السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

أغدًا ألقاك

رسم: هبة عنايت
رسم: هبة عنايت

أغدًا ألقاك.. يا خوف فؤادي من غدٍ. 

- الله عليك يا ست والله على زمن فات. 

أجلس أنا وزوجتي سامية كعادتنا كل ليلة أمام التليفزيون، على أريكة صالة شقتنا بوسط البلد، مع ذلك الضوء الخافت القادم من "نجفة الصالة"، التي أصبحت هي والأريكة "موضة قديمة عفى عليها الزمن"، مثلما كان يقول لنا أولادنا دائمًا قبل أن يغادروا المنزل واحدًا تلو الآخر، فمنهم من تزوج ومنهم من سافر. ولكن سامية تعتز كثيرًا بكل ما هو قديم وبالأثاث الذي بدأنا به حياتنا الزوجية، دائمة القول "الخشب ده مش هييجي زيه تاني، حاجات الأيام دي كلها خرعة ومنظر على الفاضي". 

نقلًا من الكتاب الذهبي عدد يوليو 2021
نقلًا من الكتاب الذهبي عدد يوليو 2021

 

نظرتُ إلى سامية.. تجلس تمامًا مثلما تجلس كل ليلة في الركن المخصص لها على الأريكة، وكأنه كُتب باسمها، يدها تكاد أن تحفر خدها من كثرة الاتكاء عليها. 

"نضارتي فين يا سامية؟! مش شايف كويس، أنت غيرتي مكانها تاني؟". 

"نضارتك في مكانها يا مصطفى، في درج الترابيزة اللي جنبك مش هتبطل تسألني نفس السؤال كل يوم؟". 

"وأنتى مش هتبطلى تستغربي إني بسألك نفس السؤال كل يوم؟! الواحد خلاص كبر وعجز". 

حفل الست كل ليلة على روتانا كلاسيك في تمام الساعة العاشرة والنصف، أصبحت هي البديل- الآن- بعد أن تعطل الراديو الخاص بنا فأعتقد بأنه قد عفى عليه الزمن هو الآخر. 

أتأمل كثيرًا.. بماذا أبدأ؟!.. بهيبة وأناقة الست، أم ذلك الشاب الوسيم في الخلفية "عازف الجيتار عمر خورشيد"، الفرقة الموسيقية التي تعزف وكأنها آلة لا تخطئ أبدًا أم ذلك الجمهور الراقي الذي أعتقد أنه انقرض هو الآخر مثلما انقرضت الديناصورات، وأخيرًا كلمات الهادي آدم التي تكاد تسكر العقل والقلب. 

ولكنني أكثر ما أتذكره هو المرة الأولى التي استمعت فيها إلى هذه الأغنية، عندما كنت طالبًا في السنة الأخيرة بكلية الحقوق بجامعة القاهرة.. و"نجوى".

نجوى.. هي قصة الحب الأولى، أول شرارة حب مثلما يقولون، ولكنه وللأسف كان حبًا من طرف واحد "حب من بعيد لبعيد"، فكانت نجوى مثل الحلم، الذي لم يُكتمل بالتحقق مثله مثل الكثير من الأحلام التي لم تتحقق. 

لم يكن يجمعنا غير النقاشات التي تدور دائمًا حول الكلية والمحاضرات و"كشكول المحاضرات"، التي كانت تتحدث معي نجوى فقط في حالة أرادت أن تستعين به لنقل بعض الملحوظات المهمة. 

- نجوى.. صباح الخير. 

- صباح النور يا مصطفى. 

- شكلك النهارده أحسن كتير. 

- "آه الحمد لله.. اتحسنت كتير على الدوا اللي كتبهولي الدكتور، بالمناسبة يا مصطفى محتاجة بكرة أقولك على حاجة مهمة.. يا ريت متتأخرش على المحاضرة الأولى زي عادتك". 

 - "طيب ما تقولي دلوقتي". 

- "لا أنا متأخرة جدًا ورايا مواعيد كتير.. سلام يا مصطفى أشوفك بكرة". 

كم كانت طويلة تلك الليلة، وكم انتظرت وكلي شوق وكم أرهقني تفكيري في ماذا تود نجوى قوله.. كم تمنيت كثيرًا أن أسمع من نجوى ما حلمت بسماعه طيلة سنوات الجامعة، وكانت أغنية الست "أغدًا ألقاك" على الإذاعة لأول مرة في الحفل الشهري لها، وشعرت وكأنها تغني لي، توصفني كثيرًا وكأنها تعلم بحالي.

مرت تلك الليلة وكانت كأطول ليالي حياتي، ذهبت إلى الجامعة في ميعادي، بل وقبل ميعادي على ما أظن. 

رأيت نجوى تجلس وحيدة بكافيتريا الجامعة.. منهمكة في بعض الأوراق بين يديها.

-نجوى صباح الخير. 

-صباح النور يا مصطفى. 

لم ترفع نجوى رأسها حتى لتنظر إليّ.. مستمرة في تنظيم تلك الأوراق. 

- "كنتي عايزه تقوليلي حاجة يا نجوى امبارح؟".

-"أيوه صحيح.. اتفضل يا مصطفى دي دعوى لحفلة خطوبتي الجمعة الجاية في بيتنا.. أنا عزمت عدد قليل جدًا من زمايلنا وقلت لازم تبقى أنت منهم.. يلا سلام يا مصطفى، لازم أمشى دلوقتى وهستناك إن شاء الله".

مصطفى، تشرب شاي معايا؟

  - مصطفى. 

- أيوه! 

-مالك سرحان في إيه.. بقولك تشرب شاي معايا؟ 

-كنت بتفرج على حفلة الست. 

-الحفلة خلصت يا مصطفى.. ها اعملك شاي؟ 

- يا ريت يا سامية من فضلك.

  - آه يا سامية لو تعرفي كنت سرحان في إيه!

 

تم نسخ الرابط