أطلال مدينة أودغست الأثرية
تقع أطلال مدينة "أودغست" جنوب غربي الصحراء الكبرى، وهي توجد الآن ضمن أراضي موريتانيا. وهي من المراكز التجارية المهمة في تلك المنطقة، لا سيما بفضل تجارة الذهب والملح.
تُعد مدينة "أودغست" Audghust (موريتانيا حاليًا) من أهم المراكز التجارية القديمة التي تتوقف بها القوافل القادمة من شمال إفريقيا صوب أسواق الذهب جنوب الصحراء. وقد برز دور هذه المدينة منذ تأسيسها الأول على ملوك غانة القدامى لا سيما من السوننك (أو السوننكي).
وشعب "السوننك" هم المؤسسون الأوائل لتلك المدينة القديمة (أي أودغست)، وشعب السوننك هم كذلك مؤسسو مملكة غانة القديمة، لا سيما أن جزءًا كبيرًا من أراضي دولة موريتانيا (حاليًا) كانت تقع في الماضي ضمن المناطق التي كان يحكمها ملوك غانة القدامى، ومنها عاصمة هذه المملكة، وهي مدينة كومبي صالح.
وحكام دولة المرابطين لما قدموا إلى مملكة غانة كانت "أودغست" يحكمها في ذلك الوقت ملوك السوننك. وكانت مدينة "أودغست" من المراكز التجارية المهمة بفضل تجارة الذهب، وكان الذهب القادم من مملكة غانة وأسواقها يصدر من أودغست، وكان يتم بها تصفية الذهب، وصهره، ثم تنقيته من الشوائب، ولهذا اشتهرت أودغست بجودة ما بها من الذهب، وتذكر المصادر "أن ذهب أودغست أجود ذهب الأرض، وأصحه".
ولقد كان يتم استيراد قطع الذهب إلى مدينة أودغست خامًا، ثم كانت تتم معالجته على يد الحرفيين والصناع المهرة في أودغست، ثم كانوا يعملون السبائك الذهبية، أو العملات الذهبية. وكان الطلب على ذهب -أودغست خاصة في العصر الفاطمي وخلال سيطرتهم على -المغرب يأتي خاصة من سجلماسة (جنوب المغرب)، وهي المدينة التي تؤدي مباشرة إلى مدينة "أودغست".
كما اشتهرت مدينة أودغست بـ"تجارة الملح"، وكان يُصدر منها إلى غانة، ومن أهم مناطق إنتاج الملح "أوليل" التي تبعد مسيرة شهر عن أودغست، أي حوالي 1200كم. ولما قلت أهمية أودغست بمرور الزمن، أخذت مكانها "تغازي"، وصارت مركزًا لتصدير الملح لبلاد السودان الغربي، حتى إن الرحالة ابن بطوطة (ت: 779ه) في رحلته من مدينة سجلماسة لم يتحدث عن مدينة أودغست، حيث كان قد أفل نجمها في هذا الوقت، ومن ثمة فقد كانت القوافل التجارية تعبر منطقة "تغازى" بدلًا من مدينة أودغست.
وتُعتبر مدينة "أودغست" من المدن الأثرية القديمة ذات الأهمية الكبيرة خاصة بالنسبة لكل من الباحثين والأثريين، على حد سواء، وكان الذهب القادم من غانة يصدر من مدينة أودغست، وأسواقها العامرة، وكان يتم في مدينة "أودغست" تصفية الذهب، وصهره، ومن ثم تنقيته من الشوائب.
وعلى هذا، اشتهرت مدينة "أودغست" بجودة ما بها من المعدن النفيس، ولهذا يذكر أبو عبيد البكري، (وغيره من المؤرخين القدامى): "إن ذهب أودغست أجود ذهب الأرض، وأصحه".
ولا ريب أن كشف الأثريين عن منطقة الحي الصناعي في أودغست من أبرز الأدلة على مدى تطور الصناعات والحرف في هذه المدينة، وأن الصناع والحرفيين في أودغست كانوا من ذوي المهارات.
وتذكر المصادر التاريخية أنه كان يتم استيراد الذهب إلى أودغست في شكله الخام، ثم كانت تتم معالجته فيها، وكان الصناع والحرفيون في أودغست يقومون بعمل السبائك الذهبية، أو العملات الذهبية التي كانت تستخدم كوسيلة للتعاملات التجارية في أسواق غرب إفريقيا. ولقد كان الطلب على الذهب المصدر من أودغست، خاصة في حقبة "العصر الفاطمي"، وخلال سيطرتهم على بلاد المغرب، خاصة من مدينة سجلماسة.
