الأحد 21 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

مفتي الجمهورية: الخلافة ليست من أصول الاعتقاد.. والشريعة مطبقة والانضمام للإخوان حرام شرعا

الدكتور شوقي علام
الدكتور شوقي علام مفتى الجمهورية

( شهر رمضان المبارك) يعد هذا الشهر الفضيل من أكثر الأوقات التي تشهد معه حالة من الطوارئ داخل المؤسسات الدينية وبالأخص دار الإفتاء المصرية، وبالتزامن مع قدوم شهر رمضان مع جائحة كورونا التي تهدد جموع البشرية، كان لزاما علينا التعرف على جهود دار الإفتاء فى رمضان خلال تلك الجائحة وذلك لإيضاح الكثير من الجوانب المتعلقة بالصوم فى ظل كورونا.

"بوابة روزاليوسف"، أجرت حواراً موسعاً مع فضيلة مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام، والذي كشف خلال حواره العديد من الجوانب الشرعية، مؤكدا على أن أمر الصيام أو الإفطار متروك لأمر الطبيب، مبديا إعجابه الشديد بمسلسل الاختيار واصفا إياه بأنه هدم كل الدعايا التي روجت لها الجماعات التكفيرية، وإلي نص الحوار.

 

في البداية .. نود التعرف على خطة دار الإفتاء في رمضان؟

 

نضع كل عام خطة مخصصة لاستقبال شهر رمضان المعظم، وهذا العام وضعنا استراتيجية متكاملة بدأنا فيها منذ أول يوم في شهر رمضان، تتوافق مع الظروف والإجراءات الحالية التي تتعلق بمواجهة انتشار فيروس "كورونا"، ونعمل طوال الشهر الفضيل على الاستفادة من كافة الوسائل التكنولوجية الحديثة من أجل التواصل مع أكبر عدد ممكن من الناس، ولإيصال صحيح الدين والإجابة على كل ما يدور في أذهانهم فيما يتعلق بأحكام شهر رمضان المبارك، إضافة إلى الرسائل والبيانات الصحفية اليومية التي تصدر عن المركز الإعلامي لدار الإفتاء حول أحكام وفتاوى الصيام التي يكثر السؤال عنها.

كما أننا قمنا بتكثيف ساعات البث المباشر على صفحة دار الإفتاء الرسمية، حيث يقوم علماء الدار باستقبال أسئلة المتابعين أثناء البث والرد عليها مباشرة، بالإضافة إلى ظهور عدد من علماء دار الإفتاء المصرية في بعض البرامج التلفزيونية المباشرة للرد على استفسارات المشاهدين وأسئلتهم حول رمضان وأحكام الصيام.

كذلك قمنا بتعزيز فريق الفتوى الهاتفية والإلكترونية في الدار من أجل إتاحة الفرصة لتلقي أكبر عدد من تساؤلات الناس فيما يتعلق بالشهر الكريم عن طريق الخط الساخن للدار (107) بالإضافة إلى زيادة عدد فريق الفتوى الإلكترونية.

أيضًا فعَّلنا -بشكل كبير- استقبال الفتاوى عبر التطبيق الإلكتروني الخاص بالدار على الهواتف الذكية بهدف تسهيل التواصل بين السائلين ودار الإفتاء المصرية، استكمالًا لمسيرة دار الإفتاء نحو تذليل عقبات وصعوبات عملية حصول المستفتين على إجابات لفتاويهم من ذوي الخبرة والتخصص.

  

 ماذا عن نصائح فضيلة المفتي للمصريين في التعامل مع أزمة كورونا؟  

فيروس "كورونا" هو ابتلاء من الله، لكن علينا أن نعلم أنه في وسط المحن توجد المنح، من هنا نعلم أن هذا الوباء فيه تذكرة للإنسان للعودة إلى الله سبحانه وتعالى، وكذلك لتعديل الكثير من السلوكيات الخاطئة التي قد تؤدي بالإنسان إلى الإصابة بالمرض.

وما أنصح به المصريين جميعًا هو أن يلتزموا بالحجر الذاتي في المنزل وعدم الخروج إلا للضرورة، وليستفيدوا من هذا الأمر في الامتثال لطاعة الله والاجتهاد في العبادة خاصة في هذا الشهر الكريم.

