قبل الموت بدقائق
ساعة قبل الموت:
يحلُم بِمُغامرة كُبرى تهز واقعه، تنتشله من النسيان، ومن الوحدة، يحلم بامرأة تُلامس وجنتيه، تُداعب شَعرَه، تأخذه إلى اللا منتهى؛ ففى حياته لم يشعر بلمسة حانية؛ فالفقد كان صديقه فى حِله وترحاله.

خمسون دقيقة قبل الموت:
هيئته تَدلُ على أنه لم يأكل مُنذُ شهور، بنطاله مُمزق، وقميصه يُبدى أكثر ما يُخفى من جسده.
يُحاول أن يحتمى من الشمس فى ظل سُلَّم مترو المنيب؛ ولكن مساحة الظل تتقلص كُل دقيقة؛ لتجعله مواجهًا لتعامدات شمس يوليو الحارقة.
ثلاثون دقيقة قبل الموت:
العالم يتحرك بسرعة؛ حاول أن يسابقه؛ فطُحن، حاول أن يُسايره؛ فطُحن، حاول أن يُصادق الظل؛ فُطحن؛ عاش دائمًا على الهامش، يأكل مُهمَّشًا، ويقضى حاجته مُهمَّشًا، لم يتملك أى شىء فى حياته؛ سوى أعضائه، وقد باعها من أجل أن يعيش.
عشرون دقيقة قبل الموت:
تذكّر أنه فى الماضى السحيق ارتاد مَدرسة فى قريته؛ حيطانها من الطوب اللبن، وسقفها من الجريد، وأرضيتها من التُراب؛ ولكنه كان فى ذلك الوقت سعيدًا، كان مُمتنًا للعالم، وَممتنًا لِمُدرسيه؛ ولكن فى لحظة سقطت المَدرسة فوق رأسه.
تمنّى أن يموت فى ذلك اليوم، تمنّى أن ينبت كنخلة فى ملعب المَدرسة؛ ولكنه عاش بعد ذلك أكثر مما أراد.
دقيقة قبل الموت:
سقط أسفل عجلات سيارة، تنهد وابتسم؛ ثم رحل، لم يجد من يستلم جُثته، دفن فى مقابر الصدقة، لم يحضر جنازته أى شخص، لم تكن هناك كاميرات، ولا بث حى لمَشاهده الأخيرة؛ فالحياة فى النهاية مُجرد كفن.



