السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

«ثرثرة» إثيوبية حول «سد النهضة»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

فى الوقت الذي تزداد فيه تطورات الأوضاع الداخلية فى إثيوبيا صعوبة، باتساع دوائر الحرب الداخلية لعدة أقاليم ضد قوات الحكومة الفيدرالية، تواصل حكومة «أبى أحمد» استخدام قضية «سد النهضة» وإثارة الجدل بشأنها كمحاولة للتغطية على إخفاقاتها الداخلية.

 

وخلال الأيام الماضية، ومع إعلان حركات مسلحة الدخول فى تحالفات عسكرية مع جبهة تحرير تيجراى، ضد الحكومة الفيدرالية، وعقد مجلس الأمن جلسة طارئة لمناقشة تطورات الأزمة الداخلية فى إثيوبيا، إلا أن مسؤولى الحكومة الإثيوبية حاولوا إثارة الجدل بشأن قضية «السد» مرة أخرى، فى ظل حالة الجمود التي تشهدها قضية السد بعد جلسة مجلس الأمن فى السابع من يوليو الماضى ترقبا لموقف المجلس بشأن مشروع القرار التونسى حول السد.

 

التعنت الإثيوبى فى قضية السد، وعدم التعاطى مع المطالب القانونية لدولتى المصب مصر والسودان، بإبرام اتفاق قانونى ملزم بشأن عملية ملء وتشغيل السد، ثم إثارة الجدل بمواقف «استفزازية» حول مسار المطالب المصرية والسودانية، كان آخرها ما حدث الأسبوع الماضى بطلب الحكومة الإثيوبية من سفراء الدول الأعضاء بمجلس الأمن العمل على رفض مشروع القرار التونسى فى مجلس الأمن حول قضية السد!.

 

جاء ذلك خلال لقاء نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإثيوبى دمقى مكونن، بسفراء الدول الأعضاء فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وطالبهم برفض مشروع القرار المقدم من تونس بشأن سد النهضة الإثيوبي، وتحجج وقتها بأن «قضية السد الإثيوبى لا ينبغى أن ينظر فيه مجلس الأمن».

 

وأشار إلى  أن القضية أحيلت لمجلس الأمن فى يوليو الماضي، وتم تحديد، اتجاه للدول الثلاث لمواصلة المحادثات الثلاثية التي يعقدها الاتحاد الإفريقى والتوصل إلى حل، وأن دولة الكونغو بصفتها رئيس الاتحاد الإفريقى هذا العام، تستعد لدمج أفكار الدول الثلاث والتوصل إلى اتفاق يعود بالفائدة على جميع الأطراف.

 

فى نفس الوقت وعلى خلفية جلسة مجلس الأمن حول ما يحدث فى تيجراي، والوضع الإنسانى هناك، وتبنى دولة الهند موقفا داعما للحكومة الإثيوبية فى قضية تيجراي، قام وزير الخارجية الإثيوبية بالاتصال بنظيره الهندي، ودعا الهند لرفض مشروع القرار التونسى المقدم لمجلس الأمن حول قضية سد النهضة.

 

لكن وزير الخارجية الهندي، قال إن الهند دعمت إثيوبيا فيما يخص الصراع فى إقليم تيجراى خلال اجتماع مجلس الأمن، لكن فيما يتعلق بقضية سد النهضة فمن المناسب أن تعالج الدول الثلاث خلافاتها من خلال الحوار ومبدأ الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية.

 

أمطار السودان الأكبر  منذ مائة عام

 

فى نفس الوقت تشهد دول منابع نهر النيل موجة من السيول والأمطار السنوية وموجة من الفيضانات غير المسبوقة خلال السنوات الأخيرة، حيث شهدت السودان فى عدد من الولايات أمطارا غزيرة، نتج عنها خسائر كثيرة منها انهيار مئات المنازل فى الجنوب وفى ولاية النيل الأبيض والولاية الشمالية.

 

إحصاء الاضرار، قدره الدفاع المدنى السودانى بانهيار 468 منزلا بسبب فيضان نهر الرهد بولاية القضارف وتأثر 700 أسرة بالسيول والأمطار بولاية الجزيرة ووفاة طفل وإصابة والدته بجروح وانهيار147 منزلا.