كما أنصحهم بالالتزام بالتدابير الاحترازية الواقية التي اتخذتها الدولة، فلا مجال للعبث والاستخفاف بها؛ لأن تجربة الدول مع فيروس كورونا أكدت أن التجمعات سبب عدوى المواطنين، ومن ثم يجب شرعًا الانصياع للتدابير انصياعًا تامًّا، انطلاقًا من قاعدة: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، فالطاعة واجبة، والمخالف يأثم لأنه عرض نفسه وغيره للخطر.

والإنسان هو محور التكليفات الشرعية ومحور الكون، والشرع الشريف يحمي الإنسان، وإذا كان الإنسان هو المحور، وحفظه وحمايته هو محل التكليف، وجبَ ألا نُربِكَ المشهد بالاستماع للدعوات الأخرى التي يترتب عليها نتائج سلبية، والرسول صلى الله عليه وسلم، قال: "ليس من رجل يقع الطاعون، فيمكث في بيته صابرًا محتسبًا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد".  

 

حازت مبادرة دار الإفتاء للتبرع بأموال العمرة ترحيبًا واسعًا ..فهل هناك مبادرات أخرى من الدار من هذا القبيل؟  

مبادرات دار الإفتاء تنطلق من مبدأ مهم، وهو مبدأ الرحمة واسم الله الرحيم، فنحن نترجم معنى الرحمة إلى أفعال وعبادات عملية يصل نفعها إلى الناس، ونحقق الوعي الحقيقي للنص الشرعي الذي يتحرك على أرض الواقع في صورة عبادة ذكية تؤدي دورًا مجتمعيًّا مهمًّا، وهذه الحملة يمكن أن تمتد كذلك إلى حج النافلة، والفتوى مستقرة في دار الإفتاء على ذلك من قديم الزمان وحتى يومنا هذا.

ونحن عندما فكرنا في هذه المبادرة أردنا أن نرسخ هذا الوعي في العمل الخيري، وقد لاقت حملة التبرع بأموال العمرة استحسانًا كبيرًا في مصر وخارجها، وتلقينا رسائل من بعض العلماء من دول عربية شقيقة تشيد بالمبادرة، فمصر تحتاج إلى أيدي أبنائها، والمصري على مر التاريخ في وقت الأزمات والشدائد مقدام ومعطاء ويبذل ما في وسعه من أجل وطنه ومجتمعه.  

نحن أمام نازلة تحتاج إلى فقه آخر يتوافق مع الواقع والحاجة.. فكيف ستتعامل الدار مع احتمال استمرار كورونا؟

واكبنا في دار الإفتاء المصرية الحدث بالفتاوى لحظة بلحظة، وسخَّرنا أنفسنا لكي نقف مع الوطن وأبناء الوطن في هذه المحنة، وبينَّا أن النصوص الشرعية تستطيع أن تواجه المتغيرات وتعالج الأزمات الحاضرة.

وفتاوى النوازل أو الشدائد تحتاج إلى عقل مدرك للواقع، يستطيع إنزال النص الشرعي على الواقع الذي يكاد يكون متغيرًا، والنص الشرعي ليس بعيدًا عن الواقع، وعلينا اتباع الأساليب العلمية والحكيمة في كافة المستجدات والنوازل حتى نتجاوز هذه الأزمة بسلام.

  

ترقب المجتمع المصري ببالغ الاهتمام فتوى دار الإفتاء عن موقف الصيام في ظل كورونا .. فماذا عن كواليس اجتماعات الدار بخصوص هذه الفتوى؟ وما هي الفئات التي يجوز لها الإفطار؟  

مثل هذه الفتاوى لا تصدر بالسهولة التي يتخيلها البعض، فهي تحتاج إلى الكثير من التقصي والتحري والاستفهام من أهل الاختصاص، وهم الأطباء، وذلك لإدراك الواقع وفهمه جيدًا، ثم إنزال النصوص الشرعية على الواقع.

وقد اجتمعنا في دار الإفتاء مع لجنة طبية عالية المستوى في كافة التخصصات التي تتعلق بفيروس كورونا، والمفاجأة أن هذه اللجنة أجمعت على أن علاج هذا الفيروس يحتاج إلى مناعة، والصوم يؤدي إلى تقوية المناعة".

