لا أستطيع في ذكرى ثورة 30 يونيو، وفي إطار الاحتفاء بسنوات سبع من الإنجاز الواضح للرئيس عبد الفتاح السيسي، إلا أن أفكر بقلبي وخيالي كما أفكر بعقلي في مصر الآن، فما يحدث في مصر الآن لا يمكن فهمه إلا بحرارة حية هي حرارة القلب، وخيال حر، هو خيال سياسي إنساني يبدأ من واقع صعب إلى مستقبل أجمل، رغم المستحيلات الأربع الفقر والجهل والمرض والفساد.
والفقر هو فقر الفرد الذي لا يحلم خارج قوت يومه، لأنه لا يملك أبعد من ذلك، والجهل هو ذلك الانحياز الأعمى للمصالح الضيقة والوقوع فريسة الاستهواء مع الشائعات والتصور المظلم للواقع.
والمرض هو الانتشار الواسع للعادات اليومية المسببة لفقد الصحة والقدرة.
والفساد هو ميراث طويل يحمل جذورًا تاريخية ويلتهم قدرات مصر وثرواتها.
ومن المرضى من يعذبون أصحاب الأحلام من الشباب، ومن الفقراء أصحاب الملايين الكبيرة بأنانية مفرطة، ومن الجهلاء من لا يثقون في قدرة مصر وشعبها العظيم، أما أفسد ما في الفساد فهو سرقة أحلام المستقبل.
ولذلك فمصر تحتاج مع كل تلك الإنجازات- على صعيد قوتها العسكرية والطرق والمدن الجديدة- إلى قراءة جادة في مخرجات تعداد السكان الأخير، حتى نسأل أسئلة البشر.
كيف يمكن إخراج الفقراء من قوت اليوم إلى التفكير في المستقبل؟
هل التوسع في الشمول المالي القادر على منح قروض ميسرة ورعاية نموها على أرض الواقع؟ هل التوسع الكبير في المشروعات المتوسطة والصغيرة؟
هل العودة لمجانية حقيقية في التعليم حتى يعود التعليم كما كان في مصر هو باب التغيير الاجتماعي الشريف.
هل السعي لانتصار قصص الحب الجميلة للفتيات الحالمات والشبان الأقوياء، منعًا لها من أن تتحطم أمام سوق الاستثمار العقاري المتوحش؟
هل من سبيل لفتح أبواب للتنفس الحر في المشكلات اليومية الوظيفية والمهنية والحياتية، مساحة للصياح الحر والبوح يتم الاستجابة لها من أجل الشعور بحقوق المواطنة؟
هل يتم التفاعل الحقيقي بين مؤسسات التعليم والثقافة في مصر، بعيدًا عن الأداء الإجرائي لمنح الشهادات وإحياء الليالي الملاح والمهرجانات اللامعة التي تشتعل ثم تذهب أدراج الرياح؟
كيف يمكن تخفيض درجات الاستقطاب الاجتماعي؟
كيف يمكن التدريب على أفعال الحرية على كافة المستويات بداية من الحرية الشخصية للحرية السياسية.
وفي هذا الإطار ألحظ بكل تقدير المشروعات الثقافية الكبرى التي هي جوهر الشعور بالذات القومية، وهي على بساطتها بجوار المشروعات العملاقة، التي تم إنجازها في مصر على صعيد القوة الصلبة، هي مشروعات هامة لتأكيد القوة الناعمة المصرية، ألا وهي مشروعات وزارة السياحة في إطار السياحة الثقافية، وتأكيد الذات المصرية القومية.
مثل موكب الملكات وافتتاح متحف الفسطاط، ومشروع رحلة العائلة المقدسة والتي بدأ العمل الجاد فيه منذ فترة ودخل الآن حيز التنفيذ، ومشروع المتحف المصري الكبير، والذي تجري التدريبات النهائية الآن لحفل افتتاحه المنتظر.
مصر تنتظر مشروعات كبرى عميقة أبعد من دراما رمضان على صعيد الصناعات الثقافية والإبداعية.
وهي المشروعات الممكنة القادرة على حل مشكلات عميقة في النسيج الاجتماعي المصري والقادرة على التواصل مع العالم.
وهي بلا شك أحد أهم مصادر الدخل القومي الممكنة كما كانت في الماضي القريب.
أتحدث عن خبرات مصرية في المجال الإبداعي والثقافي وأتحدث عن أجيال جديدة في مصر الآن في منتهى الحساسية والإبداع والموهبة.
فلا يوجد أي أساس من الصحة لتراجع المواهب والعقول، مصر تمنحنا كل فترة جيلًا موهوبًا كل ما يحتاجه هو إتاحة الفرصة له وللخبرات الكبرى لرعايته ودعمه ومزج تجربته الجديدة بالخبرات العميقة.
لا شك أن مصر تنتظر الكثير في مجال الصناعات الإبداعية والثقافية، في ظل توافر الموارد البشرية الهائلة في هذا المجال.
انتظار نثق ونتمنى تحقيقه هكذا يمكن لمصر مع الصناعات الإبداعية أن تفكر بعقلها وقلبها وخيالها هكذا نحلم وهكذا نتمنى.