 

واعتبر وزير الرى السودانى ياسر عباس، أن من أهم سمات فيضان النيل هذا العام هو الإيراد غير المتوقع من النيل الأبيض والذي يفوق كل ما تم رصده خلال المائة عام السابقة، مشيرا إلى أن متوسط إيراد النيل الأبيض كان يتفاوت بين 70 و80 مليون متر مكعب يوميا فى الأعوام السابقة خلال شهر يوليو، ليرتفع لما بين 120-130 مليون متر مكعب فى اليوم فى الموسم الحالي. وحول سبل الاستفادة  من مياه الفيضانات، قال وزير الرى السودانى إنه تم خلال الموسم الحالى استخدام الخزانات السودانية الروصيرص ومروي، فى كسر حدة الفيضان حتى الآن، من خلال التصريف الآمن الذي يبلغ 800 مليون متر مكعب خلف سد مروى و550 إلى 650 مليون متر مكعب خلف سد الروصيرص.

 

واعتبر وزير الرى السودانى أنه «رغم الملء الأحادى لسد النهضة، عبرت المياه الممر الأوسط بالسد فى 20 يوليو وبعد ذلك كل إيراد النيل الأزرق الذي يدخل السد هو ما يخرج منه، أى ليس هناك أثر للسد على فيضانات هذا العام، لكن عدم تبادل المعلومات قبل الملء أجبر السودان على اتخاذ تحوطات مكلفة ذات أثر اقتصادى واجتماعى كبير».

 

المشهد نفسه فى عدد من دول حوض النيل التي تواجه موجة الفيضانات والسيول، حيث تواجه إثيوبيا وجنوب السودان أيضاً أمطار غزيرة، دفعت الآلاف من المواطنين بجنوب السودان لمغادرة منازلهم، ووفقا لتقرير للأمم المتحدة، تضرر حوالى 90 ألف شخص من الفيضانات.

 

سيناريوهات مصر للتعامل مع الفيضانات

 

فى مصر، أعلنت وزارة الرى استعدادها لمختلف السيناريوهات المتعلقة بفيضان النيل، حيث تتم المتابعة لحظيا لمعدلات سقوط الأمطار على منابع نهر النيل، وقياس كميات المياه، حيث أن الفترة الحالية تشهد زيادة فى معدلات سقوط الأمطار بمنابع النيل، ومن المتوقع زيادة منسوب بحيرة السد العالي، وفى نفس الوقت أعلنت الوزارة تنفيذ تنفيذ اكثر من 1000 منشأة للحماية من أخطار السيول بمختلف المحافظات.

 

وفى ظل هذه التطورات، كان الدعم المصري حاضرا لدعم المتضررة من مخاطر الفيضانات والسيول، حيث أجرى الرئيس عبدالفتاح السيسي اتصالات مع رئيس مجلس السيادة الانتقالى بالسودان الفريق أول عبد الفتاح البرهان، أكد فيه تضامن مصر الكامل مع السودان الشقيق فى الظروف التي يمر بها جراء الفيضانات التي اجتاحت عددا من الولايات السودانية، وذلك فى إطار ما يجمع البلدين الشقيقين وشعبى وادى النيل من أواصر أخوية وتاريخية راسخة. وفى نفس الوقت قدمت الحكومة المصرية شحنة مساعدات طبية إلى منطقة وادى حلفا بالولاية الشمالية فى السودان، فى إطار مواصلة تعزيز العلاقات المصرية السودانية والتعاون القائم بين البلدين فى جميع المجالات بما فى ذلك المجال الصحي، حيث ضمت الشحنة نحو ٣٠٠ أسطوانة أكسجين بملحقاتها، فضلاً عن قيام الجانب المصري بصيانة وتعبئة عدد آخر من أسطوانات الأكسجين. وفى أوغندا التقى السفير أشرف سويلم سفير مصر لدى أوغندا، بوزير المياه والبيئة الأوغندى سام شيبتوريس، حيث أشاد الوزير الأوغندى بالتعاون الوثيق بين البلدين، فى مجال الرى وإدارة الموارد المائية، مثمناً الدعم المصري لأوغندا فى مجالات درء مخاطر الفيضانات، وإزالة الحشائش من مجارى البحيرات، وبناء الخزانات لحصاد مياه الأمطار، معرباً عن تطلعه لتعزيز التعاون القائم، بما يشمل العديد من المجالات ذات الأهمية المشتركة.   واستعرض السفير المصري الموقف الخاص بتنفيذ المشروعات المشتركة التي تمولها الحكومة المصرية، مؤكداً ما توليه مصر من اهتمام بالتنمية فى دول حوض النيل، من خلال ما تنفذه من مشروعات وما تقدمه من دورات تدريبية فى مجال بناء القدرات، بما فى ذلك فى مجال تنمية وإدارة الموارد المائية، بما يدعم قدرات دول الحوض على مواجهة التحديات المشتركة، كالتغير المناخى والنمو السكانى.

