عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

حكاية "اللغات الأم" في قارة إفريقيا 

تُعتبر قارةُ إفريقيا من أكثر القارات في العالم ثراء لغويًا، وكذلك تنوعًا ثقافيًا بشتى أنواع الثقافات المحلية ذات الخصوصية، ما بين اللغات واللهجات (أو الدياليكت المحلي لكل مجموعة إثنية)، وكذلك فيما يخص العادات والتقاليد، وكذا تنوع الأعراق والإثنيات، والقبائل والبطون.. الخ. 



وهو ما يعطي قارة إفريقيا خصوصية فريدة، وتعتبر اللغات في إفريقيا من أبرز ما تتميز به هذه القارة ذات التنوع اللغوي الفريد، بل إن من مناطقها ما يبدو من التنوع الإثني واللغوي الموجود بها، كأنها قارة في حد ذاتها، ولعل أبرز نموذج على ذلك دولة نيجيريا.

 

وبحسب بعض التقسيمات اللغوية الكلاسيكية، تنتسب أكثر اللغات في إفريقيا لما يعرف بمجموعة "اللغات الحامية"، أو "الكوشية"، وهي تسمية كلاسيكية قديمة تشير لكل ما هو إفريقي، فاسم "كوش" من ناحية الأصل اللغوي هو نسبة إلى: "كوش ابن حام بن نوح عليه السلام، وهو- بحسب التقليد- الجد الأقدم لأكثر الشعوب والقبائل الإفريقية، وتحديدًا تلك التي تقع جنوب مصر، منذ أقدم العصور. 

 

كما أن بعض اللغات الإفريقية تنتسب– في ذات الوقت- لمجموعة "اللغات السامية"، وهذه التسمية نسبة إلى: "سام بن نوح (عليه السلام)"، ومن المعلوم أن اللغات السامية أصلها الأول في شبه جزيرة العرب، حيث سكنت بها أكثر القبائل السامية القديمة، ولهذا فإن أكثر "اللغات الإفريقية" ذات الأصل السامي توجد في الشرق، وتحديدًا في منطقة القرن الإفريقي؛ بسبب الجوار مع بلاد شبه جزيرة العرب. 

 

بينما ظهر حديثًا العديد من التقسيمات اللغوية الأخرى الخاصة باللغات التي تستخدم في عموم القارة الإفريقية.

 

وتحتل إفريقيا المرتبة الأولى على مستوى العالم من حيث تعدد اللغات الأم، وكذلك من حيث تعدد الثقافات المحلية التي تميز كل منطقة، ويرجع ذلك بالطبع نظرًا لكثرة الحضارات القديمة المتعاقبة، وكثرة الهجرات البشرية، وبحسب العلماء تشكل اللغات الإفريقية حوالي ثلث اللغات المنتشرة في بلاد العالم، وبحسب بعض الدراسات الحديثة تنتشر حوالي نصف اللغات تقريبًا في ثلاث دول إفريقية، لكن حوالي 80% من اللغات الإفريقية ليس لها صياغة كتابية محددة، وتُستعمل شفهيًا.

 

ولا توجد ثمة معلومات دقيقة حول عدد اللغات المستعملة في القارة الإفريقية، وبحسب البعض يستخدم السكان بين 1000 إلى أكثر من 2000 لغة، ومن اللافت أنه- وبحسب بعض الإحصائيات- يوجد ما يزيد على 3,000 لغة أصلية، في حين يرى آخرون أن اللغات في إفريقيا أقل من الألف. 

 

وعلى هذا فالأمر يبدو شاقًا لأقصى مدى، فيما يخص إحصاء عدد اللغات الإفريقية التي يستخدمها السكان بشكل دقيق، وربما السبب في ذلك يرجع إلى تعدد اللهجات المأخوذة من ذات اللغة الواحدة (اللغة الأم)، وربما تجد لغة من اللغات الكبرى- على غرار لغة الهوسا، واللغة السواحيلية، ولغة الماندي، والبانتو، وغيرها- وقد اشتقت منها العديد من الفروع اللغوية الصغرى، أو ما يطلق عليها: "اللهجات المحلية"، فإذا تم إحصاء تلك اللهجات مع اللغات الأخرى الكبرى (اللغات الأم) يمكن الحصول على أرقام كبيرة تصل إلى الثلاثة آلاف، وهي أرقام ربما تبدو غير دقيقة، حيث يتم إحصاء اللغات الأم واللهجات المشتقة منها، وعلى هذا نؤكد أن عدد اللغات في إفريقيا ربما يدور حول 2000 لغة أصلية دون اللهجات المحلية. 

 

وتعتبر دولة نيجيريا من أكثر الدول ذات التنوع اللغوي في العالم، حيث ينتشر بها أكثر من 500 لغة، بينما تحتل اللغة العربية المرتبة الثانية بين أكثر اللغات تحدثًا في القارة، وهي اللغة الرسمية لا سيما في بلاد الشمال الإفريقي: الجزائر، وليبيا، وتونس، ومصر، والمغرب، وموريتانيا، وكذلك تستعمل في كل من السودان، وإريتريا، والصومال، تشاد، جيبوتي، والصحراء الغربية.

