علي بنه يكتب :الضحية
اخترق سمعه الخبر، كحجارة رجم بها، يهدر داخله، كبحر تلاطمه أمواجه العالية، يترنح ما بين التصديق والتكذيب، أيمكن لها أن تفعل ذلك؟ وهو من عرفها، مطلقة، جميلة، تحمل طفلة، من زوجها الأول، كانت تحوم حولها الذئاب البشرية، تريد نهش جسدها، ولم يستطع أي منهم، افتراسها أو الاقتراب منها.
تملكه الشك، منذ أصبح طريح الفراش، من أين تأتي بالمال، اليوم تأكدت ظنونه، بما قال له ابن عمه عنها، راح في لجة من الأفكار، تتجاذبه مشاعر وأفكار متناقضة، تغرس أنيابها في أركان نفسه، لابد من مواجهتها، يأمل أن تكون وساوسه وهماَ، يتمنى أن ما وصله من معلومات، تكون أخبار كاذبة، الغضب ينفث جمراته في أفكاره، يمر الوقت، كنار تأكله، وهو في انتظار مجيئها،
أخيراَ سمع وقع أقدامها، ناداها، جاءه صوتها قائلا: سوف أضع ما بيدي في المطبخ وآتيك.
-- نعم، مابك، لماذا وجهك تعلوه علامات الغضب، هل حدث أمر ما أغضبك؟
-- الساعة الآن العاشرة مساء، أين كنت؟
-- سؤالك غريب، أنت تعلم اني اعمل في تنظيف البيوت
-- أنت تخرجين يوم او اثنان او ثلاثة في الاسبوع، على أكثر تقدير، لتنظيف البيوت، فهل تكفي ما تأخذينه من نقود، لجميع المصاريف التي تنفقيها على الاولاد والبيت؟ من أين تأتين بالمال؟
تصمت، تستدير بنظرها عنه، تغوص في سكون التفكير، كانت تعتزم مصارحته، حين يتعافى تماما ويخرج للعمل، فهذا ليس وقت ان تصارحه.
- يصيح فيها: ما علاقتك بالنائب؟
ترمقه في تردد، هل تصارحه أم لا، كم تمنت مصارحته، لتتخلص من آلامها، ووجع ضميرها، الذي يؤنبها ويعنفها بلا هوادة، ينظر لها في تمني، أن تنكر وجود أي علاقة بينها وبين النائب، يريد التخلص من حمل ثقيل، احرقت جمراته نفسه.
- يصرخ بكل قوة قائلا: ردي، إيه علاقتك بالنائب.
-- كنت أعتزم أن أصارحك، بعد أن تشفى تماما، وتقوم بألف سلامة، لكنك الآن تعجل بمصارحتي لك.
تفرك يديها، تعلق عيناها على قدميه، الكلمات تقف في حلقها، تحاول الخروج في تردد، ينظر لها في هدوء، تملؤه الرهبة، والخوف من حقيقة مرعبة، يبتلع ريقه، يرجو أن ما فهمه يكون خطأ.
-- يقول بصوت متحشرج هادئ : قولي وصارحيني.
-- الحكاية ان يوم سقط على الأرض، من الدور الثاني أثناء عملك، وذهبنا بك للمستشفى، قالوا لنا انك تحتاج عملية فورا، وكتبوا لنا روشتة، بالادوات والادوية والشرائح المعدنية المطلوبة، وأكدوا لنا أهمية وجودها، على اكثر تقدير في اليوم الثاني، وانهم ليسوا مسئولين عما يحدث لك في حالة التاخير، قلنا لهم انتم مستشفى حكومي، عالجوه لأننا لا نملك سبعة آلاف وخمس مائة جنيه، قالوا اننا سوف نجري العملية بدون مقابل، ولكن ليس لدينا الأدوية والشرائح المعدنية المطلوبة.
-- وما دخل ذلك بالنائب، ايه علاقتك بالنائب؟
-- اصبر علي، ساقول لك، خرجنا من المستشفى، وكل مايشغلنا، هو كيف ندبر المبلغ، المقاول صاحب عملك دفع الفين جنيه، وانا بعت التليفزيون ودبلتي الذهب، واخواتك واخواتي كلهم فقراء كما تعلم، اللي دفع مائة واللي دفع مئتان، واصحابك ساهموا، وقدرنا نجمع ستة آلاف جنيه، ولم يعد لنا ابوابا نطرقها، فكرت ان اذهب لنائب الشعب، لانك ساعدته ووقفت معه في حملته الانتخابية حتى نجح
-- وذهبت له
-- نعم ذهبت له
-- لماذا تصمتين اكملي ماذا حدث؟
-- الحقير ساومني على نفسي، فهو كان يحوم حولي وقت ان كنت مطلقة، وحتى وانا متزوجة، لم يكن امامي وقت ولا خيار، فدفعت له الثمن من جسدي مقابل الفا جنيه
يصرخ، يصيح، يطيح بما امامه على الأرض، تحاول تهدئته ومنعه من الحركة، يصفعها وهو يقول
-- الكلب الحيوان، وانت وافقتيه ليه ليه ليه
-- أنت من حميتني من الضياع، وتزوجتني وأنا مطلقة، وربيت ابنتي، وعاملتها كأنها ابنتك، وساويت بينها وبين اولادك، وعاملتني بحب ولم تقصر معي، فكيف اتخلى عنك؟ أدويتك غالية، مصاريف الأولاد كتير، أهلي وأهلك فقراء، فأنا أذهب له من وقت لآخر، أقدم له جسدي، وأتناول الثمن، لأشتري ادويتك، وانا على استعداد ان اعمل مومس، ولا اتخلى عنك، حتى ان طلقتني
يصرخ في هستيريا، يقذف بما أمامه الحوائط، يخبط دماغه في خشب المقعد، تسيل دماؤه، تجري عليه، تمنعه، يقول لها:
-- أنت طالق
ينخرط كل منهما في بكاء شديد، يحتضنها، يردد:
-- حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الله ونعم الوكيل
تقول له:
-- ردني، ونترك هذه المنطقة، لنذهب لمكان آخر، لا يعرفنا فيها أحد، نعيش فيه.



