

ناهد إمام
لا تلومُن إلا أنفسكم!
كثر الحديث حول ضرورة التمسك بلغتنا القوية اللغة العربية؛ التي كانت في الماضي ذات وقع مؤثر ومصدر فخر بها أمام الجميع؛ ولكن للأسف والواقع الأليم الذي نعيشه هو أن لغتنا العربية أصبحت لا تحظى باهتمامنا ورعايتنا مثل اعتناء بقية الأمم بلغاتها.
ورغم ما يقال في الوقت الراهن؛ بمناسبة احتفال العالم في الـ18 ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للغة العربية، كونه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا أقرت بموجبه تضمين اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية المعتمدة عالميًا وذلك عام 1973.. حول لغتنا العربية وما تم إطلاقه من مبادرات وفى مقدمتها مبادرة السفيرة الوزيرة نبيلة مكرم عبيد؛ وهي مبادرة "اتكلم عربي" تحت رعاية السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي تستهدف بالأساس الحفاظ على الهوية والثقافة العربية والمصرية؛ التي نشكرها عليها لتحريك المياه الراكدة.
ولكن في الواقع أقول "لا تلومُن إلا أنفسكم".. لماذا؟ لأن الحفاظ على لغتنا الجميلة لا يكون بالشعارات الرنانة.. ولكن من خلال الأفعال التي افتقدناها على فترات طويلة؛ لتصبح لغة الغرب المغلفة بثقافته، تغزو بلادنا وتنخر في ثقافتنا ولغتنا، نتيجة لكثرة الاعتماد على استخدام المصطلحات الأجنبية، باعتبارها عنوانًا للتطور ومجاراة الواقع الذي نعيشه، وسأذكر منها البعض على سبيل المثال وليس الحصر.
فهل يعقل منذ البداية يترك الطفل في نسبة كبيرة من الأسر؛ نتيجة ظروف عمل الأم؛ لفئات الخدم الأجانب بالمنازل سواء الفلبينية أو غيرها؛ والتحدث إلى الأطفال في سني عمرهم الأولى بلغات غير اللغة العربية.
وبالله عليكم؛ هل يعقل منذ الصغر ومع بدء تعليم الطفل الذي يمثل أي شيء يتعلمه مثل "النقش على الحجر"؛ لأنه خامة بيضاء نظيفة تستوعب الجديد الذي يدخل إليها بسرعة؛ تكون اللغة الأساسية في المدارس الأجنبية التي يجرى الآباء وراءها لقبول أولادهم فيها؛ هي اللغة الأجنبية وعدم الاهتمام باللغة الأساسية وهي العربية لدرجة أن الطفل يكبر وهو لا يعرف كتابة اسمه باللغة العربية.
فمتى يعود الاهتمام باللغة في كل شيء حتى في مدارس اللغات، فليس من المقبول تدريس الرياضيات والعلوم باللغة الأجنبية، ما دام يدرس الطالب هذه اللغة كمادة مستقلة ويتقنه.
والأسوأ من ذلك، وبعيدا عن مدارس اللغات؛ فالطلاب يستمرون في المراحل التعليمية الأخرى حتى يتخرجوا في الجامعة وتراهم غير قادرين على القراءة الصحيحة، أو الكتابة السليمة أو التعبير الصحيح، نتيجة عدم الاهتمام باللغة العربية الاهتمام الواجب بها.
كما نتساءل: لماذا الدراسات المتخصصة، كالطب والعلوم والهندسة، تدرس في بلادنا باللغة الإنجليزية، بينما تدرس في كل بلاد العالم الأخرى بلغة البلد، تحت حجة محاولة مواكبة الحديث فيها، رغم أن العرب هم أول من أبدع في هذه العلوم، وألفوا فيها الكثير من الكتب، وقام الغرب بترجمة كتبهم إلى لغاته المختلفة للاستفادة منها، ولم يقم بتعريب الدراسة في جامعاته ومعاهده.
وعندما أرى في المؤتمرات الدولية التي تشارك فيها جنسيات أجنبية مختلفة وتتحول اللغة الأساسية في المؤتمر إلى اللغة الإنجليزية؛ وتوزع أجهزة للترجمة للغة العربية إلى "أصحاب البيت" وهم أهل البلد.. فهل هذا يعقل؟ فعندما يعقد مؤتمر في الخارج وتكون فيه جنسيات عربية هل تتحول لغة المؤتمر إلى العربية إرضاء للضيوف؟ بالطبع لم ولن يحدث؛ لأنهم يحافظون ويتمسكون بهويتهم ولغتهم الأجنبية؛ كما أن إصرار المسؤول لدينا؛ إلقاء الكلمة بلغة البلد الأجنبي.. هذا لا يعني التفاخر بأن لديك من المعرفة واللغات الأجنبية ولكنه يقلل من الشأن أمام الضيوف الأجانب الذين يعلمون انك لا تحترم لغتك وبالتالي لا يوجد احترام لهويتك مننا!
وعندما لا أرى أي مقاومة لظهور وانتشار التقنيات الحديثة على شبكات الإنترنت والتواصل الاجتماعي والهواتف الذكية، والتي قد سطحت اللغة العربية واستبدال الأحرف العربية باللاتينية والترميز بحجة سهولة التواصل. إلى جانب التعاملات الإدارية والمالية والاقتصادية، التي تتبنى اللغة الإنجليزية على حساب اللغة العربية
لقد آن الأوان؛ أن نعلم مدى الخطورة التي تكمن؛ في أن اللغة تعني الهوية، وتعني الانتماء للوطن وللدين ولكل المقدسات، وتعني ثقافة شعب وفكر أمة.
ولا بد جميعا؛ أن نعترف؛ إن حماية اللغة العربية مسؤولية كبرى تقع على عاتق المنزل منذ البداية ثم المدرسة والمجتمع والدولة في جميع تعاملاتها.