 

 

 

وتبدو اللغات الإفريقية موزعة في عدة عائلات لغوية رئيسية، هي: اللغات الإفريقية-الآسيوية، وهي منتشرة في مناطق شمال إفريقيا، وكذلك في مناطق القرن الإفريقي، كما تنتشر في الشرق الأوسط، وأجزاء من منطقة الساحل. 

 

وكذلك مجموعة اللغات النيلية الصحراوية وتتركز في السودان، وفي تشاد، وكذلك اللغات النيجرية – الكونغولية، وهي لغات تغطي مناطق واسعة من غرب ووسط وجنوب شرق القارة، كما تواجد عدة لغات معزولة، ولغات لم يتم تصنيفها بعد.

 

وتتميز القارة الإفريقية- من جانب آخر- بشيوع ما يطلق عليه البعض تسمية "اللغة المشتركة" في الداخل، أو ما يعرف بظاهرة "التهجين اللغوي" (الفيلولوجي)، وعلى هذا يرجح المتخصصون في اللغات أن ظاهرة التهجين ترجع- في الغالب- إلى حاجة السكان والشعوب المحلية إلى توليد لغة مشتركة تستخدم وسيلة للتفاهم فيما بينهم، بسبب الاختلاف الواضح بين لغاتهم، ومن ثم تسهيل العلاقات بين الشعوب والقبائل التي تسكن في ذات المنطقة، أو تلك التي تتجاور مع بعضها البعض، وحتى لو كان بعض تلك الشعوب يسكنون في بلاد مختلفة، غير أنه تجمعهم لغة واحدة، على غرار انتشار لغة الهوسا على سبيل المثال، وتتواجد في أكثر البلاد الواقعة في مناطق غرب إفريقيا، مثل: نيجيريا، والنيجر، وتشاد، وكذلك مالي، وغانا.. إلخ. واللغة الهوسية (الهوسا): هي لغة من العائلة الأفرو- آسيوية اللغوية، ويتحدث بها حوالي 50 مليون نسمة.

 

بينما مجموعة اللغات (النيجرية– الكونغولية) فإنها تغطي مناطق غرب ووسط وجنوب شرق إفريقيا، من جنوب موريتانيا إلى كينيا، ومن جنوب تشاد إلى جنوب إفريقيا، وهي تعد من أكبر العائلات اللغوية في العالم من حيث عدد اللغات التي تتضمنها، والمساحة التي تغطيها بها (1436) لغة، منها (500) من عائلة البانتو، ومن أهمها: اللغة السواحلية والزولو والولفية.

 

بينما تنتشر "اللغة السواحيلية" بشكل كبير بين أكثر السكان في مناطق شرق إفريقيا لاسيما البلاد التي تقع على سواحل المحيط الهندي من القارة الإفريقية، وتعتبر اللغة السواحيلية من أكثر اللغات الإفريقية قربًا وبشكل واضح مع اللغة العربية، بل إن ما يطلق عليها "الثقافة السواحيلية" القديمة ليست إلا مزيجا من الثقافة العربية– الإسلامية من جانب، والثقافة الإفريقية المحلية من جانب آخر. 

 

وتتواجد اللغة السواحلية في: سواحل إفريقيا الشرقية، وهي لغة كينيا وتنزانيا الرسمية، كما أنها اللغة الأم لأكثر من مليون نسمة، وتعلمها خمسون مليونًا، وإحدى اللغات المعتمدة في الاتحاد الإفريقي، وهي من لغات البانتو لكن أثرت عليها العربية كثيرًا، وتكتب بالحروف اللاتينية الآن، وكانت تكتب بالحروف العربية وتتحدث بها نحو عشر دول، هي: تنزانيا، كينيا، أوغندا، رواندا، بوروندي، جمهورية الكونغو الديمقراطية، الصومال، جزر القمر، موزمبيق، ومالاوي.

 

ومن اللغات المنتشرة في إفريقيا لغة الزولو، وهي تكتب بحروف لاتينية، ويتحدث بها أكثر من 10 ملايين شخص، ويتم استخدامها في الجزء الشرقي من جنوب القارة، وتستخدم في وسائل الإعلام بصورة واسعة. 

 

ومن اللغات المعروفة أيضًا لغة الأورومو، ويتحدث بها أكثر من 30 مليون نسمة، خاصة في منطقة القرن الإفريقي: إثيوبيا والصومال، وكينيا، ومع ذلك فإنها ليست لغة رسمية لأي من تلك الدول، وإن كانت تنتشر في إثيوبيا أكثر من غيرها.

 

عضو هيئة التدريس – الباحث في الشؤون الإفريقية   

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز