الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

الإنسانيون الجدد هم جماعة معروفة الآن في مجالات المقترب العلمي للفنون وقد ترسخ هذا التعبير مع ظهور كتاب جون بروكمان الإنسانيون الجدد– العلم عند الحافة، وقد ترجم الكتاب للعربية مصطفى إبراهيم فهمي. وهو كتاب يستعرض دور الثقافة عموما، والثقافة العلمية على وجه التخصيص في مجتمع القرن الحادي والعشرين، وهو قرن يأتي بتسارع في الأبحاث العلمية وتطبيقاتها التكنولوجية المختلفة. وهؤلاء علماء في مجالات متعددة كالطب والفيزياء والهندسة لكن لديهم اهتمامات كبيرة بالفنون.

 

إنهم نوع جديد من النقاد، يفكرون بطريقة علمية بحتة في الفنون، وواحد من أبرز هؤلاء، هو د. سمير زكي عالم الأعصاب البريطاني، وهو صاحب إسهامات في مجال الفن التشكيلي، ما يعني أن اهتمامه الذاتي بالفنون كان هو الدافع الأول وراء أبحاثة في مجال جديد هو علم الجمال العصبي.

فهو صاحب المصطلح الجديد علم الجمال العصبي Neuroesthetics.

 

وهو علم حديث نسبيا يستخدم المنهج العلمي لدراسة جماليات الفنون، عبر شرح وفهم التجارب الجمالية على المستوى العصبي.

 

وهو المقترب العلمي الذي لفت انتباه النقاد والفنانين والمعالجين بالفن وغيرهم.

 

فقد لاحظ في دراسة لتفاعل الدماغ “المخ” مع التجارب الجمالية، أن هناك جزءا معينا من الدماغ أسماه بالدماغ العاطفي، كما حدد كيفية معالجة الدماغ للإشارات المتنوعة.

 

فقد أثبتت تجاربه النفسية والفيزيائية واستخدامه لتقنيات التصوير المغناطيسي للدماغ أننا ندرك سمات بصرية مختلفة حيث يسبق إدراكنا للون إدراكنا للحركة بحوالي 80 ملي ثانية.

 

ما طرح فرضية علمية ترى أن الوعي البصري ليس موحدا.

 

فالوعي جزئي يتم تحديده مرئيًا بالتتابع في الزمان والمكان وهو الأمر الذي يؤثر في فهمنا لتصميم المشاهد الدرامية في المسرح والسينما والدراما التليفزيونية.

 

إذن اللون أولا هو ما يثير الإدراك العصبي ثم الحركة ثم الشكل.

 

وهي متتالية إدراكية ربما تفيد صناع الإبداع المرئي المسموع وتؤثر في تقييمه ونقده.

 

إلا أن عدد من الباحثين يشككون في مصطلح د. سمير زكي عن علم جمال الأعصاب ومؤخرا علق جيسون كاسترو في دراسة نشرها في فبراير 2021، عن عمله هو وفريقه البحثي حول موضوع الجمال والدماغ البشري، وهو يرى أن: في الأمر مبالغة بشأن علم جمال الأعصاب، وهو يسأل ماذا نحاول تحقيقه هنا؟ لماذا نهتم بما إذا كان الجمال شيئا واحدا في الدماغ أو عشرة أشياء؟

 

ولعل السؤال الأكثر صلة هو: كيف سيختلف فهمنا للجمال إذا أمكننا تحديد موقعه في الدماغ؟

 

وهو يعتقد أنه من المرجح أن تمر سنوات عديدة، وربما حتى أجيال، قبل أن يكون لدينا شيء قد يسمى علم أعصاب الجمال، حق يقنع بحق علماء وظائف الأعضاء وعلماء الإنسانيات، ولكن يمكننا أن نتيقن من أن إغراءات الجمال تتواصل، وفي غضون ذلك تجذبنا إلى هذه الساحة المعنوية الفوضوية والمثيرة للجدل والفضول.

 

إلا أن د. سمير زكي في حقيقة الأمر واصل عملًا تراكميًا علميا، فقد كان عمله الباكر تشريحيا، ثم انتقل إلى رصد الروابط العصبية البصرية التي تقع في المرحلة الأولية للدماغ.

 

وتخصص في دراسة القشرة البصرية للدماغ، واستطاع الوصول إلى تلك الحقائق العلمية في تتابع عملية الإدراك البصري، ومن ثم بدأ البحث في هذا العلم الناشئ وهو علم جمال الأعصاب.

 

وهذا التخصص العلمي الجديد في الاقتراب العصبي من دراسة الجمال عبر دراسة عمل الدماغ (إلخ) البشري، لا يتناقض إطلاقًا مع جماليات التلقي الذي هو جزء من علم الدلالة (السيمولوجيا) ولا يتناقض مع نظريات الإدراك وصياغات التكوين والبناء الفني التي عالجها بمقتربات عديدة الفلاسفة وعلماء النقد وعلماء النفس، وعلماء النفس التجريبي وغيرهم، بل هي مقترب علمي جديد في دراسة علم الجمال.

 

إنه علم جمال الأعصاب يلوح واضحًا ويقتحم عالم الدراسات البينية، في عالم معاصر تنهار فيه الحدود بين الدراسات العلمية والدراسات الإنسانية.

 

لا شك أن المذاهب الفنية منذ الكلاسيكية حتى الآن، وأيضًا المناهج النقدية منذ النقد الموضوعي حتى الآن، ترى الجمال أمرا نسبيا كما أن علم الجمال من منظور فلسفي ينقسم إلى فرعين كبيرين هما علم الجمال الوصفي وعلم الجمال المعياري، إلا أن علم جمال الأعصاب مقترب جديد للغاية ربما يُمْكن فهمه كمقترب مفيد للمبدع والناقد عبر تأمل عملية الإدراك العصبي.

 

وهو الأمر الذي يأخذنا لنظرة تطبيقية على الدراما التليفزيونية الرمضانية هذا العام.

 

فقد لاحظت فيها استخدامًا مفرطًا للإضاءة الحديثة، ولحساسية الكاميرات الرقمية المتطورة وقدرتها الجديدة على تصوير الحركة والأشخاص في إضاءات منخفضة الكثافة نسبيا.

 

ما يجعل عمليه الإدراك المرئي أو الإدراك البصري في معظم مشاهد الدراما منخفضة الإضاءة، والتي أصبحت ظاهرة إخراجية عامة تبدأ وفقًا لطرح د. سمير زكي في علم الجمال العصبي بقدرة المتلقي على إدراك اللون الذي تصنعه الإضاءة، ما يجعل وجوه الممثلين في عدد كبير من المشاهد في المرتبة الثانية من الإدراك، وما يجعل في ظل خفوت الإضاءة وحضور الإظلام النسبي في معظم المشاهد، مسألة تؤدي لصعوبة إدراك المرئي وتؤثر على مقدرة العين على التقاط الصور المتحركة الدرامية مما يؤثر على يسر وسهولة عملية الإدراك، إنه الإفراط الواضح الذي أصبح ظاهرة هذا العام في خفوت الإضاءة، وازدياد الظلال والإظلام النسبي، وهي الظاهرة التي تحتاج لمعالجة فنية تهدف ليسر وجمال الإدراك العصبي للصورة، وهو الذي يحدث في مشاهد النهار الخارجية، والتي تنتظرها روابط الإدراك العصبية بفارغ الصبر، أثناء المشاهدة الطويلة ذات الطابع المنخفض في كثافة النور.

 

تم نسخ الرابط