

د. محمد فضل الله
مستقبل هيكلة التصميم الحكومي المصري
تجارب كثيرة مررت بها السنوات الماضية ترتبط بتحاليل التصاميم الحكومية في العديد من دول العالم، تلك التصاميم هي التي تشرح وتحدد عمل الحكومات، وتحدد منهجيتها وأساليبها المختلفة في بناء استراتيجيتها المؤسسية في مختلف القطاعات والوزارات الحكومية.
وبالرغم من حداثة فكرة واصطلاح التصميم الحكومي إلا أنه أثبت- بما لا يدع مجالا للشك- أن أي حكومة لكي تنجح في المستقبل لن يكون هذا النجاح حليفها إلا إذا استطاعت بناء تصميم حكومي قوي يحدد مسارها ويبني تطورها.
وهنا يجب أن نؤكد النقلة النوعية الكبيرة التي تشهدها مصر في ظل قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي والثورة الإنشائية الكبرى التي تشهدها الدولة والاستقرار الاقتصادي الكبير والزعامة والريادة الكبيرة، التي حققتها الدولة على مختلف الأصعدة، وكذلك المجهود الكبير الذي تقوم به الحكومة المصرية في الفترة الحالية، بقيادة الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، في محاولات متعددة لإعادة تنظيم العمل المؤسسي في الدولة.
لذلك فإنني في هذا السياق أحاول أن ألقي الضوء على بعض التوجهات العالمية التي تستهدف استشراف مستقبل الحكومات في دول العالم كافة، لعلها تكون بعضًا من الومضات التي يستلهم منها صناع القرار في الدولة الطريق نحو المستقبل.
فالتصاميم الحكومية في العالم تتحرك ضمن محددات ثابتة، لكنها تتغير في آليات التنفيذ وأولويات المشروعات والخطط، لكنها بصفة عامة تشتمل على مضامين في غاية الأهمية تتمثل في الآتي "الأدوار الرئيسية للحكومة وحجمها، فلسفة تحديد الحقائب الوزارية، طبيعة التصنيفات الهيكلية والمؤسسية في الحكومة، الجوانب التنسيقية وأطر العمل المشترك بين مختلف القطاعات الحكومية، كيفية إدارة المخاطر بما يسمح بتحقق المرونة الحكومية، كيفية بناء الاستراتيجيات والخطط الكفيلة بتنفيذها، السيناريوهات التنظيمية والبدائل المؤسسية، معايير الحوكمة الخارجية والحوكمة الداخلية، العلاقات التنسيقية بين الوزارات والقطاعات المختلفة في الدولة، تطور مفهوم الخدمات الحكومية وعلاقته بالنظم الذكية والمؤسسية،...الخ".
تلك الخطوط تمثل جزءًا من بناء التصميم الحكومي في الدولة، والآن وبعد أزمة كورونا أصبح الأمر مختلفًا في فكرة الإصرار على بناء تصميم حكومي جديد يلبي متطلبات الحاضر، ويواجه تحديات المستقبل.
ذلك التصميم من الممكن أن يتحرك في مجموعة من التوجهات التي ترتبط بالعديد من المحاور التي تمثل أهمية كبرى في المستقبل، والتي من المهم جدا أن يكون بناء التصميم الحكومي في مصر قائمًا ومرتكزًا عليها، تلك المحاور تتمثل في بعض النقاط التالية:
أولًا: الثورة الصناعية وعلاقتها بالوظائف، خاصة الحكومية، ففى الفترة من ٢٠٢٠ إلى ٢٠٥٠ سيتم استبدال العديد من الوظائف الحالية بمجموعة من الوظائف المستقبلية التي تتعلق بالهندسة الوراثية للأوبئة. العملات الرقمية، البيانات الضخمة، الأمراض والهندسة الجينية، الأرشفة الإلكترونية، الروبوتات الإدارية، تغيير كبير في الأنظمة والسياسات التشريعية، العلاقات المؤسسية، المدربين الاجتماعيين.
ثانيًا: الذكاء الاصطناعي وعلاقته باليد العاملة، فالتطور الكبير في عمليات الذكاء الاصطناعي سيعمل على استبدال عدد كبير من وظائف اليد العاملة، خاصة بعد أزمة كورونا، مثل عمل المطاعم والكافيهات وتقديم الطلبات وبعض الحرف الصناعية، الأمر الذي يستوجب على الحكومة التفكير في عمليات استبدال تلك الوظائف ووضع الخطط الكفيلة بتمكين تلك الوظائف الجديدة.
ثالثًا: الموظفون المستقلون الجدد والتنمية المهنية لهم في المؤسسات الحكومية، بما يعزز العلاقات الاجتماعية في بيئة العمل.
رابعًا: التغيرات المناخية وما يرتبط بها من معايير البيئة الخضراء ومقومات الاستدامة وتغيير مفاهيم الحوكمة المؤسسية، لذا من المهم جدا إضافة حقيبة وزارية تتعلق بالتغيرات المناخية، أو إضافة ذلك الاختصاص المهم على الحقيبة الوزارية المعنية بالبيئة، بالصورة التي تسمح بتطبيق مقومات دراسات التحكم في المناخ.
خامسًا: زيادة الثقة في التكنولوجيا، وهذه أيضا من الحقائب الوزارية المهمة التي من المهم أن نشهدها في المستقبل بصورة مستقلة. وزارة تستهدف المنصات الرقمية والعملات الرقمية والذكاء الاصطناعي والنظم الذكية، وزارة تنتقل بالمستهلك من استخدام الطرق التقليدية إلى استخدام النظم التكنولوجية الحديثة.
سادسًا: تغيير منظومة التعليم والتوجه الكامل في فكرة الربط بين الجامعات الأكاديمية والمهنية في نفس الوقت، بالصورة التي تسمح للخريج بأن يتعامل مع الوظائف الجديدة في السوق.
سابعًا: وزارة المستقبل حقيبة وزارية في غاية الأهمية تهتم بوظائف المستقبل، فبعد عشر سنوات من الآن سيتم إحلال كافة الوظائف البنكية- على سبيل المثال- في العديد من الدول، بحيث تكون كافة المعاملات المالية في البنوك معاملات رقمية.
ثامنًا: زيادة المعدلات الاستثمارية في الطيران الخاص، والعمل على وجود تشريعات ونظم حديثة تضمن رواجا كبيرا في زيادة الاستثمارات المالية في هذا القطاع، في ظل التحول الكبير الذي سوف يشهده العالم في هذا القطاع. واتساع رقعة حركة رجال الأعمال وعمليات الانتقال والسفر في الفترة القادمة.
تاسعًا: الاهتمام بالبنية التحتية عالية الأتمتة، فمختلف الوزارات والقطاعات يجب أن تبني استراتيجيتها التنظيمية في العشر سنوات المقبلة على التحول الكامل من الطرق التقليدية إلى نظم الأتمتة مطلقة شعارات "وزارات وقطاعات بلا ورق".
عاشرًا: زيادة رقعة الاستثمار الصحي وتشجيع المستثمرين ورجال الأعمال من الخارج على الاستثمار الصحي في مصر، في ظل تحول أوروبا الكبير نحو التوجه للاستثمار في إفريقيا، خاصة دول شمال إفريقيا.
حادي عشر: تصميم هيكلي جديد للوظائف الحكومية، من خلال استحداث المسميات الوظيفية التي تتوافق مع المستقبل، وفق المعايير التنظيمية العالمية الجديدة.