السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

كنت مثل الكثيرين ممن يعملون في مهنة الصحافة والإعلام على قناعة بأن مجرد الاقتراب من "ملف الإعلام"، أو الحديث عنه ولو بمجرد "التلميح" يُعد "مجازفة" محفوفة بالمخاطر ، وأن ذلك أشبه بالسير وسط حقل ألغام، ولا أدري من الذي ذرع بداخلنا هذا الإحساس "غير الحقيقي"، ولا من هو صاحب المصلحة في "تغييبنا" على هذا النحو، فمنذ بضعة أيام قرأت كلاماً مهماً كتبته الدكتورة فاطمة سيد أحمد عضو الهيئة الوطنية للصحافة، هذا الكلام تناولت فيه ملف الإعلام عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، ولن أكون مبالغاً حينما أقول إن ما كتبته الدكتورة فاطمة وهي رئيسة لجنة تقييم وتطوير الأداء الصحفى بالهيئة الوطنية للصحافة أربكني و"لخبط" حساباتي، خاصة أنها تناولت هذا الملف "الحساس" بجرأة شديدة وبشفافية لم نعتدها من قبل، فأعطت درساً خصوصياً لمن يتشدقون بالشعارات الرنانة المتعلقة بحب الوطن والتمسك بقواعد المهنية، فلا أحد يمكن أن يزايد على وطنية الدكتورة وحرصها الشديد على "هيبة" المهنة وغيرتها على كيان "صاحبة الجلالة"، ودفاعها "المستميت" عن المؤسسات القومية، انطلاقاً من قناعتها بأنها تمثل صمام الأمان للدولة المصرية.

 

توقفت كثيراً أمام ما تضمنته رؤيتها شديدة الأهمية حول ملف الإعلام ومطالبتها بضرورة إعادة النظر في تفاصيل كثيرة، من شأنها إعادة الاعتبار للمهنية التي هي الآن في أشد الحاجة لاستحداث وسائل وأساليب جديدة، قادرة على خلق وصناعة محتوى يليق بالمرحلة بعيداً عن الأفكار التي تشبه "الطربوش" في زمن "الكاجوال".

 

وأعتقد أنه قد آن الآوان بالفعل لإعادة النظر - كما ترى الدكتورة- في القانون الخاص بالهيئات الثلاث المنظمة للشأن الإعلامي، فهذا القانون ليس قرآناً ولا هو كتاب مقدس منزل من السماء، الدساتير نفسها حينما تتعارض مع الصالح العام يتم تعديلها، فما بالنا بقانون ينظم مهنة قائمة في الأساس على فكرة "الديناميكية"، حيث تشهد دائماً تغيرات سريعة ومتلاحقة بشكل يفوق القدرة على الاستيعاب.

وكأن الدكتورة فاطمة سيد أحمد، قد ألقت بحجر كبير في بئر "راكدة" بطرحها هذه الرؤية المهمة حول ضرورة تطوير الإعلام، ليس هذا وحسب بل إن كلامها جعلني على يقين من أننا ظللنا أسرى لفكرة "ليس في الإمكان أبدع مما كان"، فابعتد أهل الخبرة عن مناقشة أوضاع المهنة، خوفاً من يتسبب في "إغضاب" أحد، فتصبح عواقب هذا الاقتراب "وخيمة".

وما أن انتهيت من قراءة هذه الرؤية التي كتبتها الدكتورة فاطمة حتى تذكرت على الفور أسطورة قديمة كنت قد تناولتها من قبل في سياق مختلف، تقول إن رجلاً كان يسير هو وابنه في طريق مظلم وكان الطفل "مشاكس" وكثير الكلام فأمسك بيد ابنه وقال له "لا تتكلم حتى نصل إلى نهاية الطريق.. وتنظر وراءك فتتحول إلى حجر "، بعدها صمت الطفل وظل الأب مستمتعاً بالسير في هدوء بينما الطفل كان الخوف يحاصره من كل الاتجاهات وهو يتخيل نفسه، وهو يتحول إلى حجر إذا "طاوع" عقله الصغير ونظر الى الوراء، وظل الطفل يتعامل مع الأمر ببراءة شديدة، مصدقاً هذا الكلام، اعتقاداً منه بأن ما يقوله والده شيئاً مؤكداً وغير قابل للشك.. ولكن كانت المفاجأة الكبرى أنه حينما وصل إلى نهاية الطريق، وقرر  النظر إلى الخلف فإنه لم يصبه أي مكروه ولم يتحول إلى حجر كما أنه حينما نظر في كل الاتجاهات لم ير أشباحاً أو عفاريت واكتشف أنه ظل طوال الطريق وهو يعيش أكبر كذبة في حياته.  

هذا ما شعرت به وأنا أقرأ هذا النقد "البناء" للدكتورة فاطمة سيد أحمد لملف شديد الحساسية، فالمسألة إذن لم تكن سوى مجرد أوهام "عششت" في أذهاننا بأن هذا الملف غير قابل للمناقشة، بينما هو في حقيقة الأمر يعيش أوقاتاً صعبة وأصبح في أشد الحاجة لأن يطرح أهل الاختصاص والخبراء وشيوخ المهنة رؤاهم وأفكارهم لمناقشة كل ما هو جديد من أجل "خلق" إعلام جديد يتماشى مع الجمهورية الجديدة التي لن تسمح بأن يظل هناك فارق في السرعات، انطلاقاً من أن الإعلام الحقيقي هو الذي ينبغى أن يسبق الجميع بخطوات، ليس هذا وحسب بل يجب أن يكون هو قاطرة "الوعي" لتغيير سلوكيات المواطن، حتى يكون قادراً على استيعاب هذا الحراك الكبير الذي تشهده الدولة المصرية في جميع المجالات، وعلى الأصعدة كافة.

 

[email protected]

تم نسخ الرابط