الأربعاء 24 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

حكايات وأسرار حول الصحراء الإفريقية

د. إسماعيل حامد
د. إسماعيل حامد

    تعتبر تلك الصحراءُ أكبر الصحارى في العالم، وهي تعتبر أكثرها اتساعًا، وامتدادًا جغرافيًا. وتضمُ الصحراء مناطق وأقاليم شاسعة الامتداد في بلاد شمال إفريقيا، وبلاد المغرب، ومن ثمة فإن لها أهمية كبيرةٌ سواء من الناحية الجغرافية، أو التاريخية، بل والدينية. وتبلغ مساحةُ الصحراء نحو 10 ملايين كيلومتر مربع تُعادل تقريبًا ثُلث مساحة إفريقيا، بينما يبلغ امتدادها نحو 5 آلاف كم من البحر الأحمر شرقًا، وحتى المحيط الأطلنطي غربًا. 

 

كما راجت تلك الميثولوجيات الشعبية، من خلال الدور المهم الذي لعبته التجارة الصحراوية، وحركة القوافل عبر دروب الصحراء الوعرة والمعقدة، ودورها في التواصل الحضاري والشعبي، واحداث أنماط من التأثير والتأثر بين شعوب تلك الصحراء، وكذا من خلال البحث عن الذهب والثراء في أسواق الجنوب، وحواضره الكبرى، مثل: تمبكتو (تنبكت)، وجاو، وجني.. الخ. 

 

ولا يزال تاريخ هذه الصحراء الجيولوجي- قبل أن يقطنها الإنسان الإفريقي القديم، أو حتى بعد أن سكنها- أمرًا يكتنفه الكثير من الغموض، ويحتاج مزيدًا من الدراسة العلمية لفهم البُعد الجيولوجي والتاريخي لها. وتبلغ مساحة الصحراء نحو عشرة ملايين كم2، وهي مساحة تُعادل تقريبًا ثُلث مساحة إفريقيا. 

 

ولعل وجود الثروات الطبيعية ليؤكد أن "الصحراء" كان لها تاريخٌ مزدهر غير ما تبدو عليه الآن. 

 

وشهدت هذه الصحراء العديد من التغيرات الجيولوجية عبر تاريخها، فكانت تكثر بأراضيها الغابات والأشجار الكثيفة، ومساحات خضراء هائلة من السافانا، وكذلك كانت بها البحيرات، والأنهار، والأودية منذ آلاف السنين الغابرة، غير أنه بسبب "التحولات المناخية" الحادة التي حدثت بها، تحولت الصحراء لحالتها الجافة التي عليها الآن، ويؤرخ ذلك التحول المناخي لقرابة 3 آلاف سنة. ومعلوم أنه منذ عشرات الملايين من السنين الغابرة أي قبل ظهور تلك "الصحراء الكبرى"، وتكوينها جيولوجيًا، وجغرافيًا، كانت قارات العالم تقريبًا كتلة واحدة، وكانت إفريقيا تقع في منتصف هذه الكتلة. 

 

وكانت الكتلة الأولى (أوراسيا) تضم أوروبا، وشمال آسيا، ومناطق أُخرى، أما "الكتلة الثانية": فكانت تتكون من كل من إفريقيا، وجنوب آسيا، وأمريكا الجنوبية، ويُعتقد أنه إبان تلك المرحلة بدأت تظهر الملامح الجيولوجية القديمة للصحراء. وتشكل تلك الصحراء المترامية الأطراف بفضل سماتها التي ميزتها، صارت بيئة خصبة أسهمت في رواج مثل تلك الميثولوجيات الشعبية، وذيوعها بين الناس. 

 

وكان لتلك البيئة البسيطة دورها المهم في حركة انتشار وتوغل تلك الميثولوجيات والموروثات، ومن ثم ذيوعها، وتنوعها لدى العديد من الشعوب والمجتمعات الإفريقية التي تقع في نطاق الصحراء الكبرى، لا سيما كلما اتجهنا صوب المناطق الجنوبية، وكذلك ساهمت الصحراء الكبرى في تعمق الخيال الإفريقي العريض بها بشكل خاص، وذلك من خلال ذلك المنظور الصحراوي الطاغي على حياة تلك الشعوب والقبائل القديمة التي ارتبطت وأقامت بها منذ أقدم العصور. 

