أمل وافي تكتب: فن صناعة السعادة
رجل ستيني العمر قامته ليست بالطويلة ولا القصيرة، مع جسد يبدو عليه السن قليلًا ابتسامته تملأ وجهه كلما قابلته في شارع منزلي الجديد، يلقى علىّ السلام بوجه ملائكي بشوش شعرت، وكأنني أعرفه منذ فترة طويلة، ولم أدرك لماذا تنتابني السعادة عندما أُصبح عليه يوميًا في طريقي وكأن ضحكته مصدرًا لتفاؤلي كل يوم، وعرفت بعد فترة قصيرة من انتقالي لبيتنا الجديد وملاحظتي لهذا الرجل أن الكل في هذا الشارع يعتبرونه أبًا لهم وجدًا لأبنائهم.
في يوم الجمعة أجده منذ السادسة صباحًا، ينظف الشارع بنفسه، وبعدها يقوم بفرش سجاجيد الصلاة في موقف يتكبر عليه حتى الصغار، أما أكثر ما لفت انتباهي هو وقوفه علي ناصية الشارع يومياً لتوزيع الحلوى علي الأطفال وقت ذهابهم للمدرس، حتى صغار الشارع كلهم ينتظرونه ويلقبونه بجدو يعطيهم الحلوي وتصحبهم دعواته لهم وابتسامته الخفيفة .
مجموعة أفكار تلقائية خرج بها هذا الرجل للناس استطاع من خلالها أن يسعد الكل سواء الكبار أو الأطفال وربط بينهم بابتسامته وبحبه وطيبته وأًصبح قدوة في العطف والمساعدة ونشر الفرح.
تذكرت وقت عزاء والدي عندما حكى لنا أحد شباب الجيران أنه عندما كان صغيرا يتذكر جيدا أن أبي كان أول يوم جمعة من كل شهر يأخذ أطفال الشارع ويذهب بهم للسينما وظل هكذا لفترة كبيرة وأن هذا الموقف لم ولن ينساه له أبدًا الذي لم يحكي لي أبي عنه، وأنا أعرف جيدًا أنه لم يتعمد إسقاطه من قائمه حواديته لي هو فقط نسى الموقف، لكنه ظل محفورًا في ذكريات شباب كانوا أطفالاً بالأمس.
صناعة الفرح فن لايدركه كل البشر، فهو شيء ينبع من داخل خلايا القلب يعرفه فقط أصحاب القلوب النقية، فهو شيء لا يحتاج لمجهود ومنظرة كبيرة، هي أشياء بسيطة تصنع الأفعال والذكريات والتواصل الدائم، وظني دائما أن الخير الذي نصنعه دون قصد يرد لنا بأشكال مختلفة وأكثر مما نفكر ونعتقد بكثير.
في فترة ليست بالبعيدة وجدت صديقة لي تساعدني بحماس جدًا في وقت كان بالغ الشدة، بالنسبة لي استغربت جدا لموقفها، فأنا لم أقدم لها ما ترده بهذا الشكل، ولم أحرج أن اسألها لماذا كل ما تصنعيه من أجلي، قالت هناك موقف يظل عالقًا بذاكرة البشر مهما مرت السنوات عليه وذكرتني بأنها في يوم طلبت مني صنع فطار لابنتها لأنها لم يكن لديها في هذا اليوم، ولا حتى جنيه علي حد قولها لتصنع لها سندوتشات المدرسه، فظللت مايقرب من الثلاثة أيام أصنع لها الطعام وأحضر لها الحلوى كأنها ابنتي ويمكن أكثر.
صدمت من الموقف وهل يعقل أن موقف بهذه البساطة، يرد بكل هذا الشكل قالت لي اكرامك لابنتي في وقت صعب بالنسبة لي، لن أنساه أبدًا موقف يمر علي ولا يمر علي ذاكرة من نصنع معهم الخير حتى، ولو كان تلقائيًا دون قصد وهكذا طوال الوقت خير صغير نصنعه دون قصد يغير خرائط ،ويفرح قلوب ويدخل في قائمه الذكريات المهمة الممتدة بالحب والفرح للناس مواقف بسيطة وكلمات أبسط ممكن أن تضع نقاطًا بيضاء في قلب غلفه الأسود وأصبح مرهقًا ويحتاج شعورًا ولو صغير بالفرح.
فنون تحقيق السعادة لا تحتاج مجهودًا وأموالًا طائلة فالأفعال تخترق الروح، وتصنع الأيام هناك من أدركوا ووعوا دون قصد أن الكلمات الرقيقة وترك مالا يعنيهم بوابة عبور آمنة لقلوب البشر، وهناك من تأكدوا أن السبيل الوحيد للسعادة هو اسعاد من حولهم ولو بأشياء تبدو في غاية البساطة أدركوا أن أبواب الخير لا تفتح لهم هباءً، فكلنا نحتاج لبعض الطبطبات علي قلوبنا للتكملة في هذه الحياة.