والصوم في حد ذاته مطلوب شرعًا، وهو ركن من أركان الإسلام لا يسقط بحال من الأحوال إلا بعذر شرعي من مرض أو سفر أو حيض، وغيره من الأعذار الشرعية، وفيما يخص الفئات التي يجوز لها الإفطار فهي الفئات المتعارف عليها من المرضى أو من هم على سفر وكذلك المرضى بكورونا، وفي هذه الحالة فإننا نسأل الأطباء، فإذا أشاروا بأن الصوم يضرهم، فإنه يجب عليهم أن ينصاعوا لأمر الطبيب، وهو أمر واجب حتى يحافظوا على أنفسهم؛ لأن حفظ النفس في هذه الحالة مقدم على الصيام. كما يُنظر إلى الأطقم الطبية التي تخالط المرضى بالفيروس، فإذا كان الصيام مؤثرًا عليهم ويؤدي إلى الإضرار بهم، فإن لهم رخصة الإفطار، والفتوى تنبني على رأي الأطباء في هذه الحالة.

  

وما هي رسالتكم للإعلام في مواجهة كورونا؟  

الإعلام الوطني الجاد ركن ركين من أركان نهضة الأمم وتقدمها، وقد كان للإعلام وقفات مشهودة مشرفة في كل الظروف والتحديات التي مرت بها الأمة الإسلامية، والإعلام له دور مهم في تشكيل الوعي ونشر العلم والخير والثقافة بين الناس، وفى ظل هذه الظروف العصيبة التي نعيشها جميعًا فإن الإعلام له أهميته العظمى في رفع درجات الوعي وترقية الشعوب إذا ما أُحسن استخدامه وتوجيهه نحو القضايا العامة والموضوعات الهامة التي تسهم في درء الأضرار وتعمل على تقدم الأوطان وازدهارها.

  

منذ وضعت قائمة المصرح لهم بالظهور الإعلامي لم نجد إلزامًا أو التزامًا بها، فمن أين يأتى الخلل؟  

 

استقر الأمر مع مشيخة الأزهر الشريف على أن يتصدر المشهد الإعلامي قائمة بكافة الأعمار والتخصصات التي لها علاقة بالفتوى في جميع أقسام الفتوى، وشملت القائمة ثلاثة مفتين للديار المصرية؛ المفتي الحالي واثنين سابقين، كما أنها ضمت 30 عالمًا رشحتهم مشيخة الأزهر، بالإضافة إلى 20 رشحتهم دار الإفتاء، وذلك حتى يتصدروا المشهد في وسائل الإعلام في مجال الفتوى لحين إصدار قانون تنظيم الفتوى، وقد أسهم هذه القرار بشكل كبير في الحد من فوضى الفتاوى.

ومن المؤكد عند صدور القانون أنه سيكون له دور كبير في تنظيم الفتوى في مصر، وبصدوره سيتم حل العديد من المشكلات التي تطرأ على الساحة، ومن ضمنها تنظيم الفتوى وتحديد من يتصدر للإفتاء في مصر. كما سيمنع المتصدرين للفتوى دون علم من إطلاقهم للفتاوى الغريبة والشاذة، وسيكون رادعًا لغير المتخصصين ومنظمًا لأمر الفتوى يحصرها في أهل الاختصاص، وهو أمر مهم بلا شك، فلا غنى عن القانون، ولكن مع القانون لا بد أن تكون هناك توعية مجتمعية وتثقيف للناس حول أهمية الفتوى وخطورتها، وتبعات أخذها من غير المتخصصين لما يمكن أن يحدثه ذلك من بلبلة في المجتمع أو نشر للأفكار المتطرفة والهدامة.

  

هل أثرت أزمة الجائحة على القضايا المتعلقة بالإسلاموفوبيا والإلحاد؟  

ارتفعت معدلات ظاهرة الإسلاموفوبيا وكراهية المسلمين في الغرب بنسبة (10%) منذ انتشار الوباء بالعالم؛ وذلك وفقًا لآخر إحصائية رصدها مؤشر الفتوى العالمي التابع لدار الإفتاء المصرية، حيث تسارع التنظيمات الإرهابية والجماعات اليمينية المتطرفة باستغلال انتشار الفيروس واتخاذه سلاحًا جديدًا لتهديد الحياة اليومية للمسلمين.

ومن خلال رصده وتحليله عزا مؤشر الإفتاء ارتفاع معدلات الإسلاموفوبيا خلال الشهور الماضية إلى 3 أسباب رئيسية، أولها: خطابات اليمين المتطرف التي تربط بين سلوكيات المسلمين وانتشار الوباء، وثانيها: نشر المعلومات الكاذبة عبر وسائل الإعلام الغربي والصور المزيفة التي تشير إلى أن المسلمين هم السبب الحقيقي في وجود الفيروس، والسبب الثالث في تفشي الظاهرة تمثل في الفتاوى المتطرفة والمتشددة المتداولة في التعامل مع غير المسلمين.

