السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

حكاية إفريقيا وأصل التسمية (2)

د. إبراهيم محمد مرجونة
د. إبراهيم محمد مرجونة

يرى العديد من المؤرخين أن أصل تسمية القارة الإفريقية بهذا الاسم، يعود إلى أنه مشتق من "إفريقش بن أبرهة بن الرائش الحموي" الذي غزا الروم في هذه المنطقة حتى انتهى إلى طنجة فسميت باسمه.

وخالف آخرون إلى القول بأنها سميت إفريقية نسبة إلى "إفريقيس بن صيفي بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان"، حيث انتهى بعد غزو المغرب إلى موضع واسع رحيب، كثير الماء، فأمر أن تبنى هناك مدينة، فبنيت وسماها إفريقية، ثم نقل إليها الناس، وعاد إفريقيس إلى اليمن، وفي ذلك قال بعض أصحابه:

 

سرنا إلى المغرب في جحفل.. بكل قرم أريحي هُمام

نخوض بالفرسان في مأقط.. يكثر فيه ضرب أيد وهام

فأضحت البربر في مقعص.. نحو سهم بالمشرفي الحسام

في موقف يبقى لنا ذكره.. ما غردت الأيك ورق الحمام

 

ويقول ياقوت الحموي: "إن إفريقية سميت بفاروق بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام، وأن أخاه مصر لما حاز لنفسه مصر فارق إفريقية"، ويضيف أنه لما اختط المسلمون القيروان خرّبت إفريقية، وبقي اسمها على الصقع جميعه، وأن أهل مصر يسمون ما عن يمينهم إذا استقبلوا الجنوب بلاد الغرب، ولذلك سميت إفريقية وما وراءها بلاد المغرب، يعنى أنها فرقت بين مصر والمغرب، فسمين إفريقية.

 

 

أما ابن أبي زرع فيقول إنها سميت بإفريقيا لأنها فرقت بين المشرق والمغرب، ولا يفرق بين الاثنين إلا أحسنها، وقيل سميت إفريقية باسم أهلها وهم الأفارقة، والأفارقة من ولد قوط بن حام ولد نوح.

 

 

وقيل إن اسمها إبريقية من البريق، لأن سماءها خالية من السحب، وهذا القول بعيد، لأن إفريقيا كثيرة السحب حتى قال بعضهم: إن القيروان لا تخلو من السحب في أكثر أيام السنة، ويعبر عن فحص القيروان بمزاق، لأن السحب تتمزق منه حتى قال بعضهم تنشأ السحابة بالقيروان، وتمطر في صقلية، وغالب بلاد إفريقية كثيرة السحب والأمطار، وغالب الأوقات لا تخلو من السحب، أما "المراكشي" فيذكر أن اسم إفريقية اسم ملكة حكمت إفريقية، وقيل أنها إبريقية. 

 

 

والحسن الوزان عند حديثه عن منشأ اسم إفريقيا يقول: "تدعى إفريقيا بالعربية، إفريقية من كلمة فَرَقَ التي تقابل معنى الكلمة اللاتينية Separarit، وهناك رأيان حول أصل التسمية، فالأول يرتكز على أن هذا الجزء من العالم ينفصل عن أوروبا وعن جزء من آسيا بواسطة البحر المتوسط، أما القول الثاني عن أصل التسمية فيقول: "إن هذا الاسم مشتق من إفريقوس ملك بلاد العرب السعيدة (اليمن) على اعتبار أنه أول من جاء إليها وسكنها، فبعد أن هزم هذا الملك في معركة مع آشور وطرد من مملكته عجز عن العودة إليها فعبر النيل على عجل، متابعًا طريقه نحو الغرب، ولم يتوقف قبل وصوله إلى ضواحي قرطاج, ولهذا فإن العرب لا يقصدون بإفريقية سوى ضواحي قرطاج ذاتها ويطلقون على مجموع إفريقية اسم المغرب". 

 

 

وهناك رأي آخر يقول إن الرومان كانوا يسمون آفر Afer وجمعها أفري Aferi المواطن البوني من أهل قرطاج، وذلك عندما اجتاحوا قرطاج عام 146 ق.م، وخربوا المدينة وأنشأوا مقاطعة إفريقيا Provincia Africa أو إقليم الآفر اختصارًا، أما العرب فقد تحولت عندهم كلمة إفريقيا إلى إفريقية Ifrikiya وهو اسم كانوا يقصدون به تقريبًا بلاد تونس الحالية.

 

 

أما المؤرخ الإيطالي إيتوري روسي فيرى أن اسم إفريقيا الذي يوجد لدى مؤرخي وجغرافي الرومان، لا يستبعد أن يكون منحدرًا من الشعوب البربرية التي تعامل معها الرومان بكلمة أفري Arei أو أفريكاني Africani، وتعنى جميع شعوب إفريقيا الشمالية وعلى وجه الدقة المنطقة التي تطابق حاليًا تونس، وفي القرون الوسطى وحتى القرن السادس عشر كانت كلمة إفريقيا تعنى بلدة المهدية بتونس، والتي عرفت آنذاك بكثرة ما تعرضت له من هجمات وغزوات الجيوش المسيحية.

 

 

ويرى مؤلف كتاب- إفريقش فاتح القارة الإفريقية- أنه خلال الألف الثاني قبل الميلاد، وصل إلى ما يسمى الآن ليبيا، "إفريقش بن قيس بن صفي" ملك التبابعة من قبائل كهلان، وصيفي العربية قادمين من جنوب شبه الجزيرة العربية، ومعهم قبائل بني كنعان من أهل الشام، وأقام المهاجرون في منطقة الشريط الساحلي والواحات الليبية بعد أن اجتازوا وادي النيل عن طريق واحة سيوة وعكرمة والواوات، واستقروا هنا وهناك، وبثوا مجتمعًا احتفظ بأرومته العربية الأصلية، رغم ما تعرض لها من غزوات الإغريق والفرس والروم، وقد أطلق الفينيقيون اسم أفري على ليبيا الآن، نسبة لإفريقيش وحرفة الإغريق إلى أفريكا، وقلدهم الرومان فيما بعد، ولكن عمرو بن العاص أسماها إفريقيا، وعممت التسمية على القارة بأسرها.

 

 

وهذه الروايات يغلب على الظن أن بعضها من نسج الخيال لسد النقص، وتغطية الفراغ وتجلية الغموض الذي يكتنف هذا الاسم، والذي أطلق يومًا ما على حدود منطقة جغرافية معينة، ثم جاء الجغرافيون من بعد وحاول كل منهم أن يجتهد رأيه في تغطية دراسة هذا الاسم، فاختار كل واحد منهم رؤية معينة.

 

 

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تطرق بعضهم إلى وصف سكان إفريقية بأنهم أمة عظيمة من بقية قوم جالوت، لما قتل هرب قومه إلى المغرب فتحصنوا في جبالها، ولكنهم في الوقت نفسه يصفونهم بسوء السيرة وقوة البطش، والدخول في الفتن والترحيب بدعاة الضلال.

 

 

ونخلص أخيرًا إلى أن اسم إفريقيا لم يكن يطلق على القارة كلها من قبل، فقد كان إطلاقه أولًا قاصرًا على منطقة منها في الشمال، هي المعروفة الآن ببلاد تونس، أما بقية أجزائها فكانت لها أسماؤها، ثم عُمم الاسم على القارة كلها.  

 

أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية

تم نسخ الرابط