوم العبور ولم نكن نعلمه هو فتح الثغرات في الساتر الترابى باستخدام خراطيم المياه ذات الدفع العالى ، وهي فكرة اللواء باقى زكى يوسف.
ويضيف عبدالرحمن أن تحصيناتنا كانت بسيطة لا تقارن بقوة ورفاهية تحصيناتهم ، ورغم ذلك ورغم قصفهم المستمر لنا ، كنا نمارس حياتنا بشكل عادى اعتدناه مع مرور الأيام ، كنا نغسل ملابسنا وننشرها على الرمال ، نصلى فرادى أو جماعة ، نتوضأ أو نتيمم تبعا لما تقتضيه الظروف.
وكنت قد عقدت قرانى ، مع تأجيل موعد الزفاف لحين انتهاء الحرب ، لكن عاماً بعد عام بدءنا نشعر اننا لن نعود لحياتنا المدنية ، حتى لو قامت الحرب فغالبا سنكون من شهداءها و-هو ما لم يحدث للأسف - لذا تزوجت اثناء فترة حرب الاستنزاف ، وهيأت حياتى على كونى مقاتلاً على خط النار دون الأهتمام كثيراً بفكرة انى سأعود مدنياً كما كنت ولكننى عدت.
يـــــوم العبــــــــــور
يوم العبور ، في تلك الفترة كان هناك مشروع "تحرير 46 " وهو مشروع تدريبى بين القادة ، يتم فيه التواصل بينهم من خلال اللاسلكى ، كنت متعجباً فصفتى جندى إتصالات حيث كانت الاتصالات بين القادة ليست واضحة بالنسبة لى فقط ، بل بالتأكيد بالنسبة للعدو وتحت سمع أجهزته وتعجبت وقتها ، وخصوصا أن أخر اشارة وصلت لى: "يخشى أن يستغل العدو "انهماكنا" في مشروع "تحرير 46 " ويستغل الموقف بضربة جوية مفاجأة ، لذا يتم رفع درجة الاستعداد وتعجبت مرة أخرى لأنى اعلم ان تنصت العدو سيستلم الرسالة ، فكيف نستخدم اللاسكى بهذه الطريقة ولكن مع قيام الحرب ، سرعان ما علمت أن ذلك جزء من خطة التمويه والخداع الرائعة التي أتقنتها القوات المسلحة المصرية بجميع أفرعها ووحداتها.
وتوجهت بتلك الإشارة إلى رئيس العمليات ، الذي فوجئت به يبلغنى أن الساعة 2 ظهرا ستكون هناك ضربة جوية شاملة ، وسنعبر اليوم بإذن الله.
ولم أصدق ذلك ، إلا أنه أكد لى قائلاً: اطمئن سنتوكل على الله اليوم ، وسنعبر بإذن الله واللواء عبدالغنى الجمسى مجهز الخطة وربنا هينصرنا إن شاء الله !!
كان اسم "عبدالغنى الجمسى " بالنسبة لنا يساوى عمليات قوية ضد العدو ويساوى حــــرب !!!
و قبيل الثانية ظهراً خرجت من الملجأ ونظرت إلى السماء فوجدت السماء فوقى مليئة بالعديد من طائراتنا "الميج 21" تحلق فوقنا نحو الشرق ، بينما تعلو صيحات الله اكبر تلقائيا من كل من رأى هذا المشهد، لقد كبروا تلقائياً اذ شعروا باقتراب اللحظة الحاسمة ، وقد كانت كذلك.
بعد فترة قليلة فوجئت بطائرات ميراج فوقنا ، فقولت للقائد: يا فندم الميراج فوقنا وأكيد هيضربونا، فرد القائد في ثقة: ما تخافش...الميراج ده تبعنا.
كان أستعدادنا المباشر قبيل العبور متمثلاً فى تجهيز المعدات ، وتجهيز "افارولاتنا" بتغطيسها في مادة كيميائية ، يجف بعدها "الافارول" سريعاً، كانت تلك المادة مضادة "للنابالم" ، وغير مقبولة الرائحة وتجعل "الافارول" خشن الملمس وغير مرغوب في الملبس ولكنها الحرب واستعدادتها.
واذكر حينما كنا في السويس استعدادا لعبورنا ، رأيت إحدى الدبابات مرفوع درعها لعمل صيانة ، كانت حركة الدرع تحتاج لونش ، بينما فوجئت امام عينى ببعض الجنود صارخين "الله اكبر" ، ويقومون بإغلاق الدرع بدلا من "الاوناش"، وبالطبع لم نعبر في النسق الاول ,اذ عبرنا بعد أن تم انشاء رؤس الكبارى وفتح ثغرات في الساتر الترابى ، إلا أن المشهد الذي كان يجعل الدموع تنهمر من عيوننا ويجعلنا نتشوق للعبور في هذه اللحظة قبل التالية ، هو مشهد عـــــلـــم مصـــــر المرفوع والمرفرف على الجبهة الشرقية أمامنا. لقد اعتدنا رؤية العلم الملعون ، علم إسرائيل أمامنا طوال السنوات الماضية ولك أن تتخيل شعورنا حينما أصبح "علم مصر".. علم بلدك هو المرفوع أمامنا،"ياااااه" شعور لا يوصف".
