السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

3 وثبات عسكرية مصرية صنعت أسطورة الدفاع الجوى فى حرب أكتوبر 

المشير محمد علي فهمي
المشير محمد علي فهمي

كانت لحظة عبور قناة السويس فى حرب 6 أكتوبر المجيدة لحظة فاصلة فى تاريخ العسكرية المصرية، عندها انطلقت صواريخ الدفاع الجوى المصرية المضادة للطائرات فى حصد طائرات العدو واحدة تلو الأخرى، لتحقق قواتنا العبور العظيم.

وخلف تلك السيمفونية العظيمة التي عزفتها قوات الدفاع كان هناك قائد مصري عظيم يدعى محمد على فهمى "حارس السماء المحرقة"، كما أطلقت عليه وكالات الأنباء العالمية أثناء الحرب.

وتبدأ الحكاية فى في أعقاب حرب يونيو 1967 عندما استدعى الرئيس جمال عبد الناصر، اللواء محمد على فهمى، وكلفه بوضع تصور لمنظومة دفاع جوي عن مصر، وهي المهمة التي أداها بنجاح منقطع النظير، ما دفع الرئيس عبد الناصر لإصدار القرار 199 فى 1 فبراير 1968 بإنشاء قيادة الدفاع الجوي.

وفي 23 يونيو 1969 أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قراراً جمهورياً بتعيين اللواء محمد على فهمى قائداً لقوات الدفاع الجوي، معلنًا بذلك ميلاد القوة الرابعة في القوات المسلحة، بجانب القوات البرية والبحرية والجوية، وشارك على فهمي في حرب الاستنزاف كقائداً لقوات الدفاع الجوي، وقام بإنشاء حائط الصواريخ ليضع حداً لتوغل الطيران الإسرائيلي فى الأجواء المصرية.

درس الرجل أسباب نكسة 1967 والدروس المستفادة منها، ثم أعاد تأهيل الجندي المصري معنوياً وجسمانياً وذهنياً، وقام بإنشاء نظام دفاع جوى جديد في منطقة الجيشين الثاني والثالث بالجبهة.

 

 

واجهت محمد علي فهمي في بداية توليه المسؤولية أزمة التسليح، فمعظم الأسلحة التي كانت تحت تصرفه من مخلفات الحرب العالمية الثانية وحرب يونيو 1967، وعندما أرسل الرئيس جمال عبد الناصر نائبه فى ذلك الوقت أنور السادات إلي موسكو لطلب السلاح، لم يوافق السوفييت سوي علي جزء بسيط من الأسلحة المطلوبة، ما دفع عبد الناصر للسفر بنفسه إلي موسكو في 22 يناير 1970 وتم الاتفاق علي السلاح المطلوب.

بعد وصول الأسلحة الروسية بدأ محمد علي فهمي في بناء حائط الصواريخ الذي أدى إلى ابتعاد طائرات الاستطلاع الإسرائيلية شرق القناة إلى مسافات كبيرة.

ذلك الحائط كان أحد أهم أسباب النصر في حرب أكتوبر، وقال عنه الكاتب الإسرائيلي حاييم هيرتزوج في كتابه "الجولات العربية الإسرائيلية": لم يكن إنشاء حائط الصواريخ المصري في عام 1970 بهدف حل مشكلة المصريين في حماية قواتهم غرب القناة، وإنما كان تحولاً إستراتيجيا لم نفهم معناه إلا بعد 3 سنوات، في أكتوبر 1973.

 

 

وحول ملابسات بناء هذا الحائط قال اللواء محمد على فهمي في حوار صحفي قبل وفاته بشهور: "بعد وصول الأسلحة الروسية المطلوبة، أصبح بإمكاننا التحرك لبناء حائط الصواريخ غرب القناة لحماية التجمع الرئيسي لقواتنا التي ستنفذ الهجوم فيما بعد، وهو ما أثار إسرائيل وأعلن موشيه ديان أنها لن تسمح للقوات المصرية بتحريك صواريخ سام-3 إلي غرب القناة، واعتبروا هذا التحرك عملاً هجومياً ضدهم، لكن هذا لم يثننا وبدأنا خطة التحريك، وخططنا لنقلها علي ثلاث وثبات، كل منها تحمي التي قبلها، الأولي تمت في 30 يونيو 1970 واقتربت الصواريخ لتصبح علي بعد 50 كيلو متراً من قناة السويس، وخلال أسبوع واحد أسقطنا 26 طائرة، ثم بدأنا الوثبة الثانية في يوليو 1970 وتحرك حائط الصواريخ حتي 30 كيلو متراً من القناة، وحتي ليلة 7 أغسطس كنا قد أسقطنا 51 طائرة إسرائيلية، فطلب الأمريكان وقف إطلاق النار، وطرحت مبادرة روجرز التي وافق عليها جمال عبد الناصر، أما الوثبة الثالثة فكانت ليلة وقف إطلاق النار في السابع من أغسطس 1970، كنا قد وصلنا إلي 10 كيلو مترات من قناة السويس، واكتملت بذلك الصورة التي خططنا لها، وبدأت عمليات بناء المواقع المحصنة للمرة الثانية، وبنينا النسق الأول، ثم النسق الثاني لتصبح علي بعد كيلو متر واحد من القناة، لكن هذه المواقع ظلت هيكلية، أي خالية، حتي تحركنا إليها  أثناء حرب أكتوبر 1973.

