أصل الأحباش

تقع دولة "إثيوبيا" Ethiopia أو بلاد الحبشة قديمًا، في شرق إفريقيا وتحديدا في منطقة القرن الإفريقي، وتبلغ مساحتها حوالي مليون و123 ألف كم مربع، وتُغطي أكثر أراضيها هضبتان كبيرتان يفصلهما جزء من الوادي الذي يوجد به "الأُخدود الإفريقي" العظيم. 

وتُعد إثيوبيا من أكثر البلدان في قارة إفريقيا ارتفاعًا عن سطح البحر، لا سيما فيما يُعرف بـ"هضبة الحبشة"، ويبلغ متوسطُ ارتفاع أراضيها حوالي 2400م، ولذلك تُوصف بأنها أرضٌ صعبة المسالك نظرا لكثرة جبالها وهضابها.

وتضُم دولة إثيوبيا عدة مجموعات إثنية وعرقية، منهم: شعوب البانتو، والحاميون، والساميون، وتنتسب قبائل "البانتو" في الأصل لمناطق إفريقيا الاستوائية ويعيشون في أقاليم "كافا"، و"باديتو"، و"سيدامو"، أما "المجموعات الحامية فمنهم شعوب "الدناكل"، و"الصوماليون"، و"الجالا" Gallas. 

وتعتنق مجموعات الدناكل والصوماليون في إثيوبيا الدين الإسلامي، وتُعد اللغة "الأمهرية" Amharic اللغة الرسمية في هذه البلاد، وهي لغةٌ مشتقة في الأصل من اللغة الجعزية القديمة، وفيما يخص الجنس الأمهري فهو الذي يقود نظام الحكم في البلاد، وقد عُرفت إثيوبيا منذ أقدم العصور التاريخية باسم "بلاد الحبشة Abyssinia.

وقد عُرفت هذه البلاد أيضًا باسم "بلاد كوش" (أو "أرض كوش" Land of Kush) وذلك كما ورد في "الأسفار التوراتية" Biblical Books، وقد ذكرها بهذا الاسم كلٌ من المؤرخ اليوناني "هيرودوت" (عاش منتصف القرن الخامس ق.م)، و"استرابون، وقد تحدث الجُغرافيون القدامى عن تخوم بلاد الحبشة قديمًا، ومنهم الجُغرافي المغربي "أبو محمد الزُهري" (ت: حوالي منتصف القرن 6هـ/12م): "وحدها في المغرب النيل الأعظم، وفى المشرق بحر القلزم، وفى الجنوب بلاد الذهب على "خط الاستواء". 

وعلى أي حال يعني اسم "إثيوبيا": "ذوو البشرة (الجلد) الأسمر"، وكذلك يعني: "ذوو الوجه المحترق"، بينما يُقصد باسم "الحبشة" بحسب افتراض البعض: "الشعوب المُختلطة". 

وقد شهدت بلاد الحبشة- قديمًا- ظهور واحدةٍ من أهم الممالـك القديمة في التاريخ الإفريقي، وهي مملكة ذاعت شهرتهـا في منطقة شرق إفريقيا، واشتُهرت باسم: "مملكة أكسُوم" Axum. 

وكانت مملكةً أكسوم دولة قوية مزدهرةً، وقد اشتهرت مملكة "أكسوم" أيضًا بـالتجارة عبر سواحل بحر القلزم (البحر الأحمر)، ويُحدد البعضُ قيام مملكة أكسوم بحوالي القرن الأول الميلادي، وقد بقيت هذه المملكة حتى القرن الثامن الميلادي.

قبيلة حِبشِت العربية:

تباينت آراء وفرضيات العلماء والباحثون بشكل واضح حول أصل "الأحباش" أو الإثيوبيين القدامى وإلى أي الأعراق ينتسبون، ولعل ذلك بسبب كثرة الهجرات البشرية والتمازج الديموغرافي الذي وقع في هذه البلاد عبر الحقب التاريخية، وهو ما جعل إشكالية التحديد الإثني والعرقي لهذا الشعب يبدو أمرا شاقًا على الباحثين حتى يومنا هذا. 

كما تباينت الآراء حول الفرق بين دلالة اسم إثيوبيا من ناحية، ودلالة تسمية بلاد الحبشة من ناحية أخرى، فكلا الاسمين يختلف عن الآخر شكلا ومضمونا، وفي الغالب فإن تسمية إثيوبيا يونانية الأصل، بينما تسمية بلاد الحبشة عربية الأصل، ولهذا فهم يفضلون الاسم اليوناني القديم.

وأصل تسمية بلاد الحبشة يرجع إلى إحدى القبائل والبطون العربية القديمة التي كانت قد هاجرت إلى هذه البلاد، وكان اسمها قبيلة "حبشت"، وقد ورد ذكرها في بعض النقوش والمتون اليمنية القديمة. 

كانت هذه القبيلة– أي حبشت العربية- قد هاجرت إلى سواحل شرق إفريقيا قادمةً من جنوب بلاد العرب، وتحديدا من بلاد اليمن وذلك إبان حقبة القرنين العاشر والسابع قبل الميلاد.

وقد استقرت قبيلة "حبشت" العربية بعد ذلك في المناطق الشمالية من "بلاد الحبشة"، ومن ثم غلب اسم تلك القبيلة العربية على أراضي هذه البلاد. 

وقد كان الملوك في بلاد الحبشة يحملون لقبًا مُميزًا لهم، وكان يختص بهم وحدهم، وذلك على عادة الملوك والحُكام خلال حقب العصور القديمة، وهو لقب: "النجاشى" Negus، ويُفسر العلماءُ هذا الاسم (أي نجاشي، أو نيجوس، أو نيجوش) بأنه يشير إلى حاكم مقاطعة، أو إقليم من أقاليم الواقعة في هذه البلاد، ثم اختُص به حاكم مقاطعة حبشية اسمها: مقاطعة جودجام. 

بينما يرى البعضُ الآخر أنه كانت توجد صيغ أخرى لهذا اللقب الحبشي (أي نجاشي)، ومنها "نجوش"، وكان من ألقاب حكام المقاطعات أيضا لقب "الرأس"، وهو يعتبر من أجل الألقاب العسكرية التي كان يمنحها أباطرة الحبشة لحكام المقاطعات، ولكبار القادة العسكريين. 

أستاذ جامعي وباحث في التاريخ الإفريقي