الأحد 21 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

"بوابة روزاليوسف" ترصد: كنوز وآثار بمحافظة الشرقية تعيد كتابة التاريخ منذ "الفراعنة"

تل بسطه
تل بسطه

يصف الأثريون محافظة الشرقية بأنها كنز كبير لم يستغل حتى الآن، كنوزها فريدة من نوعها ترجع إلى عصور تاريخية متنوعة، تشمل مصر الفرعونية، والقبطية، واليونانية، والرومانية، والإسلامية، بالإضافة إلى مبان ذات طابع معماري تعبر عن التاريخ الحديث والمعاصر.

 

ويطلق على محافظة الشرقية أثرياً "أقصر الشمال" ويقدر الأثريون ما تحويه من كنوز أثرية بأنه ثلث آثار مصر، ما يشير إلى تاريخ كبير من الأحداث التاريخية التي شهدتها تلك المحافظة الفريدة على مدار التاريخ.

ورغم ذلك يجهل الكثيرون- داخل مصر وخارجها- قيمة هذه المحافظة وأهميتها في تاريخ الحضارة المصرية، لكن اهتمام الدولة مؤخراً بكل ما هو تاريخي وأثري، بالإضافة للضرب بيد من يد حديد على كل من يعبث بكنوز مصر المدفونة في محاولة لتحقيق ثروات بطريقة غير مشروعة، بالإضافة إلى الاهتمام ببناء المتاحف وتطوير القائم منها، ألقى الضوء بقوة على ما تمثله مصر من أهمية فى تاريخ الإنسانية.

فى هذا السياق أيضاً تم إلقاء القبض مؤخراً على شبكة كبرى للتنقيب عن الآثار وتهريبها، في عملية نوعية لأجهزة الدولة أظهرت الوجه الحقيقي لـ"مافيا تهريب الآثار"، وما عرف لسنوات بـ"تسخير الجن والعفاريت" لإيهام الضحايا الذين يتم التنقيب أسفل منازلهم بمحافظات مصر المختلفة، بأن ما يتم استخراجه والاتجار به، ليس تاريخاً مصرياً يستحق الحفظ والعناية والاهتمام، لكنه ثروة من أعمال "الجن والعفاريت".

وفى مسعى من بوابة "روزاليوسف" لتمكين القارئ من معرفة، والاعتزاز بتاريخ مصر، تقدم بعض النماذج الأثرية المعبرة عن تاريخ محافظة الشرقية، وذلك بالتعاون مع الدكتور مصطفى شوقي إبراهيم، مدير عام آثار المحافظة، وبرنامج الوعي الأثري التابع لوزارة الآثار.

"تل بسطة" عاصمة مصر القديمة ومدينة البئر المقدس

تثمال أثري في تل بسطة
 

 

عرفت منطقة "تل بسطة" قديماً عن الفراعنة باسم "برباستت" نسبة إلى "باستت" المعبودة الرئيسة بالمنطقة، وقد اكتسبت المنطقة أهمية سياسية ودينية نظرا لموقعها المتميز بمدخل مصر الشرقي، الذي استقبل أفواج القادمين من الشرق عبر سيناء، وعاصر عددا من الفاتحين والغزاة، وقد تشرفت المنطقة بزيارة العائلة المقدسة "مريم العذراء والسيد المسيح ويوسف النجار"، عند هروبهم من بطش هيرودوس إلى مصر في القرن الأول الميلادي، وكانت "تل بسطة" عاصمة الإقليم 18 في الدولة المصرية القديمة، وصارت عاصمة للبلاد فى عصر الأسرة الثانية والعشرين.

وتحتوي المنطقة على العديد من العناصر الأثرية، منها: معبد "باستت"، الذي يعد جوهرة "برباستت" المعمارية، وكان تحيط به الأشجار وتطوقه المدينة المبنية على أرض أعلي من مستوي المعبد، ما كان يسمح برؤيته بوضوح للقاطنين بها، وقد كتب المؤرخ "هيرودوت" عنه أنه يوجود معابد كبيرة وعظيمة، إلا أنه يوجد واحد فقط  يسر الناظر أكثر من أي معبد آخر وهو معبد "باستت" في مدينة "برباستت".

بدأ تشييد معبد "باستت" في عهد الملك "خوفو" والملك "خفرع" من الأسرة الرابعة، ثم أضاف إليه ملوك مصر القديمة على مدار التاريخ، أبرزهم الملوك "نختنبو" و"رمسيس الثاني" و"أوسركون الثاني"، وطبقا للتراث القبطي فقد زارته العائلة المقدسة أثناء إقامتهم في مصر.

أما البئر المقدسة فقد تم الكشف عنها 1991م، ويبلغ قطرها 2,60 متر، وعمقها يزيد على 9م، والمدهش أن أرضيتها "مبلطة" بنفس الطوب الذي شيدت به، فيما عدا فتحة صغيرة مربعة في منتصفها تأتي منها المياه ذاتيًا.

