السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

فى طريقى رأيت الحب

رسم: سوزى شكرى
رسم: سوزى شكرى

توقف يونس من سفره الطويل بين المدن لتوزيع البضائع لشراء بعض الحاجيات من متجر صادفه فى طريقه، دخل المتجر وألقى السلام وبدأ باختيار ما راق له مستمعًا لصوت عذب يقرأ القرآن على مقربة من المكان لكن دون أن يجد له أثرًا، تحرك الفضول داخله مفتعلًا الفوضى فى رأسه فقرّر أن يسأل عن صاحب الصوت .

اقترب يونس للبائع لدفع ثمَن حاجياته سائلًا إياه :

- هل لى بسؤال؟

- نعم تفضل.

- من صاحب هذا الصوت الشجى، هل هو المذياع؟

نقلًا من الكتاب الذهبي عدد يوليو 2021
نقلًا من الكتاب الذهبي عدد يوليو 2021

 

أجاب البائع مع ابتسامة: لا هو صاحب هذا المتجر يقرأ القرآن كل يوم طلبًا من الله أن يشفى زوجته .

- ما أجمل صنيعه، ومنذ متى هى مريضة؟

- ما رأيك أن تجلس وتشاركنى القهوة وأروى لك قصته .

- نعم إنها فكرة رائعة ستعطينى نشاطًا لمتابعة طريقى الطويل.

حضّر البائع القهوة سريعًا وجلب كرسيًا ليونس من خلف المنضدة وبدأ حديثه :

- أنا ريان أعمل هنا منذ العشر سنوات تقريبًا، بدأت العمل هنا عندما أراد العم منذر أن يتفرغ لزوجته التي أصابها الزهايمر، رُغم مطالبة أقاربه أن يتم وضعها فى دار للمسنين أو دار مختصة تهتم لوضعها، رفض الأمْرَ بشكل قاطع وطلب من جميع أقاربهم بمعاملتها بطريقة طبيعية وكأن شيئًا لم يصبها.

لديهما وَلدٌ سافر إلى فرنسا للدراسة منذ عشرين عامًا ولم يعد منذ ذاك الوقت متحججًا بأعذار لها أول ليس لها آخر؛ لشعوره بالعار من أن يعرف أحد هناك عن أمّه وأبيه الجاهلين وغير المتحضرين كما يشاع فى بلاد الغرب، فطال غيابه واعتاد أبواه على هذا، حتى جاء اليوم الذي عرف فيه عن مرض أمّه .

قاطعه يونس على لهفة :قرّر العودة لرؤية أمّه؟ 

- إطلاقًا؛ بل قام بطلب النقود خوفًا من أن ينفقها والدُه على علاج هذا المرض الذي لا أمل منه على حد قوله، دار حوار كبير قاسٍ بينهما كما حدثنى العم منذر آنذاك وتوصل إلى أن يعطيه ثمَن الأرض المجاورة للمتجر لأنه لم يعد بحاجتها كما كان يخطط، وإن كانت الأرض التي سيعود لها ابنه بعد إتمام دراسته ويبنى عليها بيته ويتزوج ويرى أحفاده يركضون أمام المتجر، كل تلك الأحلام تبخرت فى لحظة صراحة أو ربما وقاحة من هذا الابن العاق.

تابع بعد شرب قليل من القهوة: تم توظيفى من قبل عمّى الذي يعرف العم منذر وشكر له فى أخلاقى وأمانتى وسرعة بديهتى فقبل بى العم دون تردد ولم أخيب ظنه يومًا ولله الحمد. 

صادفتنا أيام جميلة نجلس لتبادل أطراف الحديث بينما تضحك زوجة العم على نكاتنا، وأحيانًا ننقسم إلى صفين ويدور بيننا مشاحنات ودية لا أجمل منها فى أوقات لعب الشطرنج أو لعبة الطاولة، وبَيْدَ أنه صادفتنا أيام أخرى سيئة تزداد فيها حالة زوجته الصحية سوءًا تضطرنا لإغلاق  المتجر والذهاب إلى المشفى لحين تحسّنها ولم أكن أمكث معه مجبرًا؛ بل كان يحثنى للعودة للبيت بينما كنت أصر على البقاء بدافع حبى لهما. 

ترقرقت الدموع فى عينَىْ ريان فقام بمسحها وتابع حديثه:

- كان يطعمها ويمازحها ويلاعبها بقلب الأب الحانى على طفلته، ويراعيها ويهتم بعلاجها بيد الطبيب الماهر، ويقص عليها الذكريات والروايات بروح الصديق الوفى، ويقرأ لها القرآن بعين الزوج المحب الذي لم ولن يهنأ  له نوم إلا وهى مرتاحة راضية .

يوميًا يأخذها فى نزهة لتحريك عضلاتهما كما يقول العم لكنى على يقين أنه يجد متعة كبيرة فى خلق مغامرة جديدة لهما فى كل رحلة من رحلاتهما الصغيرة اليومية، فأحيانًا يعود ليروى لى من صادفا وعن أى موضوع سرقهما الحديث عنه فأضحك على عفويتهما الجميلة  أسعد لسعادتهما المميزة .

أخذ يونس نفسًا عميقًا وبعيون حالمة شرد نظره باتجاه بوابة المتجر التي تطل على الطريق العام ليشاهد العم منذر وبصحبة زوجته يمشيان باتجاه الغروب تاركين خلفهما كل شىء إلا إياهما وظلالهما.

 

تم نسخ الرابط