كما أن خطاب اليمين المتطرف والمعلومات الكاذبة عن المسلمين كان لهما الأثر الأكبر في زيادة نسبة الكراهية ضد المسلمين في الغرب، وليس الخطاب الإفتائي الذي جاء في المرتبة الثالثة، مما يؤكد أن هذه الكراهية ليس سببها الأوحد الخطاب الديني المتشدد، بل إن هناك أسبابًا أخرى أقوى منه تمثلت في كراهية الآخر لقبول المسلمين على الإطلاق.

وقد رصدنا أيضًا في دار الإفتاء من خلال مرصد الإسلاموفوبيا إشادة ولي عهد بريطانيا بتضحيات العاملين المسلمين في القطاع الصحي، في أبلغ رد على اتهام اليمين المتشدد للمسلمين بنشر كورونا، حيث أعرب الأمير تشارلز عن تقديره لموظفي هيئة الصحة الوطنية المسلمين ممن توفوا في البلاد، أثناء تقديم خدمات العلاج لمرضى فيروس كورونا المستجد "كوفيد ـ9 ".   

  

كان لدى البعض فتاواه الخاصة بإباحة إفطار شهر رمضان نتيجة كورونا والخوف منها؟ فما ردكم؟  

 

صوم رمضانَ فرضٌ شرعيٌّ على المكلَّف لا يُسقِطه إلا السفرُ أو العجزُ عنه؛ وما أشيع عن الفطر لمجرد الخوف من الإصابة بالمرض ونحوه ليس مسوِّغًا للإفطار، ومَن أصابتهم عدوى وباء كورونا بالفعل فالمرجع في إفطارهم تقدير الأطباء؛ فإن نصحوهم بالفطر وجب عليهم ذلك، وكذلك الحال فيمن يباشر حالاتهم إذا لزم الأمر، وعلى الإنسان الاستجابة لأمر الطبيب، والالتزام بالقرارات الصحية العامة التي صدرت من الجهات المختصة، وأخذ توجيهاتهم على محمل الجِدِّ واليقين، من غير استخفاف أو تهوين. وعلى كل حال لا يزيد الصوم احتماليةَ العدوى بالوباء إذا التزم الصائم بوسائل الوقاية، وواظب على إجراءات التعقيم والحماية، فالصوم في حق عموم الناس واجب شرعًا.

 

هل يجوز للرجل أن يصلي بنساء البيت جميعًا كزوجات إخوته، وأمه وأخواته، وبنات أخيه؟

بالتأكيد، فكما تجوز صلاة النساء في المسجد خلف الإمام، كذلك تجوز صلاتهن في المنزل، مع الالتزام بالآداب الشرعية المعروفة من عدم التلامس وأن تكون صفوف الرجال في المقدمة يليها الصبيان ثم النساء. وذلك طبعًا مع التزام التدابير الاحترازية الصحية.  

كيف تؤدى صلاة العيد في ظل الجائحة وغلق المساجد ومنع التجمعات؟

 

لا بأس أن يقيم الإنسان صلاة العيد في بيته مع زوجته وأبنائه الذين يختلط بهم ويعايشهم دون ضرر مع الأخذ بالتدابير الصحية البسيطة التي تلتزم بها عامة الأسر في البيوت، وقد أجاز الفقهاء أن يؤدي من فاتته صلاة العيد الصلاة في بيته فرادى أو جماعات دون خطبة.

والعبادات الجماعية ما شرعت في أصلها إلا لتقوية علاقة الإنسان الفردية بربه، فلنجعل بيوتنا قبلة نحيي فيها شعائر الله على مستوى الأسرة فقط حتى يكشف الله عنا هذه الغمة، فتعريض حياة الناس للخطر وربما للموت بحجة إقامة سنة أمر لا يجوز.  

 فضيلة مفتي الديار المصرية .. نود من فضيلتكم أن تصف لنا عقلية المتطرف؟  

التطرف الديني في العادة لا يقف عند حد الفكر المتشدد المنطوي على نفسه؛ بل سرعان ما يتطور إلى مرحلة فرض الرأي، ثم محاولة تطويع المجتمع بأسره قسرًا لهذا الفكر، ولا سبيل له إلا العنف والإرهاب وسفك الدماء.