وعبرنا في اليوم التالى لبداية الحرب "صباح 7 اكتوبر " حين اكتملت اقامة رؤس الكبارى بمجهود رجال سلاح المهندسين الابطال ، كان الطيران المعادى يحاول عمل هجوم مضاد وتدمير الكبارى ، إلا أن دفاعنا الجوى الباسل قام بدور عظيم ، لقد فوجئنا بطائرة معادية تسقط بين تشكيلنا "الذي كان يمثل مربع ناقص ضلع والقائد في المنتصف " فكبرنا ونحن نرى بيننا وعلى ارضنا طائرة معادية تسقط مشتعلة بفعل صاروخ مصري من صواريخ دفاعنا الجوى.
وحين عبرنا كان موجوداً على الضفة الشرقية مراسلين حربيين يرتدون زيا مدنياً ومعهم كاميرات ، لقد تعجبنا من وجودهم قبلنا وكيف عبروا في أتون الحرب المشتعل ، ولقد ألتقطوا العديد من الصور لنا فور عبورنا ورصدوا مشاهد فرحتنا بالعبور وتحمسنا لما هو آت من قتال.
ويتابع البطل عبدالرحمن قائلاً: تحركنا إلى داخل ارض سيناء الحبيبة ، وتوجهنا بدباباتنا إلى منطقة تسمى "الجباسات" ولم نمكث هناك ساعات ، إلا وجاءت لنا الأوامر بالتحرك إلى نقطة "عيون موسى" الحصينة ، تلك النقطة الرهيبة ,شديدة التحصين ، التي يصل سمك سقفها إلى 9 امتار ، وتعمل أبوابها الحصينة بتحكم كهربائى ، وبها من التحصينات والترفيه ما لا يصدقه مقاتل انها تحتوى حتى على سينما للترفيه عن جنود العدو، وقد اكون مبالغاً اذ قلت أننا على صعيد كتيبتى لم نحارب تلك الحرب المهلكة الطاحنة التي كنا نتوقعها ونتوقع أنها ستقضى علينا ولكننا قلنا الله اكبر ، ولقد استسلم جنود العدو امامنا عندما رفعت دباباتنا مدافعها متوجهه تجاههم "واشارت إليهم " ، فاذا بهم يستسلمون ويأخذهم رجال المشاة أسرى
عندما وصلنا "عيون موسى" وتمركزنا فيها, كنا محافظين على صيامنا رغبة في الموت صائمين ، حيث كان كل منا يعتبر نفسه ميتا ما لم يثبت العكس ولكن كان كل ما يهمنا هو الثأر الذي جاءت فرصته وحان وقته ، كان الخوف قد تلاشى في داخلنا في هذا التوقيت خصيصاً ، والله لو كان بنا ذرة من خوف لمتنا من الخــــوف لما كنا نلاقيه من أهوال وجحيم طوال فترة حرب الاستنزاف ، ولكن الله ثبتنا ونزع من صدورنا الخـــوف تماما. فعلا كما قال الزعيم عبدالناصر ، لقد تطعمنا للحـــــرب
كان دوري بصفتى الجندى مسؤول الاتصالات هي اقامة خطوط الاتصال السلكية كما ذكرت من قبل ، فكنت اضع اسطوانة عليها ما يصل إلى الاف الامتار من السلك على كتفى وأقوم بتثبيت السلك في نقاط ما بين كل منها مسافة كبيرة قد تصل إلى كيلو متر تقريبا, واقوم بتوصيل خطوط الاتصالات بين السرايا المختلفة واقوم بعمل سنترال تصب فيه كل تلك الخطوط وأكون أنا المسؤول عن تشغيله ,
وهذا من ناحية الإتصالات السلكية أما عن الإتصالات اللاسلكية فكنت مسؤول عن صيانة أجهزة اللاسلكى الخاص بالدبابات ، وكان مكانى اثناء التحركات بالمدرعة الخاصة برئيس عمليات الكتيبة.
وكانت تحصينات العدو واهتمامه براحة وتأمين جنوده لا توصف ، بالمقارنة في ما كنا نحن فيه من خنادق بسيطة محدودة التأمين.