 

ولا تزال الصحراءُ الكبرى، رغم كل شيء، موضعًا بكرًا، ومن ثم تحتاج مزيدًا من الدراسات للتعرف على مزيد من طلاسمها، وغموضها منذ أقدم العصور. ولا ريب أن "الصحراء الكبرى" وامتدادها العريض اللانهائي الذي يبدو أمام ناظري قاطنيها منذ أقدم العصور؛ هو مما جعل سكان تلك الصحراء أن يرنو بناظريهم نحو السماء، وما بها من الكواكب والنجوم والأجرام. 

 

ومن ثم زاد نهم الإنسان عامة منذ القدم بهذا التأمل العميق في هذا الكون الذي لا حدود حسية أو مادية له، وكذلك تأمل الإنسان في تلك المخلوقات التي خلقها الإله الخالق، وأبدع في خلقها، وفي تنوعها الفريد والعجيب، ولهذا كان الاهتمام بالكون، وفكرة الخلق ًاجزء مهما من الميثولوجيات التي ارتبطت بـ"الصحراء" عبر التاريخ، وحتى يومنا هذا، ومن ثم ظهور العلوم المرتبطة بالفلك والأجرام السماوية (الاسترونومي) Astronomy، وبروز تسميات علمية مهمة مثل "علم الكونيات" (الكوزمولوجي) Cosmology (أو علم الكوسمولوجيا) في المصطلح اللاتيني، وهذا العلم يقصد به التصور العقلي لهذا الكون المنظم والذي نعيش نحن فيه. 

 

ولا ريب أن تلك الرؤى والتصورات كانت تمثل إرهاصات للعديد من الميثولوجيات، والأساطير، وحتى الحكايات الخرافية التي ارتبطت بتلك الصحراء، وكذلك ارتباط هذه الصحراء بالموروث الأدبي الإفريقي، على اعتبار أن الميثولوجيات والحكايات الخرافية هي جزء من التراث الأدبي عند الشعوب الإفريقية. 

 

وليس بالإمكان أن ننكر وجود ارتباط كبير بين كل من التراث الميثولوجي الإفريقي من جانب وتراث الملاحم والبطولات الشعبية لدى أكثر الشعوب والقبائل الإفريقية. ومن هذا المنطلق ارتبط الخيال الشعبي بالذهب، وأسواقه، وازدهار تجارته في ممالك شمال إفريقيا وبلاد المغرب من ناحية، وممالك جنوب الصحراء من ناحية أخرى على حد سواء منذ أقدم العصور. 

 

ويبدو لهذا الحد توغل الذهب وما يرتبط بها من أشياء على تنوعها في الموروثات الشعبية والميثولوجيات لدى الشعوب الإفريقية عامة، وشعوب غرب إفريقيا خاصة. وعلى هذا فإنه من المؤكد أنه كان لتأثير الموروث الشعبي وارتباط ذلك بـ"الذهب"، وتجارته، وكذلك رمزيته هناك منذ "ما قبل الإسلام"، أو "العصر الوثني" في تلك البلاد.

 

وقد استمر ذلك التأثير أيضا مع قدوم الإسلام إلى ممالك جنوب الصحراء، وتحول شعوبها للإسلام، وإن كان ذلك بالطبع بزخم أقل مقارنة- وذلك إذا قمنا بنوع من المقارنة- بـ"الحقبة الوثنية" القديمة بسبب التأثيرات الإسلامية التي عملت بشكل أو بآخر على طمس العديد من العادات والطقوس الوثنية الغابرة، خاصة تلك التي كانت تعارض بشكل فج عقيدة وأفكار الإسلام. ومن ثم، فليس مستغربًا أن نطلق عليها تسمية: "صحراء الذهب". 

 

متخصص في التاريخ والتراث الإفريقي

 

تم نسخ الرابط