 

زيادة إيراد النيل تعوض الفاقد من «ملء السد»

 

اعتبر الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، أن زيادة الفيضان هذا العام هى أعلى من المتوسط، لكنها لم تصل لمستوى أعلى من فيضان العام الماضي، مشيرا إلى ان الصورة النهائية لحجم السيول والأمطار هذا العام ستظهر فى نهاية شهر سبتمبر.

 

وحول إذا كان إيراد المياه والسيول هذا العام تعوض الفاقد من عملية الملء الأول والثانى لسد النهضة، قال شراقى أن مقدار الزيادة فى نسبة المياه من السيول والفيضانات هذا العام فى دول المنابع تقدر بنحو 30%، ما يعنى 5 مليارات متر مكعب، وما تم تخزينه خلف بحيرة السد الإثيوبى هذا العام 3 مليارات متر مكعب فقط رغم أن المستهدف كان 13 مليار م3، والعام الماضى كان حجم التخزين 5 مليار م3، وبالتالى فإن الزيادة فى إيراد هذا العام والمقدرة حتى الآن بنحو 5 مليار م3 تعوض حجم ما تم تخزينه، وبالتالى عملية الملء الثانى هذا العام لن تؤثر على مصر والسودان، رغم أنها تمت بطريقة أحادية وبدون موافقة دولتى المصب. وأضاف أن هناك تخبطا لدى الجانب الإثيوبى فى عملية السد، بدليل أن هناك تأخيرا فى المنشآت الخاصة بالسد، جعل عملية الملء الثانى لم تتم هذا العام، وهذا تسبب فى ارتباط فى ادارة السدود والتخزين لدى السودان حيث اضطرت السودان لتفريغ كميات التخزين خلف السدود الخاصة بها لاستيعاب كميات الفيضانات هذا العام، وأيضا ساهم فى استقبال مصر إيرادها من المياه قبل ميعادها، مشيرا إلى أن هذا الوضع يعطى فرصة للتفاوض والوصول لاتفاق خلال العام المقبل وقبل موسم الفيضانات العام المقبل وعملية الملء الثالث، ويساعد مصر فى مزيد من ضبط النفس فى مسار التعامل مع هذه القضية. فى المقابل أكدت د.سعاد فقيرى رئيس الاتحاد الإقليمى السودانى التابع لجامعة الدول العربية، على ضرورة استثمار كميات المياه هذا العام بشكل جيد، عن طريق تخزين كميات الأمطار والسيول فى خزانات المياه بالسودان، حتى يمكن الاستفادة منها فى فترات الجفاف. وأشارت إلى أن عملية تخزين الإيراد الزائد من مياه النيل مهمة بالنسبة للسودان، لأن هناك مشكلة فى المياه الجوفية بالسودان بسبب نظم الصرف الصحي التي تتم عن طريق حفر خزانات صرف بعمق 30 مترا مما يجعلها تختلط بالمياه الجوفية، وبالتالى الأفضل أن يتم تطبيق النموذج المصري فى الصرف الصحي حتى نحافظ على الموارد المائية.  

تم نسخ الرابط