وأذكر أننى شاهدت أيضا نقطة لسان بور توفيق ، والتي بها من الترفيه ما يوجد بمدينة حديثة لا مجرد نقطة أو ثكنة عسكرية ، لقد شاهدت بها دبابات تقريباً على "الزيرو" قادمة من الجسر الجوى الأمريكي ، وهذه الدبابات التي أمر قائد فرقتنا "اللواء يوسف عفيفى " - بتدميرها على التوالى حيث تم تدميرها كلها خوفاً من حصول العدو عليها مرة أخرى ، فلم نستطيع استخدامها في القتال لعدم وجود أطقم مدربة على استخدام هذه الأنواع ، حيث كنا مدربين على استخدام الدبابات "تى 54 ، وتى 55" ، بينما كانت تلك الدبابات صناعة امريكية تفوق إمكانيات سلاحنا ولكن لا نجيد استخدامها.
لقد كان اللواء يوسف عفيفى مثال للقائد المنضبط رابط الجأش ، في مرة ما ، توجهت مع ضابط شاب إلى قيادة الفرقة لتبادل الأوامر مع القيادة فوجدته رغم ظروف الحرب مهندما هادئا بشكل يلفت النظر ، فأدى الضابط الشاب التحية بسرعة يريد التحدث في الأمور التي جاء من أجلها ، فإذا بالقائد يقول له بقوة: "عظــم كويس يا ظابط زى ما علموك" في الكلية الحربية وكان ذلك من قبيل الأنضباط بالسلوك العسكرى ، وتعليمنا ألا تؤثر الحرب على أنضباطنا أو هدوء أعصابنا. وكان لذلك أثر عظيم في رفع الروح المعنوية ,
ولقد نصرنا الله فعلا بقذف الرعب في قلوب العدو وبتوفيقه وتثبيته لنا وأذكر أننا عثرنا على كابل اتصالات في سيناء كان العدو قد استولى عليه مع استيلاءه على سيناء بعد النكسة ، فاستخدمناه مرة اخرى في اتصالاتنا وعمل خطوط جديدة للاتصال.
الثغـــــــرة
كانت أيام ذات وقع غريب ، رغم صعوبتها إلا أن روحنا المعنوية كانت مرتفعة فيها بفضل التلاحم بين الجميع قادة وجنوداً ، كان الاسرائيليون بحكم كونهم محاصِرين لنا ونحن محاصَرين لهم ، فعندما يمنعون عنا الطعام كنا نقصف قوافل طعامهم بالمدفعية فيعلمون طإن جعنا ، جاعوا" ولقد تعايشنا مع فترة الثغرة بشكل ممتاز ، وكنا نعمل حفلات سمر لرفع الروح المعنوية وحتى يسمع العدو بحالتنا فتزيد من ارتباكه ،
ويتابع عبدالحمن حكايته مع الحرب قائلاً :اذكر اننى كنت مع زميل لى قد صممنا فرن من نصف برميل وكنا نستخدم صوانى الصواريخ – وهي قاعدة الصاروخ بعد ضربه فكانت قاعدة ألومنيوم لامعه – وكنا نستخدمها كصوانى للطهو والخبيز ، وكنا نشرب من عيون موسى "الاثنى عشر عينا "
وكانت المعلومات التي عرفناها وقتها أن شارون قطع اتصالاته مع قيادته كنوع من العناد ليكمل خطة الثغرة بينما كان بعض قادة العدو ينادي بتوقف العملية وعدم جدواها من الناحية العسكرية ، وفعلا فلقد تصدى رجال القائد "عبدالمنعم واصل " لكل من دخل السويس واذاقوهم الأمرين ببطولة وبسالة منقطعة النظير. ولقد رأيت بعينى تلك الدبابات الاسرائيلية المدمرة بالكامل في السويس ومنها ما حطامه يقطع الطريق ، حيث كنت اتنقل ما بين كتيبتى والسويس لإحضار المراسلات القادمة لنا من البريـــد. وكنا نعبر احيانا بمعديات صغيرة ونعود مرة أخرى.
ويضيف عبدالرحمن،: كانت روحنا المعنوية مرتفعة طوال فترة الثغرة ، لم نعان من نقص الإمدادات ، وكمقاتل عاش تلك الأيام أرى أن تلك الثغرة كانت تابعة للرؤيا السياسية وليس للقدرة العسكرية ، فعسكريا أرى أن موقف الإسرائيليين كان ليس متميزاً إن لم يكن سيئاً ، لقد كنا نعمل تحت قيادة قادة عظماء ومحترفين سواءاً اللواء يوسف عفيفى قائد الفرقة 19 ، أو اللواء أحمد بدوى – آنذاك قائد الفرقة السابعة.