وقد لُوحظ هذا أثناء الكشف عنها وتطهيرها من الردم والمخلفات، وكانت ماؤها لا تنضب ما يدل على أن البئر بنيت على نبع، وقد عثر أثناء تطهيرها على عدد كبير من التماثيل والأواني والأخشاب، ومنها بقايا "شادوف" كان يقوم بمهمة رفع الماء من البئر. 

وقد صرح رئيس بعثة الحفائر وقتها 1991م، بأنه تم استخدام أعلى مستوى تكنولوجي في تحليل المواد العضوية داخل البئر باستخدام الكربون المشع، وأكدت التحاليل أن البئر ترجع للقرن الأول الميلادي، وتعد النبع المقدس وجزءا من التاريخ، وقيل إنه قبل اكتشاف البئر رسمياً كان الأهالي يذهبون إليها لنيل البركة.

وقد أكد تقرير للمجلس الأعلى للآثار العثور على العديد من الأواني الفخارية التي ترجع إلى العصر القبطي أثناء تنظيف البئر، وأيضاً قطع من الخشب وعظام الحيوانات ومواد محترقة، واختبرت تلك الأشياء بالكربون المشع وثبت أنها ترجع إلى ما بين القرن الرابع الميلادي والقرن الثامن الميلادي، وجميعها مواد للتبرك والنذور، وربط العلماء بين ما تم كشفه من مواد وما قرأه من روايات في المصادر القبطية.

و"مداميك" الطوب الأحمر بالأسمنت التي تلتف حول البئر حالياً بناية حديثة لحمايتها ومنع الأطفال والزائرين من السقوط داخلها، وحينما تم اكتشافها كان المتبقي منها مسافة متر ونصف مبني بطوبة حمراء مربعة ترجع للقرن الأول الميلادي.

بناه محمد علي باشا وجدده الحفيد.. المسجد الكبير بـ"الزقازيق" تحفة فنية فريدة

    

المسجد الكبير
 

 

تم إنشاؤه في تاريخ مبكر من حكم الأسرة العلوية لخدمة العمال بقناطر "بحر مويس"

يقع مسجد محمد علي باشا الكبير بالشرقية في أقدم منطقة تجارية سكنية بمدينة الزقازيق عاصمة المحافظة، وهو "حي القيسارية" ومنه شارع الحمام الذي يشتهر ببيع فوانيس رمضان ولوازم السبوع وأعياد الميلاد والبخور والعطارة ولعب الأطفال، والذي يشبه إلى حد كبير أحياء مصر الفاطمية والمملوكية من حيث الشكل والروح، وشوارع الحي في المجمل تشبه إلى حد كبير شوارع ودروب وحواري حي الجمالية بالقاهرة الفاطمية، والمسجد الكبير بناه بنفسه محمد علي باشا، وقام بتجديده حفيده الخديو عباس حلمي الثاني. 

وحكم محمد علي مصر عام 1805، ومعه بدأت مصر نهضة في كل المجالات، بعد أن عانت الأمرين منذ دخول العثمانيين عام ١٥١٧، وهزيمة آخر سلاطين المماليك "طومان باي" الذي أحبه المصريون حباً جماً ونال تقديرهم وبكوا عندما أمر سطان العثمانيين سليم الأول بشنقه على باب زويلة، ومن وقتها أصبحت مصر ولاية عثمانية تعيش في عزلة، تعاني من الجهل والتخلف والخرافات والشعوذة، حتى تولى محمد علي باشا، فكان عصره نقله نوعية في تاريخها الحديث.

كان الاقتصاد أول اهتمامات محمد علي باشا، واختار أن يكون الزارع والصانع والتاجر الوحيد في مصر، متحكما في كل شيء، وفي عصره نجح في جعل مصر تناطح القوى العظمى في العالم، وكانت محافظة الشرقية ضمن أهم مشروعاته.

قام محمد علي بإنشاء القناطر التسعة على بحر مويس بالشرقية ضمن آليات نهضة مصر،  بغرض تنظيم عمليات الري لتوفير المياه واستخدم في إنشاء تلك القناطر عدداً كبيراً من العمال الذين أقاموا بجوار منطقة العمل في عشش من طين وخوص، وتبعهم باعة للمأكولات والسلع، وتدريجيا ظهرت حياة على جانبي بحر مويس، وازدادت الأبنية والعمارة، وفي عام 1832 أصدر محمد علي أمراً ببناء المسجد، وهو تاريخ يشير إلى بدايات الأسرة العلوية.

والمسجد الذي شهد أعمال تجديد وتوسعة كبيرة فى عهد الخديو عباس حلمي الثاني سنة 1894، مسجل أثرا بقرار وزاري صدر عام ٢٠٠١، وهذا مسجل في نص التجديد أعلي المدخل الرئيسي للمسجد، وقد شملت أعمال التجديد أشغال نجارة للأبواب والشبابيك والمنبر والمئذنة وغيرها.

المسجد من الخارج عبارة عدة واجهات، أهمها الشمالية التي يقع بها مدخلان له، ويبلغ طول الواجهة الشمالية 22.30م، وتنقسم إلى 4 مداخل، الأول مدخل رئيسي والثالث فرعي، والثاني والرابع شباكان مستطيلان يعلو كل منها زخارف بسيطة.

