

وفاء بوكيل
ذاكرة الذبابة
بقلم : وفاء بوكيل
اجلس في غرفتي المربّعة المشبّعة بالوحدة منذ سويعات، فاتحة جهاز الحاسوب ولم استطع أن اكتب بنس حرف منذ سويعات، تتلقفّني نشرات الأخبار بماسيها كالموج المحفوف بالهمّ، عندما كنت طالبة في كلية الإعلام اذكر نصيحة أستاذي الهرم كحزني اليوم ''انتبهوا من تكرار أنفسكم عند الكتابة فانتم تحملون بين أصابعكم ما هو أخطر من أسلحة الدمار الشامل''.
أجد نفسي أيّها المعلّم مجبورة اليوم على تكرار الموضوع ذاته لمناسبتين متتاليتين، لإننا شعب له ذاكرة قصيرة، ممغنطة، اقصر من إبهام الكفّ.
تدفّق أمواج السوريين عبر بحار ممدودة في جو يغلي كما فوهة بركان يدفعني للتكرار، رؤية عرب تخلى ديارهم ليدورون في رقعة شطرنج سوداء وبيضاء يقفزون من مربّع إلى آخر للبحث عن حياة فقط لا اكثر أو أقلّ، ألمانيا العجوز أصبحت أمّا حنونة فجأة ولوهلة، لتضرب أخماسها في أسداسها، في دراسة لوكالة أنباء ألمانية لها صبيحة هذا اليوم لتبتهج بقدوم عمالة جديدة ستجدد شيخوختها وتصبح اكثر نضارة وشبابا، اقدّر عمل بعض الدول العربية واشعر بخوف البعض الآخر من الإرهاب والعنف والتحريض.
أدرك ما يجول من حولي كعربية صميمة بلاني الله بعروبة مزمنة لكنني أتذكّر قول جدتي منذ كنت طفلة يافعة ''مافيش قطّ يصطاد لربّي'' وأشاهد جميلة الحكّام رئيسة الأرجنتين الحلوة الماردة كريستينا فرننداز التي حباها الله بقلب عربيّ أصيل وكانّها من زقاق في القاهرة أو حلب وهي تدافع على السوريين بكل باس و"مرجلة".
لا أريد أن ادخل في مهاترات ومزايدات هناك من يقرؤني ويعيها اكثر مني بكثير ربّما، لا أتمنّى أن اشهد تهجير 1948من جديد، أتمنّى أن يذكر العرب النكسة والنكبة وأن يقوموا بـ"ريفرش" طفيف للذاكرة المثقلة بأمس غير بعيد "وعد بلفور المشؤوم" واتفاقية سايكس بيكو المحمومة، التي أراها تراود بعض الأطراف كحلم دفين في سخط مكنون، مكان ما من الحقد والتطرّف الذي أخذ أشكالا جديدة في هذه الألفية، طيّب اقدّر جدا حسّ النمسا وألمانيا وفضل استراليا الفارغة من سكان يعمرونها وهي كقلبي المهجور المبهور بأفضال"الخواجات" علينا، استراليا تفتح ذراعيها لاستقبال السوريين وعزائي ان شعب سورية الماجدة شعب شغّيل، جدّي، خدوم، منضبط ترحّب به اصقاع الدنيا في شتّى المجالات، هم الشعب الودود المحبّ للعمل كالنّحل لم يخلو بلد جلت فيه من كلمة''اهلين حضرتك عربية يا تكرمي نورتينا'.'
طيّب، ابتعدوا عن القبر الأبيض واذهبوا إلى آخر حدود الأرض وغنّوا موال أنا مسافر، لآخر النوتات، احرقوا قلوبنا واتركوا من أرواحكم في كلّ مركاض بيت سوريّ هجرتموه ياسمينة قابلة للحياة في كلّ لحظة، الى حين عودة، اقبّل تراب طرقاتكم التي لا تؤدّي كلّها إلى روما، لأنني على قناعة تامة أن الشام رقبة العرب الموصولة بالمحروسة، استراليا تناديكم، انتبهوا للجذور ولوقت العبور، احملوا الماجدة في قلوبكم التي تركت للسواد الممتد مكانا، احملوها كبصمة، كجينة لا تمحى أبدا، ويا ربي اسمع منّي، واستر، عليا واليا .