وأكاد أجزم أن الثغرة كانت فرقعة أولاً وأخيراً من وجهة نظرى وليست نصراً عسكرياً للعدو بأى مقياس ، وعلى الأقل من خلال ما عشته ورأيته بعينى في الفرقة 19 ، يكفي أن أقول، لقد عبرنا بـ33 دبابة ، ورجعنا 33 دبابة ، لقد استشهد من كتيبتى فقد اثنان من الضباط واثنان من الجنود وجندى واحد مفقود.
أما عن تكتيكات العدو في القصف,فكان يتعامل بطريقة الأرض المحروقة بقصف منسق لمربعات محددة ، فكنا ما أن ينتهى العدو من قصف منطقة بسرعة نتمركز فيها بشكل مؤقت أثناء التحركات لأننا نعلم أنه اعتبرها المربع المحروق لهذا القصف.
مواقف لا تنسى
بالطبع كان من المواقف البطولية ، ما لا يحصى عدداً ، يحضرنى منها اثناء العبور قيام أحد الجنود الأبطال بسد فتحة مدفع نابالم بجسده ليحمى باقى زملاءه
وكنا نصلى كثيراً لابسين الأحذية ، "البيادة " ومتيممين ، وأذكر أثناء تيممى في مرة من المرات وما أن رفعت يدى عن الأرض إلا ووجدت شظية من جراء قصف قد بدأ ورسمت عدة خطوط على موضع يدى في الرمال فلو ابطأت يدى في الحركة للحظات لكانت قد بترتها الشظايا فوددت أن أعود سريعا للملجأ ، لكنى بالعناد أكملت تيممى بوضع يدى في نفس موقع مسار الشظية ، ثم عدت إلى خندقى لنصلى.
وفى نقطة "عيون موسى" ، كان جوارنا مرتفعات عالية ، وهي "جبال المر " ، كان القائد الشهير "الفاتح كريم " الذي استولى عليها وفتح نقاطها الحصينة ببطولة فذه هو ورجاله, اذكر طريقته عندما يتصل بكتيبتنا ، حيث كان له اسلوب طريف في الحوار ، كان يقول لى: يا دفعة ، "ادينى الكومندان بتاعك"
ولقد ابلغ قائد كتيبتى يومها بنجاح عمليتهم حين قال له: "شايف جبل المر ، والعلم اللى فوقه ، انا تحت علم مصر على طول".
هذا الرجل والقائد العظيم الذي استولى على نقاط جبال المر ونصره الله بأن قذف في قلوب اعداءه الرعب ، حيث امر رجاله جميعاً ان يكبرون "الله اكبر " طوال هجومه على تلك المواقع ، مما ارعب الاسرائيليين وجعلهم ينسحبون أمامهم ، وأصدر الرئيس السادات بعدها قرار بتغيير اسم جبال المــــر إلى جبال "الفاتح " ، تكريما لهذا البطل.
ولقد كان الجبل له طريق ممهد في المنتصف لم يكن يعلمه ذاك القائد ، وهجم عليه من طريقين غير ممهدين من اطراف الجبل وهو طريق صعب جداً، مما زاد من رعب الاسرائيليين من طريقتهم مع صيحاتهم "الله اكبر" .
ويقول عبدالرحمن : اذكر اننى سمعت تعقيبه مازحا بعدها عن معركة استيلاءه على تلك الجبال مستهزئا بالجنود الاسرائيليين الجبناء قائلا :"عارفين اللى كانوا في المواقع دى" ، "دول شوية تلامذه من المدارس تقول لهم بخ يطيروا" ، "لكننا كمان قلنا لهم" .."الله اكبر" !!!
الرد على ابـــواق العدو
لا تصدقون ادعاءات العدو الكاذبة وابواق الهزيمة ، وتزييفات العدو التي تقلل من قيمة النصر ، لقد كنا في موقف قوة من أول لحظة وإلى أخر لحظة ، لو كنا في موقف ضعف لما رحمنا أحد ولما تركنا أحد نعود احياءاً ، وأتعجب لمن يصدق هذه الإدعاءات.
نهاية مسيرة القتال....و العودة للحياة المدنية
خرجت من الخدمة وانتهت فترة تجنيدى في نهاية مايو 1974 ، لا أخفيك سراً أننى حينما دخلت سيناء دعوت من الله ألا أصاب أو أكون اسيراً ورجوت الله النصر أو الشهادة ، فأكرمنا الله بالنصر ، وها انا قد عدت ، ولكنى لا ادرى اكانت عودتى من حسن حظى أم لا
سألته مرة أخرى عن الصورة ؟
فكرر اجابته ببساطة , دعك من كون الصورة لمن , الأهم أنها لمقاتل مصرى , عبر و انتصر وسواء كنت أنا أو غيرى , فلا يهمنى أن أجزم و اقول أنه أنا رغم وجود ما يشير لذلك والأهم بالنسبة لى أنها كانت صورة من "أيام النصـــــر".



