عزلة البحث عن الذات
(قارب من ورق)
لم يشعر من قبل مثل هذا الشعور بالذنب القاتل لماذا تقتله أخطاؤه دائمًا والممتدة فى حياته منذ الصغر، هل هو مُصاب بمرض عدم التفكير الإيجابى ولماذا عندما كان طفلًا يلهو ويلعب حينما شاء وفى أى مكان، ولكن الآن يلعب فى منطقة محظورة وفى وقت يحدده عقله الذي يصبح بمثل هبوط اضطرارى يهبط فى أى مكان دون يعلم أن ذاك المكان النجاة أو الحياة هل أصبح مريضًا نفسيًا بعدما هرب من عالم الواقعى الذي يعايشه دون هواية، أو أصبح ذا عقلية خيالية ترسم لذاتها طريقًا آخر ليس له مَعالم أخرى غير الفكر الخيالى دون أن يتعلم اللغة الإيجابية من الحياة الواقعية..
يتحدث إلى عقله، ودائمًا يروغ بردود وأفعال ذات فكر مستقل وكأنه ذاك العقل ليس له يتحدث من منبر إلى فكر ليس فكره أنه ارتكب خطأ عندما تحدّث ذات غير ذاته، ولكن انتصر عليه ذاك المرّة؛ لأنه لم يكن عليه محاربة ذاته الذي لم يكتشفه بعد واستسلم دون أى معركة وانسحب وذهب إلى عالم آخر..

وكيف يكون رحّالة فى عالمه الذي صممه للهروب من سلبيته من أمام نفسه ومن أمام فكر البشر الذين يغيرون أدوارهم فى الحياة باستمرار من أجل حياة باهتة تحتوى على ما هو قابل للكسر حتى صنعت بشكل مؤقت ذات ظروف بيئية معقدة، حتى الحرباء تقوم بدورها الطبيعى بتلاعب بالألوان فى إطار التمويه لكى تعيش وتأكل من استراتيچية الخالق، ولكن هى الآن تنقرض بسبب البشر الذي استولى على هويتها..
والطائر الذي يغرد بأسرار الآخرين لصالح شخص يصرخ من معرفة الحقائق ليملك نقاط ضعف ليستأجرها لبعض الأشخاص المرضى.. حتى الزواحف لم تسلم من سرقة البشر.. أين الآن البشر؟، هل هم موجودون على الأرض؟ إذن هم لم يهبطوا من الفضاء، إذن هم نماذج متطورة ذات طابع صناعي من الدرجة الثالثة الآن من حولى هى روبوتات تمت برمجتها من أجل النفوذ والمصالح والسُّلطة من أجل البقاء، حتى الروبوتات تم تصنيعها من أجل تقديم المساعدة!..
هو الآن يهرب قبل أن يتم استئصال جزء من عقله وبرمجته كى يكون قاتلاً أو قتيلا أو مستغلاً أو يستغل حتى يمكن يصبح مهرجًا يرسم ابتسامات من القلب للقلب، وإذا انتهاء العرض يبحث عن أحد يضحكه حتى المهرج لديه شعور بالغربة لن يصبح مهرجًا أو روبت حتى لا ينفع أن يكون الرجل الخفى سوف يكتشف من قبل الأشعة البنفسجية إذن سوف يكون رحالة فى المحيط، لم يختَر الصحراء، إنها بكل بساطة لم تكن مغرية إطلاقًا له رغم كنوز رمالها الذهبية..
ولكن اختار المحيط من أجل الغموض والانعزال أو العزلة الصامتة، ولن تكون صلته بالأرض ذات الزرع الزائف والبشر المستنسخين، المحيط بطبيعته لن يقدر أحدٌ على تغيير مساره لأنه من دون اتجاهات على أن يصبح ذات أمواج هائجة متعثرة على أن يصبح هادئًا سوف يخدعه لوهلة على أنه ذات سطح زجاجى يعكس ضوء الشمس الساطع ليعطى فرصة للمشى عليه واتخاذ فرصته الأولى، وهى الانعزال الافتراضى من ثلاث فرص لمعرفة من هو وما يحتوى من ذات..
لقد صنع قاربًا من ورق كتاباته التي يتحدث إليها إلى ذاته وكأن تلك الورقة خريطة للوصول لكنز ما، لقد رسم فى تلك الورقة المكان الذي يريد التواجد فى مخيلته، وكأن ذاك المكان حقيقى أمام عيونه يحتاج القارب لمياه وهو بداخله من خياله العميق لبدء رحلته، وخرج من غرفته ليلا إلى الشارع ومعه شنطة رحيله من أمام باب منزله، وقف فى أوسطه وهو بملابسه الصيفية ولم يكن عنده وعى أنه فى شهر طوبة الذي جمع ما بين الصقيع والرياح والأمطار الغزيرة..
ولقد تبلل كليًا وكأنه فى صراع مع الأمواج، ووقف معصوب العينين لمدة دقيقة واحدة، وتم نقله من الأمطار إلى المحيط إلى جزيرة عزلته بواسطة قاربه المصنوع من الورق.. تلك الدقيقة كانت لمدة سنة فى ذهنه..