واشتهرت مدينة أودغست بسبك النحاس، وتصنيع الأدوات النحاسية، ولهذا كان النحاس يصدر منها إلى أسواق شمال إفريقيا، والمغرب. ولهذا يقول البكري عن هذه المدينة وشهرتها بالصناعات النحاسية: "ويتجهز منها (أي من أودغست) بالنحاس المصنوع..".
وكان النحاس يأتي إلى الأفران والمصانع بمدينة أودغست من العديد من مناجم النحاس الصحراوية، لا سيما تلك المناجم التي تقع بالقرب من هذه المدينة (أودغست)، ولعل من أبرزها: مناجم تجالت أم أكجار، ومناجم أكجوجت، وكذلك كان الصناع يأتون بالنحاس إلى مدينة "أودغست" من مناجم أنيورو.
وقد كشف الأثريون عن العديد من الأفران التي كانت تستخدم لسبك النحاس في أودغست، وكان أشهر تلك الأفران التي كشف عنها في الحي الصناعي بمدينة أودغست القديمة. كما تم الكشف في أطلال مدينة أودغست عن بقايا الفخار ذات الجودة، وكان منها أيضا أدوات فخارية كانت مستوردة من أسواق الشمال، وهو ما يشير إلى ازدهار صناعة الفخار في هذه المدينة.
كما عثر الأثريون في أطلال مدينة أودغست القديمة على مواد مصنوعة من الزجاج، وهي ذات جودة، وتتميز هذه الأدوات بأنها ذات أشكال وطرز متنوعة، ومن أبرزها الأواني الزجاجية، والكؤوس، والأقداح، والقوارير، هذا إضافة إلى العديد من أشكال الحلي الزجاجية الأخرى.
ومن اللافت، أن العلماء والأثريين تمكنوا من العثور في أطلال المدن- التي تؤرخ ليام الأغالبة في شمال إفريقيا، لا سيما تونس- على مصنوعات زجاجية ذات أشكال وزخارف على غرار التي وجدت في الأطلال القديمة لمدينة أودغست.
وتمكن الأثريون من خلال ما تم الكشف عنه في أطلال مدينة أودغست ومواقعها الأثرية القديمة من الاعتقاد بأن المواد والمنتجات الزجاجية كانت من أهم المواد والسلع التجارية التي كان يتم تبادلها بين تجار شمال إفريقيا ومصر من جانب، وتجار السودان الغربي من جانب آخر.
وعلى أي حال تمكن الأثريون من خلال ما تم الكشف عنه في أطلال أودغست ومناطقها الأثرية القديمة، من الاعتقاد بأن المواد والمنتجات الزجاجية كانت من أهم المواد والسلع التجارية التي كان يتم تبادلها بين تجار شمال إفريقيا ومصر من جانب، وتجار السودان الغربي من جانب آخر.
ومن المؤكد أن الصناع والحرفيين في مدينة أودغست كانوا قد استفادوا بدورهم من تقنيات المصنوعات والمنتوجات الزجاجية في مصر وشمال إفريقيا، وكذلك في بلاد الأندلس، وهو ما يشير لازدهار هذه الصنعات في تلك المدينة.
ومما يؤيد هذا الرأي أن الأثريين كانوا قد عثروا في مواقع "أودغست" القديمة على أفران كانت تستخدم لعمليات "صهر الزجاج" كانت تصل درجة الحرارة بها إلى نحو 1000 درجة، وربما كانت تصل إلى أكثر من ذلك، وكان وجود تلك الأفران مرتبط بالصناعات الزجاجية.
كما اشتهرت مدينة "أودغست" بـ"تجارة الملح"، وكان يصدر منها إلى مملكة غانة، ولعل أهم مناطق إنتاج الملح بها يأتي من منطقة تعرف باسم: "أوليل"، التي كانت تبعد مسيرة شهر عن مدينة أودغست. غير أنه لما قلت أهمية أودغست التجارية بمرور الزمن، ومن ثم أخذت مكانتها، وأهميتها مدينة أخرى وهي: "تغازي"، حيث صارت تغازي مركزا مهمًا لتصدير الملح إلى السودان الغربي بدلا من مدينة "أودغست". حتى إن الرحالة ابن بطوطة في رحلته من مدينة سجلماسة لم يتحدث عن مدينة أودغست التي كانت فيما يبدو قد أفل نجمها، وكانت القوافل تعبر منطقة "تغازى" بدلًا منها في ذلك الوقت.
متخصص في التاريخ والتراث الإفريقي



