خاطبني صوتٌ قتيلٌ لا يزال مدفونًا حيًّا تحت ركام الأنقاض.. لبنان إلي أين؟
بينما يعيش لبنان، لحظات مصيرية لا يعرف إلى أين وجهتها؟، حيث بدأت محكمة العدل الدولية جلسة النطق بالحكم في قضية اغتيال الشهيد رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان الأسبق، يوم 17 فبراير 2005، أي منذ 15 عامًا.
وتبين من كلمات قضاة المحكمة- قبل النطق بالحكم- أن اغتيال الشهيد كان لأسباب سياسية، ما يفتح الباب على كل السيناريوهات السوداء أقلها مدمر.
كان الكاتب اللبناني عقل العويط، قد كتب مقالًا في صحيفة “النهار” كشف خلاله عن مدى المأساة اللبنانية التي ليس منها فكاك، بسبب التقسيمات الطائفية والمذهبية والعرقية في وطن صغير لا يزيد على 4 ملايين مواطن، يعيشون على مساحة 3 آلاف كيلومتر مربع.
قال العويط: نزلتُ وحيدًا ومبكرًا– في نحو السادسة من هذا الصباح- إلى منطقة المدافن الجماعيّة الركاميّة، حيث خاطبني صوتٌ قتيلٌ لا يزال مدفونًا حيًّا تحت ركام الأنقاض، قال: "وتفوح الكلمات ألمًا عندما قال: ملعونٌ مَن لا يستقيل من المناصب كلّها والرئاسات كلّها، تحقيقًا لمطلب الشغور في المؤسّسات الدستوريّة اللبنانيّة كلّها. ملعونٌ مَن لا يطلب جعل سلاح "حزب الله" تحت إمرة القوى المسلّحة اللبنانيّة. ملعونٌ مَن لا يقصّر ولاية مجلس النوّاب.
ويستصرخ بني وطنه، قائلا: ملعونٌ مَن لا يكلّف شخصيّةً مستقلّةً حياديّةً من خارج الطبقة السياسيّة لتأليف حكومةٍ مستقلّة مصغّرةٍ ذات صلاحيّاتٍ استثنائيّةٍ، تشرف على المرحلة الانتقاليّة. ملعونٌ مَن يكلّف أحدًا من أهل الطبقة السياسيّة لتأليف الحكومة الموعودة. ملعونٌ مَن يقبل من قبائل المجموعة الحاكمة بتأليف الحكومة. ملعونٌ من هؤلاء مَن يقبل بالتوزير. ملعونٌ مَن يصدر مراسيم التكليف والتأليف.
ويتابع سرد ألم الوطن بالقول: ملعونٌ مَن يدعو مجلس النوّاب إلى الانعقاد لمنح مثل هذه الحكومة الثقة، بعد مناقشة بيانها الوزاريّ. ملعونٌ من يذهب من النوّاب إلى جلسة مجلس النوّاب لمناقشة البيان الوزاريّ، ومنح الحكومة الثقة أو حجبها. ملعونٌ مَن لا يستقيل من أعضاء مجلس النوّاب. ملعونٌ مَن يدوّر الزوايا. ملعونٌ مَن يكتب بيانًا وزاريًّا لا يتضمّن دعوة رئيس الجمهوريّة إلى الاستقالة، ودعوة رئيس مجلس النوّاب، ومجلس النوّاب إلى الاستقالة. وينشد الإصلاح قائلا: ملعونٌ مَن لا يضع قانونًا ديموقراطيًّا جديدًا للانتخاب.
ملعونٌ مَن يظهر بعد الآن– من أهل هذه الطبقة السياسيّة العفنة- على تلفزيون أو في وسيلةٍ إعلاميّة، مستكبرًا، أو متعاليًا، أو مستعليًا، أو بكّاءً، أو رثّاءً، أو مناديًا بالعفّة، أو متحدّثًا عن إخلاصه وصدق نيّاته وبعد نظره. ملعونٌ (من المواطنات والمواطنين) مَن لا يزال يتعمشق بأحد أطراف هذه السلطة، بموالاتها وبمعارضتها.
ملعونٌ مَن يأمل خيرًا بأحد هذه الأحزاب والتيّارات والقوى السياسيّة. ملعونٌ ومرجومٌ كلّ مَن لا يزال يأمل بخلاص لبنان واللبنانيّين، من طريق وصول أحد هؤلاء إلى السلطة. ملعونٌ بالثلاث".
أنصتّ بجوارحي وبعقلي إلى كلّ كلمةٍ نطق بها الصوتُ القتيلُ الذي لا يزال مدفونًا حيًّا تحت ركام الأنقاض.