والمتطرف يستخدم بابًا لتسريب أفكاره ومعولًا لهدم الأوطان، وتشريح العقل المتطرف يتطلب تطورًا نوعيًّا في العمل الفكري والثقافي المعني بالتطرف والإرهاب. وهناك الكثير من العوامل التي قد تدفع إلى تبني هذا الفكر المتطرف المنحرف، منها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي ومنها ما هو اجتماعي، لذا يجب دراسة تلك العوامل بتعمق حتى نستطيع الوقوف على الأسباب الحقيقية للتطرف واجتثاثه من جذوره.

كما أن برامج إعادة تأهيل المتطرفين كشفت عن ثغرات كبيرة أدت إلى نتائج عكسية مغايرة لما هو مستهدف، ومن ذلك ما كشفته من خطورة إطلاق سراح المتطرفين دون عمليات إعادة الدمج والتأهيل لمنعهم من العودة إلى الممارسات الإرهابية.

  

وما هي أدوات الجماعات المتطرفة لاستقطاب الشباب؟  

الجماعات الإرهابية استغلت فهمها الخاطىء للنصوص الشرعية لتبرير أفعالها وزعزعة استقرار المجتمعات، وهنا يجب أن نؤكد أنه ليس كل من لديه معلومات دينية مؤهلًا للإفتاء؛ لأن الإفتاء يحتاج إلى مهارات خاصة يتم التدرُّب عليها، لذا نطالب المسلمين جميعًا بعدم الالتفات إلى غير المختصين، واللجوء إلى أهل العلم المؤهلين للفتوى.

والتطرف ليس مرده إلى تعاليم الأديان ولكن لمجموعة معقدة من العوامل نحتاج لفهمها جيدًا حتى نعالج هذه الظواهر التي تهدد العالم، منها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وقد قمنا في دار الإفتاء المصرية بتفعيل حزمة من الإجراءات لمواجهة الآلية الدعائية للتنظيمات الإرهابية، كان على رأسها إنشاء مرصد لفتاوى التكفير والآراء المتشددة، وقد أشادت به الأمم المتحدة في تقريرها، وأصدر حتى الآن ما يزيد عن 500 تقرير بحثي، بالإضافة لإصدارات وكتب مطبوعة حول التطرف والإرهاب الفكري. كما أنشأت الدار عددًا من الصفحات في الفضاء الإلكتروني كصفحة "داعش تحت المجهر"، وأصدرت مجلة إلكترونية باسم “insight” باللغة الإنجليزية للرد على مجلتي "دابق" و"رومية" اللتين تصدرهما "داعش".

وعملت الدار كذلك على تدريب الأئمة والمفتين من مختلف دول العالم على مواجهة الفكر المتطرف، وأنشأت كذلك كيانًا عالميًّا هو "الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم" كمظلة جامعة للمؤسسات الإفتائية في العالم، وجعلت من أهم أهدافها تكتيل هذه المؤسسات لبناء حائط صد ضد هذه الأفكار الهدامة.  

كيف يمكن لنا أن نحصن الشباب من الوقوع فريسة لبراثن التطرف؟  

تحصين الشباب من موجة الأفكار الهدامة هو أحد أهم أهدافنا، وقد أطلقنا عددًا من المنصات الإلكترونية لمحاولة إيجاد آلية جديدة للتواصل مع الشباب، وأطالب كافة المؤسسات المعنية بالشباب وأفراد الشعب بضرورة زيادة الوعي ومراقبة الشباب وتحصينهم من تلك الأفكار؛ لكونهم صيدًا ثمينًا للجماعات المتطرفة التي تنفذ أجندات كبيرة تستغل فيها طاقة الشباب وتوجهها لهدم المجتمعات.

ويقع على عاتق الأسرة المصرية واجب هام ومسؤولية كبيرة، كما يقع كذلك على عاتق المدرسة التي لا بد أن تقوم بواجبها في تحصين أبنائنا وتوعيتهم ضد الأفكار المتطرفة، ولا بد أن تُبنى هذه التربية على غرس القيم والأخلاق، كما أن الفضاء الإلكتروني يحتوي على الطيب والخبيث، والجماعات المتطرفة تحاول النفاذ من خلال هذا الخبيث إلى عقول الشباب ببث الأفكار الهدامة في عقولهم.  

