دراسة تاريخية جديدة لسليمان حسين تكشف: "نقيب أشراف الإسكندرية كان أوروبيًا"
«لم يقتصر دور نقابة الأشراف المصرية في العصر العثماني على توثيق نسل آل البيت النبوي الموجودين في مصر منذ زمن بعيد، بل كان تضم ايضا الأشراف الواردين على مصر من الولايات الأخرى، مثل الأشراف الشوام والأشراف المغاربة والأتراك (الأروام) وأشراف أخرين من بلاد متفرقة».
هكذا يقول الدكتور سليمان محمد حسين أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة كفر الشيخ المصرية، في كتابه الصادر حديثا «السادة الأشراف في مصر منذ أوائل القرن السادس عشر حتى أوائل القرن التاسع عشر».
واشتقت كلمة الشريف من الشرف والرفعة والسمو، ولذلك كانت تطلق على شخص ينتسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وبشكل خاص على أحفاد الحسن والحسين، وعلى أفراد البيتين الوفائي والبكري في مصر.
وحسب الدراسة، فإن نقابة الأشراف المصرية نشأت كنقابة فرعية للنقابة الرئيسية في بغداد، التي تأسست في القرن الثالث الهجري – التاسع الميلادي، بعد أن تكاثر الأشراف لدرجة جعلت من السهل على أي إنسان ادعاء النسب الشريف، ويشير إلى أن النقابة المصرية استقلت عن الرئيسية في بغداد في عهد احمد بن طولون.
ويذكر كتاب «السادة الأشراف في مصر منذ أوائل القرن السادس عشر حتى أوائل القرن التاسع عشر أن نقابة الأشراف المصرية « لم تفرق بين الأشراف الواردين من ولايات بعيدة في العصر العثماني، وبين الأشراف الذين وفدوا على مصر منذ زمن بعيد».
بل ويشير إلى أن «بعض الأشراف الواردين على مصر تولوا وظائف هامة في نقابة الأشراف شأنهم في ذلك شان أشراف مصر»، ويضرب مثالا بأن «أحد الأشراف من البوسنة ( في شرق أوروبا ) عاش في الإسكندرية فترة طويلة ، وتولى نقابة الأشراف بها ، وان شريفا آخر من مراكش تولى نقابة الأشراف بدمياط ».
وقد اعتمدت الدراسة على الوثائق غير المنشورة والمتمثلة في سجلات المحاكم الشرعية المحفوظة، وأرشيف الشهر العقارى بالإسكندرية وسجلات الشهر العقاري بدمنهور ، وسجلات محاكم الأقاليم المحفوظة بدار الوثائق القومية بالقاهرة وعدد كبير من المخطوطات والمصادر المطبوعة والمراجع العربية والأجنبية.
ويتناول الكتاب الذي يقع في ستة فصول موقف السادة الأشراف في مصر عقب الفتح العثماني، ونظرة العثمانيين إليهم، والسياسة التي انتهجوها معهم . ونشأة النقابة والدور الذي لعبته في حفظ أنساب الأشراف وصرف مرتباتهم والدفاع عن حقوقهم والفصل في المنازعات التي تنشب بينهم، بالإضافة الى طريقة تعيين نقيب الأشراف ومساعديه والموارد المخصصة له وعلاقته بنقياء الأشراف في الأقاليم، وبعض والوظائف الإدارية في المقابة مثل الكتخدا الأشراف، والباش جاويش، والجاويشية، والكاتب، والتراجمة، والسجانون والحراس.
ويقول د. سليمان حسين «كان السلطان العثماني هو صاحب السلطة العليا في تعيين النقيب ، اذ كان يختار واحدا من أبرز الأشراف الموجودين في استنبول ، وخاصة في القرنين السادس عشر والسابع عشر ، وربما كان لنقيب الأشراف في أستنبول دور استشاري على أقل في اختيار نقيب أشراف مصر بما له من دراية ومعرفة جيدة بالأسر البارزة من أشراف في تركيا نفسها ، وفي كل الولايات التابعة لها».
لكنه يضيف «منذ بداية القرن الثامن عشر لم يعد من الضروري أن يأتي نقيب الأشراف من استنبول، وإنما أصبح يتولى المنصب من مصر أشخاص مشهود لهم بالاستقامة عفة والتدين، اذ تشير سجلات المحاكم الشرعية إلى أسماء بعض الأسر المشهورة من الاشراف التي تولى أفرادها نقابة الأشراف في مصر ، مثل أسر برهان التي كانت تسكن القاهرة، وتولى منها أربعة نقباء في فترات مختلفة اثر تناوب، أفراد البيت الوفائي والبيت البكري منصب النقيب في مصر حتى تولاها في نهاية العصر العثماني السيد عمر مكرم مما يثبت أن نقابة الأشراف في مصر أصبح يتولاها أي شخص من الأشراف المقيمين في القاهرة أو في الأقاليم المصرية».
ويسلط د. سليمان حسين الضوء على دور السادة الأشراف في النواحي السياسية والإدارية والعسكرية من خلال علاقة نقيب الأشراف بالباشا من جهة، والأمراء المماليك من جهة أخری . ودورهم في الجهاز المالي والإداري من خلال شغلهم عددت من الوظائف في الديوان العالي وديوان الروزنامة، والقضاء، وعلاقتهم بالأوجاقات العسكرية وموكب الحج.
وتركز الدراسة العديد من المجالات الاقتصادية التي عمل فيها الأشراف، ومنها الزراعة والتزام الأراضي الزراعية والالتزام الحضري والتجارة الداخلية والخارجية وعديد من الحرف والمهن، وإدارة العديد منهم للأوقاف الأهلية والخيرية.كذلك دورهم في الحياه الدينية والعلمية ، ويتضح ذلك من اهتمامهم بيناء وترميم الأماكن الدينية والعمل فيها، وكذلك دورهم في التصوف من خلال علاقاتهم بأرباب الطرق الصوفية، هذا إلى جانب اهتمامهم بالنواحي العلمية الذي تمثل في حرص العديد منهم على الإلتحاق بالأزهر الشريف. ويوضح أماكن تركزهم ، ونظرة العثمانيين لهم، وأهم عاداتهم وتقاليدهم الخاصة بهم وعلاقاتهم فيما بينهم وبفئات المجتمع الأخرى.