وأيضًا تواجده فى الجزيرة المنكوبة..
وإذ يستيقظ على أصوات الأمواج الصاخبة..
ويده لا تلمس إلا الرمال وفى ليلته الأولى قضيها فى كوخ من أوراق الأشجار وما بين ضوء القمر وصوت المحيط الهادئ، لقد استغرق أسابيع ما بين بحثه عن الطعام والشراب نهارًا وفى الليل يكون محاصرًا من الخوف والتوتر والقلق والهلوسة التي باتت تلاحقه فى يأسه..
ولقد رآه روح هائمة ترسم على الشاطئ تطلب النجاة وروح نائمة على الشاطئ كلما يقترب منها الموج تختفى، وروح عائمة وسط الأمواج تستغيث من الغرق وتختفى، وروح ودودة تبتسم ثم تركض نحوه ثم تختفى فى الرمال، ويسمع أيضًا صراخ وبكاء وأصوات أشخاص تتكلم بلغات عدة، تلك اللغات واللهجات تتحدى سكونه وإيمانه، كانت أصوات الذين من قبله، إذن هم أجساد أموات ولكن أحياء لمن ينضم إليهم، كانت رحلته مثل مقاومة شرسة لمرض ما بعدما تدهورت حالته الصحية والنفسية..
ولكن فى حقيقة الأمر كان مستلقيًا فى سريره بعد ما أخذ دور برد قاسٍ، فقد نقل تجربته الخيالية إلى مرضه للتخلص من معاناة التي تحدث بداخله..
ولقد عزم على الرحيل وقد صنع قاربًا من عروق الأشجار.. ولكن بات بالفشل مع اول موجة ترحيب..
وبعد محاولات متدنية وقرب وقت غروب الشمس تذكر قاربه المصنوع من الورق ولكنه لم يجده، أغلق عينيه ثم فتحهما مرّة أخرى يرى خلفه قاربه مع الأرواح الهائمة، لقد استدعاها من مخيلته للبحث عن قاربه والتي بجانبه من خلال قصة مغامرة الجزيرة المهجورة ثم رحل إلى فرصته الثانية.. ولكن رأى نفسه من المحيط إلى العزلة الواقعية فى غرفته المظلمة التي هى موطنه قضى فيها أكثر من ثلاثة أشهر معزولاً عن أفراد أسرته وعمله، وفى لحظات كثيرة يشعر وكأنه مسجون بحُكم إرادته التي استدرجته الى محاكمة غير عادلة.. وكأنه الجانى وليس المجنى عليه..
عايش تحت حُكم الإقامة الجبرية لحين إثبات صحة قواه العقلية والنفسية وتحت
متابعة دكتور المصلحة كان العلاج النفسى..
له أن يكتب يومياته ويرسم أيضًا..
وخلال فترة العلاج يأكل من فتحة الباب المصفح.. هو الآن معزول عن العالم الخارجى وعن الحركة وفى الظلام لم يرَ يده ويشعر ببرودة وكأنه متشرد مستلقى تحت كوبري المشاة بملابس مرقعة.. لم يستطيع أن يحصل على غطاء من غرفته فقد شل عقله حركته وتجريده من حريته وعندما يذهب إلى النوم يسمع إلى أصوات وتحركات فى غرفته يستطيع إضاءة النور ولكنْ شىء ما يترصده فقط فى ذاك الوقت، هل هى الوحدة القاتلة التي تمحو الأشخاص من أمامه وتبنى عش العنكبوت أمام عينيه الذي لا يعرف إلاّ الأماكن المهجورة والمظلمة..
كان يتسارع الأمل مع اليأس مثل طاقة النور والظلمة من أجله..
لقد تخطى تلك المرحلة وخرج من غرفته بشهادة حُسن سير وسلوك التي كتبها لنفسه، فهو كان الدكتور والمريض..
وكان قلمه العلاج الناجع لذاته..
الفرصة الأخيرة..
المواجهة..
عندما أخذ قرارًا بالرحيل عبر بوابة الإبداع إلى بوابة الخيال التصويرى للحياة التي تم بناؤها من وحى الفكر التعبيرى وكيف يبنى فى عقله محرك الفكر الإيجابى، وكيف يعرف أنه على حق، وكيف إحساسه يقوده إلى الصواب وبما تم اختيار طريق الفكر الإبداعى، ويتحدث إلى ذاته دائمًا بفكر ذات ردود أفعال إيجابية، إنها ليست تجريبية إطلاقًا؛ وإنما ذات طابع تنفيذى..
وحصل من تلك التجربة على حافز للبحث والعثور على جائزة لا تقدَّر بثمن
عندما رأى نفسه لأول مرة وعثر أيضًا على ذلك الصديق هو الآن يعيش فى عالم الواقع وبات عنده
تحديث بشخصيته إلى الأفضل من خلال رؤيته الفكرية وأيضًا من خلال قلمه المكتشف عن الذات. . . .