والمدخل الرئيسي معقود بعقد ثلاثي الفصوص، يلتف حوله جفت لاعب ذو ميمات نفذ بالحفر في الحجر، ويشغل باطن العقد على جانبين، خمسة صفوف من المقرنصات ذوات الذيل الهابط حتى بداية الطاقية، ويشغل طاقية العقد لفظ الجلالة باللون البني محاكاة للطراز المشهر، ويبلغ اتساع فتحة الدخول 1.60م، وارتفاع 2.90م، ويغلق عليها باب خشبي من مصراعين، قوام زخرفت كل مصرع ثلاث حشوات، ويعلو فتحة باب الدخول لوحة رخامية طولها 1.75م، ترتكز على صفين من المقرنصات بمثابة كوابيل تحملها، وهي عبارة عن نص تجديد المسجد في عهد عباس حلمي الثاني، جاء في سطر واحد بالخط الثلث البارز باللون الأسود على أرضية بيضاء يحيط بها إطار زخرفي نفذ بالحفر البارز... "جدد هذا المسجد في عهد خديو مصر عباس حلمي الثاني الأفخم أدام الله أيامه سنه 1312ھ".

ويبلغ طول الواجهة الجنوبية الشرقية 20.20م، وهي واجهة بسيطة مبنية من الطوب الآجر، عليها طبقة من الملاط، وقسمت إلي خمس دخلات، الوسطى شغلت بحنية المحراب من الخارج يعلوها قمرية مغشاة بالجص المعشق بالزجاج الملون، ويوجد يمين ويسار حنية المحراب من الخارج 4 فتحات شبابيك يغلق على كل فتحة 3 ضلف خشبية، ويعلو كل فتحة شباك على شكل قندلي بسيط مغشى بالجص المعشق بالزجاج الملون على أشكال هندسية، ويعلو كل دخلة 3 صفوف من المقرنصات، ويتوج الواجهة صف من الشرفات الحجرية على شكل ورقة نباتية خماسية.

وتشغل الواجهة الجنوبية الغربية مبانٍ حديثة عبارة عن "الميضة" ودورات المياه وبقايا الوكالة التجارية التي كانت ملاصقة للجدار الجنوبي للمسجد.

ويبلغ طول الواجهة الشمالية الغربية 20م، وهي غاية في الروعة والاتقان، مبنية بالحجر الجيري وقد راع الصانع السمترية والتوازن بين وحداتها، ويشغلها في الجزء السفلي 4 حوانيت (دكاكين). أما الجزء العلوي من الواجهة فهو عبارة عن 5 دخلات يحيط كل منها جفت لاعب ذو ميمات من المقرنصات، وشغلت الدخلات 3 أشكال قنديلية بسيطة ذات عقود نصف دائرية، ويتوج الواجهة من أعلى صف من الشرفات الحجرية على شكل ورقة نباتية مركبة. 

والجدير بالذكر أن نوافذ هذه الواجهة تخص مصلى الحريم المقام أعلى الحوانيت، وبهذا يعد المسجد من المساجد المعلقة، كإحدى السمات المميزة للعديد من المساجد بمدينة الزقازيق.

مسجد سادات
 

 

وصف المسجد من الداخل عبارة عن مساحة مستطيلة مقسمة إلى 3 أروقة بواسطة صفين من الأعمدة الرخامية، ويؤدي المدخل الرئيسي في الواجهة الشمالية إلى داخل المسجد مباشرة.

والمسجد مغطى بسقف خشبي من "براطيم خشبية" ذات زخارف نباتية محورة، وأشكال هندسية قوامها أنصاف الأطباق النجمية.

ويتوسط سقف المسجد "شخشيخة خشبية" بديعة الصنع والزخارف، وهي ثمانية الشكل زخرفت أركانها المثلثة بزخارف نباتية باللون الذهبي والأحمر علي أرضية زرقاء داكنة، أما الأركان المربعة فشغلت بأسماء الخلفاء الراشدين (أبو بكر- عمر- عثمان- علي) باللون الذهبي على أرضية حمراء داخل إطار مفصص باللون الذهبي، ويفصل هذه الأركان المربعة منطقة مستطيلة شغلت بكلمة (محمد) بالخط الكوفي الهندسي (المربع) باللون الذهبي على أرضيه زرقاء داكنة اللون، يحيط بها من الجانين زخازف نباتية محورة على شكل ورقة نباتية منفذة باللون الأصفر والأخضر الزيتوني.

وتعد المئذنة تحفة معمارية مبنية من الحجر الجيري، وتتكون من ثلاثة طوابق مغطاة بزخارف ونقوش كتابية، ورغم أنها بنيت في عهد محمد علي باشا، إلا أنها متأثرة بالعمارة الإسلامية السابقة المملوكية والأيوبية.

وتولي محافظة الشرقية ووزارة الآثار اهتماما كبيراً لوضع  مسجد محمد علي في إطار خطط إعادة ترميمه، للحفاظ على طابعه المميز والفريد من نوعه، مقارنة بباقي مساجد المحافظة.  

تم نسخ الرابط