وفى التاسع من شهر سبتمبر  1971، أمر اللواء محمد علي فهمي قواته بتنفيذ العملية "رجب"، لمنع العدو من استطلاع القوات البرية شرق القناة، ونجحت الدفاعات المصرية بالفعل في إسقاط طائرة استطلاع إلكتروني ضخمة تابعة للعدو شرق القناة، واحتجت إسرائيل على إسقاط الطائرة الذي أدى إلى فقدانها مجموعة من خيرة ضباطها ومهندسيها، وفى اليوم التالي قامت إسرائيل بهجمة جوية بقوة 34 طائرة تحمل كل منها صاروخين من طراز "شرايك" المضادة للرادارات، وأطلقت 68 صاروخاً على مواقع الدفاع الجوي غرب القناة، لكن الخسائر المصرية كانت لا شيء تقريبًا. واستمر اللواء محمد على فهمى في أعمال التطوير حتى أكتوبر 1973، وفى وقت قياسي استطاع تجهيز سلاح الدفاع الجوي للمعركة، حيث لعب دوراً حاسماً في معارك أكتوبر 1973.

 

 

 

في اليوم الأول من حرب أكتوبر وبعد 40 دقيقة فقط من اندلاعها، شنت إسرائيل أول هجمة جوية علي قواتنا غرب القناة وعلي المعابر، وتصدت لها قوات الدفاع القوي، وتمكنت من إسقاط 18 طائرة، فأصدر قائد القوات الجوية الإسرائيلية، بنيامين بليت، أوامر بعدم توغل الطائرات الإسرائيلية لمسافة 15 كيلو متراً غرب قناة السويس، حتي يتجنب الخسائر الكبيرة في الطائرات، وهو ما أسهم فى عبور قواتنا بنجاح. وفى مساء السادس من أكتوبر شنت إسرائيل هجمة جوية لمنع قواتنا من استكمال التدفق والعبور، لكن قوات الدفاع الجوي تصدت لها بقوة وأحبطت محاولات وقف العبور أو تعطيله.

 

ووفق المصادر العبرية تكبد سلاح الطيران الإسرائيلي خسائر كبيرة بسبب قوة ويقظة قوات الدفاع الجوي بقيادة اللواء محمد علي فهمي، وأصبح مجموع ما سقط من طائرات إسرائلية حتى الساعة العاشرة وعشر دقائق مساء يوم 6 أكتوبر  25 طائرة. وحول دور اللواء محمد على فهمى في الحرب، قالت مجلة "أرميه" العسكرية الفرنسية: إنه من أبرز الشخصيات العسكرية في العالم، وأحد كبار المتخصصين في النواحي الفنية العسكرية.

 

بينما قالت عنه مجلة "أسبوع الطيران وتكنولوجيا الفضاء" الأمريكية: إنه مهندس معركة الدفاع الجوي في حرب أكتوبر 1973. ولد المشير محمد على فهمى في 11 أكتوبر 1920 بمحافظة الجيزة، وحصل على الثانوية العامة من مدرسة فؤاد الأول عام 1937، ثم التحق بالكلية الحربية في عام 1938 وتخرج فيها في 1 نوفمبر 1939، والتحق بسلاح المدفعية متخصصاً في المدفعية المضادة للطائرات.

قوات الدفاع الجوي فى حرب اكتوبر
قوات الدفاع الجوي فى حرب اكتوبر

 

 

شارك في الحرب العالمية الثانية وحروب 1948، 1956 و1967، وحرب الاستنزاف، وأخيراً حرب 6 أكتوبر 1973. تلقى دراسات عليا بأكاديمية الدفاع الجوي في كالينين بالاتحاد السوفيتي، وعمل مدرساً بمعهد الدراسات لكبار الضباط 1952-1962، بالإضافة لإدارة عمليات الجيش 1952-1958، وقائداً للفرقة الثانية المضادة للطائرات 1958، والفرقة الرابعة عشرة 1958-1959، والرابعة والستين 1959-1961، وقائد المجموعة السادسة مدفعية 1961-1963، والفرقة الخامسة 1963-1966، ورئيس أركان الدفاع الجوي 1968-1969، وقائداً عاماً للقوات المسلحة 1975-1978، ثم مستشاراً عسكرياً لرئيس الجمهورية 1978. 

حصل محمد علي فهمي على وسام التحرير، ووسام النجمة العسكري، ووسام نجمة الشرف العسكري، ووسام الشرف العسكري من سوريا، ووسام الملك عبد العزيز من المملكة العربية السعودية، ووشاح النيل والعديد من الأنواط والميداليات في المناسبات القومية. وبعد نهاية حرب أكتوبر 1973 تولى البطل المشير "محمد على فهمى" رئاسة أركان حرب القوات المسلحة، وذلك في عام 1975، وفي عام 1978 اختاره الرئيس محمد أنور السادات، مستشاراً عسكرياً له.

وفي يوم الأحد 12سبتمبر 1999 رحل البطل المشير محمد علي فهمي عن عالمنا، تاركاً تاريخاً عسكرياً كبيراً ومسيرة باهرة قلما تجتمع أحداثها البطولية فى شخص واحد.  

تم نسخ الرابط