سؤال لم يطرحه أحد من النقاد عن الدراما، رغم كونه سؤالا بديهيا: لماذا يأتي جزء ساخن في الدراما يشعرك بتغلغل وتأثير الحبكة الدرامية إلى عمق الدماغ أو المخ تعبير أدق؟ بينما تمر أجزاء أخرى وتتركك باردا بلا انفعال.
ولماذا يبقى هذا البرود حاضرا حتى مع الإنتاجات الدرامية التي يمكن وصف بعضها بالإنتاج الكبير أو المتميز؟ تأتي الإجابة من علم الأعصاب بأن تلك الدرامات التي لا تثير الإهتمام لا تستطيع أن تثير في المتلقى عاطفة الرحمة والشفقة والتعاطف مع الذات.
ومع تزايد الاهتمام بدور الدراما وخاصة التلفزيونية فى التأثير على الجمهور العام, ومع الإنتاج المصري المتزايد الكبير فى الموسم الرمضانى هذه العام.
يصبح السؤال الجديد نسبيا من زواية علمية دقيقة هو عن مدى تأثير تلك الصور الدرامية على الجهاز العصبى للإنسان المصري؟
والجدير بالذكر أن الدراما تقوم على معايير عديدة، من الممكن تحديدها بالنسبية والجدة والطلاقة والتوتر.
والدراما هى جسر قوى فى بناء علاقة مع الناس، ولذلك يحبها الجمهور ويجعل من صناعها نجوما.
والدراما الناجحة نسبية لأنها تعرض ما هو نسبى ومحتمل، لا ما هو مطابق للحقيقة الواحدة، فالنسبية تفتح آفاق التأويل المتعدد وتثير الخيال والتوتر الناتج عن التشويق, مما يحقق جدة المعالجة وطلاقة فى أدوات التعبير الدرامى.
وهى ضرورات معاصرة فى عالم معاصر أصبح المتلقى فيه يملك خبرة فى التأويل وحصيلة جمالية درامية يصعب معها تقديم الدراما التي تتبنى الرؤية المغلقة للعالم.
وهو ما يزال عدد من صناع الدراما المصرية يصرون على صناعته مثل: البطل الخارق الذي يحارب العالم بمفرده.
رغم كل الظروف الموضوعية الصعبة المحيطة به، وهو ما يمكن ملاحظته فى دراما موسى ودراما نسل الأغراب.
أما الجديد النسبي فيمكن ملاحظته فى لعبة نيوتن والإختيار(2)، حيث تتنفس الإحتمالية الدرامية ممكنا نسبيا قادرا على إحداث التوتر الدرامى الممتع والجدة والطلاقة.
كما يبدو الأمر مشوقا إذا ما علمنا أن علماء الأعصاب رصدوا ظاهرة عصبية, وهى الآن نتيجة أبحاث علمية ترى أن النشاط العصبى للدماغ عندما تتلقى حبكة درامية جيدة يزداد خمسة أضعاف نشاطه الطبيعى. إن الدراما تضئ أدمغتنا.
ولهذا النشاط العصبى ينتظرها الجمهور لأنها قادرة على صنع ذلك النوع من الإضاءة فى الدماغ (المخ) البشرى. ولهذا فالدراما تساعد على إعادة إنتاج وتجديد حيوية نشاط المخ.
وطريقة عمل المخ إدراكيا والتي أمكن تصويرها بالرنين المغناطيسى يعتمد على نظام للخلايا العصبية أمكن تسميته بالخلايا العصبية المرآتية, وهو نظام يسمح بتمثيل حركى داخلى للفعل الحركى بأكمله بما فى ذلك هدفه النهائى.
ونظام الخلايا العصبية المرآتية تم رصده لأول مرة منذ أكثر من عقدين من الزمان, وعبر دراسة قرد الماكاك الشهير, وأصبحت هذه الخلايا محط إهتمام كبير فى العلم الإدراك العصبى عند ما تم العثور على النظير البشرى لها.
إنها بتعبير آخر مرآة الخلايا العصبية, وهى مجموعة فرعية من الخلايا العصبية الحسية متعددة الوسائط.
ولذلك فما نراه فى الدراما وهو أمر معلوم لدى صناعها ونقادها يجب أن يشبهنا كجمهور.
وهذا التشابه فى العالم الدرامى مع عالم المتلقى الواقعى لم يعد ضرورة فنية فقط لنجاح الأعمال الدرامية وقدرتها على التأثير.
لأنه أضحى وفقا لاكتشاف دور الخلايا العصبية المرآتية ضرورة علمية، حتى يمكننا فهم هؤلاء الأبطال وحياتهم ودورهم الهام فى الأفعال الدرامية.
ولذلك يجب أن يشبهونا، ويجب أن يظهر هذا التشابه القادر على إحداث التعاطف مع عالمهم، وهو التعاطف الذي لا يحدث إطلاقا إذا كانوا لايشبهوننا.
أتذكر إذن ليس على سبيل الحنين للماضى دراما بابا عبده للمبدع الكبير الراحل عبد المنعم مدبولى, أو دراما ليالى الحلمية، وغيرهما، كم كان عالمهم الدرامى يشبهنا.
الدراما التلفزيونية المصرية غادرت بكل تأكيد دورها الاجتماعى التقليدى القديم, ولكنها وهى تؤدى أدوارًا جديدة تتقاطع مع أدوار السينما والمسرح والسرد الدرامى تكسب آفاقا جديدة رحبة وتتطور بشكل واضح.
ولكنها ووفقا لعلم الإدراك العصبى ولقواعد الدراما الراسخة, يجب أن تشبهنا, تحتاج حقا الدراما المصرية لتأمل الناس والشارع, الآلام والأحلام, تحتاج أن تكون معبرة عنا, وقادرة على أن تثير فى المتلقى التعاطف مع الذات القادر على تجديد الوعى, وإعادة صياغة الفرد لموقعه فى العالم المحيط به.
وهى الأدوار الفاعلة الهامة للدراما المصرية.