وقد عقدنا بروتوكول تعاون بين دار الإفتاء ووزارة الشباب لإعداد جيل من الشباب أكثر حفاظًا على تعاليم الإسلام الوسطية، حيث يهدف إلى إعادة تفسير الفتاوى الخاطئة، فضلًا عن حرصنا على عقد المجالس الإفتائية في مراكز الشباب بالمحافظات المختلفة، والمحاضرات التي أشرف بإلقائها في مختلف الجامعات المصرية.  

الجماعات المتطرفة ترفع شعار تطبيق الشريعة الإسلامية.. فهل الشريعة الإسلامية غير مطبقة كما تروج تلك الكيانات الإرهابية؟  

الجماعات الإرهابية لا تدرك أن الشريعة مطبقة في بلادنا على المستوى العام والخاص، والدستور الذي يمثل النظام العام لمجتمعنا ينص في مادته الثانية على أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية، وأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.

كما أن القوانين المعمول بها في المجتمع ترجع إلى مبادئ الشريعة ولا تخرج عنها، ومؤسسات الدولة المصرية ينطلق عملها من تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية وترجمة معانيها عمليًّا بين أفراد المجتمع، والسلوك العام في مصر يسير وفق هوية إسلامية ومرجعية شرعية تظهر معها معالم الإسلام وأركان الشريعة؛ من عقيدة وعبادات وتعاملات وقيم وأخلاق.  

 وماذا عن آليات دار الإفتاء في مواجهة التطرف؟  

نحن نخوض حربًا فكرية ضد هذه الأيديولوجيات والمعتقدات المشوهة، ونبذل أقصى الجهود لمواجهة تلك التفسيرات المقززة للنصوص الدينية. وقد عمدت دار الإفتاء المصرية إلى تفكيك هذه الأفكار المتطرفة عبر عدة آليات وطرق بعضها إلكتروني والبعض الآخر عبر إصدار الكتب والمقالات التي نشرت، بالإضافة إلى المشاركة في العديد من المؤتمرات الدولية لمكافحة الفكر المتطرف والأيديولوجية المنحرفة.

وكما ذكرت سابقًا فقد أنشأنا مرصدًا لرصد وتفكيك الفتاوى المتطرفة والآراء الشاذة للجماعات الإرهابية، وقد أصدر المرصدُ العديدَ من الفتاوى المضادة التي كشفت عن التعاليم الصحيحة والسمحة للدين الإسلامي، وأكَّدنا على أن تلك الأيديولوجيات المتطرفة الشاذة بعيدة عن تعاليم الإسلام الحقيقية نصًّا وروحًا على حد سواء. كما أنشأنا وحدة للرسوم المتحركة للرد على الأفكار والفتاوى المتطرفة، فضلًا عن المؤشر العالمي للفتوى الذي يعد الأول من نوعه في رصد وتحليل فتاوى الجماعات المتطرفة.

جماعة الإخوان الإرهابية ارتكبت العديد من الجرائم في حق المجتمع المصري.. فماذا عن الحكم الشرعي للإخوان؟  

الانضمام لهذه الجماعة حرام شرعًا؛ لأن ما تفعله جماعة الإخوان هو أشد أنواع البغي والفساد، وما تروج له إرجاف وإفساد في الأرض وليس جهادًا على الإطلاق، وتكفير الحاكم أو الدولة واستحلال الدماء المحرمة دعاوى إرجاف يزينها الشيطان لهم وتعد من كبائر الذنوب. وكذلك الانضمام لكل الجماعات الإرهابية باختلاف أسمائها حرام شرعًا، فالدين الإسلامي يحرم الانتماء لجماعات تبيح القتل والعنف وسفك الدماء، وتمارس أفعالًا تشوه الإسلام وتنشر الفتن والدمار والخراب، فالشرعية تدعو لنبذ كل فعل يؤدي للكراهية والشقاق والأفكار الهدامة والمتطرفة التي ترهب الناس وتهدد أمن البلاد والعباد، وتعيث في الأرض فسادًا، وما تروج له الجماعات الإرهابية المرجفة، ومنها الإخوان، إنما هو إفساد في الأرض وليس جهادًا على الإطلاق.  

العالم الآن يعاني من جائحة كبرى.. فهل يجوز تأجيل موسم الحج بسبب كورونا؟  

الشريعة الإسلامية وكافة الشرائع السماوية تدعو إلى حفظ النفس وحمايتها، بل نهت عن إتلاف أي عضو من أعضاء الجسد أو إفساده، وقد حرَّم الله تعالى كل ما من شأنه أن يهلك الإنسان أو يلحق به ضررًا، والمحافظة على النفس مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية، قال المولى عز وجل: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، والشريعة الإسلامية الغراء تدعو إلى حفظ الكليات الخمس، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال. هذه الكليات التي اتفقت جميع الأديان السماوية وأصحاب العقول السليمة على احترامها، وقد أجمع أنبياء الله تعالى ورسله من عهد سيدنا آدم عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم على وجوب حفظ الأنفس، ومن ثم فتلك الغاية تنسحب على تأجيل الحج هذا العام وكافة الشعائر الدينية.

 

 حقق مسلسل الاختيار نجاحًا كبيرًا في كشف جرائم العناصر الإرهابية.. فكيف ترى مسلسل الاختيار؟ وما هي رسالتكم للفن؟  

لا مانع من الفن الذي يرقق المشاعر ويهذب السلوك؛ لأن الدين يهدف إلى بناء الإنسان، وكل فكرة تصب في هذا الاتجاه تُحمد مهما اختلفت الوسيلة إليها ما دامت هذه الوسيلة مشروعة والهدف منها التهذيب، والإسلام لم يحرم الفن الهادف الذي يسمو بالروح ويرقى بالمشاعر على عكس الفنون التي تخاطب الغرائز والشهوات التي أجمع علماء المسلمين على حرمتها. ولعل النجاح الباهر والانتشار الواسع لمسلسل "الاختيار" الذي يجسد ملحمة الشهيد البطل العقيد أركان حرب أحمد المنسي، قائد الكتيبة 103 صاعقة، أحبط سنوات من الدعاية الخبيثة للجماعات التكفيرية، وهدم كل الدعايات الكاذبة والخبيثة التي روَّجت لها تنظيمات التكفير والعنف على مدار سنوات عديدة، وأحيا روح الفداء والتضحية والفخر الوطني لدى كل أبناء الشعب المصري المحب لوطنه والمقدر لتضحيات أبنائه العظيمة في سبيل رفعة وسلامة وطننا الحبيب.

  

ما هو أصل الحكم في الإسلام؟ وهل فكرة الخلافة موجودة في الإسلام؟

الإمامة والخلافة ليست من أصول الاعتقاد، فهي مسألة كلامية كما قال فضيلة الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الجمهورية الأسبق في مؤتمر الأزهر عام 1926.

فمفهوم الخلافة الإسلامية من أكثر المفاهيم الإسلامية التي تعرضت للتشوية والابتذال في وقتنا الحاضر حتى أضحى المفهوم سيئ السمعة لدى أوساط غير المسلمين، بل وبين المسلمين أنفسهم وفي الدول ذات الأغلبية المسلمة.

والخلافة الإسلامية هي نظام حكم ابتكره المسلمون، وذلك من أجل تحقيق غايات الاستخلاف في الأرض وعمارتها وإقامة العدل بين الناس، وهو ما تحقق في عصور الخلفاء الراشدين، وتحقق بعد ذلك بنسب متفاوتة في عصور التاريخ الإسلامي.

أما دعوة بعض الجماعات المتطرفة إلى إزالة الحدود بين الأوطان وإقامة الخلافة فهي دعوة خبيثة يراد منها الوصول إلى أغراض سياسية كالوصول إلى سدة الحكم، فهؤلاء المتطرفون استغلوا حب الناس للدين فدغدغوا مشاعرهم بهذه الدعوة لكي يصلوا إلى مآربهم. والخلافة في الإسلام لم تكن غاية يومًا ما، بل هي وسيلة لإدارة شؤون الناس، ونحن إذا حققنا ما فيه منفعة للناس فنحن بذلك قد حققنا قضية الخلافة.

إنها قضية سياسية فرعية نقلت عند بعض المذاهب الفقهية من قضية فرعية إلى قضية إيمانية داخلة في أصول العقائد، وهي إذا دخلت في هذا الحيز تثير إشكالًا، وهذا ما فعله الإخوان وغيرهم من المتطرفين لكي يلبسوا الأمر على الناس ويصلوا إلى غايتهم الخبيثة.

 

تم نسخ الرابط