الحرية في أحد أهم تعريفاتها هي القدرة على امتلاك أوقات الفراغ.
أوقات الفراغ بالمعنى الإيجابي لا أوقات الفراغ المشحونة بالسأم والملل وضيق الصدر.
وفى عالم معاصر تقاس فيه ثروة الأفراد والناس بجودة وحسن استخدام أوقات الفراغ.
ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي عبر الشبكة الدولية للمعلومات.
وبالتدريج ومع تطور التقنيات الحديثة اللامحدودة احتلت تلك الوسائل لسهولتها وكثافة انتشارها مواقعا عدة في الحياة اليومية، أصبحت سوقاً للبيع والشراء، وأصبحت وسيلة لاختزال المشاعر بدلاً من تبادل الزيارات الواقعية، واحتلت مكاناً أكثر أهمية في الإعلام، من معظم وسائل الإعلام المسموعة المرئية.
مما ساهم في ظاهرة الإعلام الفردي أو الشخصي، وهو إعلام الملايين الكبيرة جداً في كل أنحاء العالم.
إن ما تبثه وسائل التواصل الاجتماعي يتجاوز التأثير في الرأي العام أو التعبير عنه، إنه محتوى حقاً ما بعد حداثي مفتت ومتشظى وحقيقي ومزيف ومخادع وغادر وشديد القسوة أحياناً وشديد الصدق في أحيان أخرى.
إلا أن أهم صفاته الجوهرية أنه سريع جداً في الانتشار لكونه شديد البساطة والاختزال في معظمه.
ومع ازدياد عدد السكان في مصر والعالم أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي السلم الذهبي لصعود الجماهير الغفيرة إلى السلطة الاجتماعية.
مما يجعل مفهوم سلطة الثقافة الجماهيرية ضرورة تستحق المناقشة خاصة في مصر الآن.
هل تمارس النخبة التقليدية في مصر انسحاباً لصالح سلطة الجماهير الاجتماعية؟
هل تمارس الجماهير التمرد الافتراضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟
هل الكثافة والسهولة والسرعة في تلك الوسائل تساهم في تجفيف العودة لمنافع المعرفة والمعلومات الأصلية؟
لاحظت مصر منذ الستينات تصاعد السلطة الاجتماعية للجماهير، وهو ربما يكون لفظاً مرادفاً للشعب، لتصبح السلطة الجماهيرية هي السلطة الشعبية.
ربما يعبر لفظ الجماهير عن الأعداد الكمية الكبيرة بينما يعبر الثاني عن المعنى والكيفية التي تعلن بها تلك الجماهير عن نفسها.
ولذلك فالجماهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي تصنع الاختيارات الجديدة في الذوق والرأي العام، وتصنع اهتمامات الناس، وبمتابعة نسب المشاهدة وارتفاعها في توافه الأمور، يمكن فهم مدة عمل وتأثير الضغط الشعبوي المختلط بالعشوائية واللامعنى والعبث التام.
بعض من العيادات النفسية الآن تمارس العلاج النفسي لمرض إدمان وسائل التواصل الاجتماعي الذي أخذ الكثيرين إلى عزلة افتراضية تشبه النفى الاختياري من الحياة اليومية.
أظهرت وسائل التواصل الاجتماعي أنواعاً جديدة من قادة الرأي مذهلين في تدني درجة الوعي وكثافة عدد المتابعين، مما يعيدنا إلى هيئة شديدة الأهمية كان أسمها الثقافة الجماهيرية وهي الآن تحمل اسم الهيئة العامة لقصور الثقافة، ويجب السؤال الجوهري عن دورها ومدى جدوى عملها الآن، وما هي خططها وآلياتها للتواصل مع الثقافة الجماهيرية على أرض الواقع، وفي الواقع الافتراضي؟ وكذلك الهيئة العامة للاستعلامات والتي ظلت سنوات تخاطب الجماهير الغفيرة في مصر عبر مراكزها الإقليمية عبر القطر المصري، وهي أيضاً في أمس الحاجة لإعادة إنتاج ذلك الدور بشكل معاصر؟
هل تحتاج تلك الشبكة الكبيرة من قصور وبيوت الثقافة ومراكز النيل للإعلام إلى تعاون جاد ومختلف يدرك التحولات الجوهرية في مفهوم الثقافة الجماهيرية الجديد؟ يدرك أهمية التواصل المعاصر مع الجماهير، التي تستخدم لغة الصورة، ولغة الاختزال بالعامية المصرية الموحية المحملة بالرموز الثقيلة، وتجنح للتكيف وللسهولة وتحاول صنع الذوق العام الجديد في الفنون والثقافة والسلوك العام.
إنها مسألة لا يمكن علاجها بالمطاردة والمنع، علاجها هو وضع التصورات والخطط لإدارة سلطة الجماهير الغفيرة في عصر متغير، وعالم معاصر جديد.



