

بقلم
محمد هيبة
مصر و الحرب الاهلية
12:00 ص - الأربعاء 10 أبريل 2013
بقلم : محمد هيبة
ما هذا الذى يحدث فى البلد؟.. ما الذى يشعل الأوضاع والفتن والمصادمات لأبسط خلاف وأتفه سبب! وما معنى أن كل خلاف يحدث فى ربوع مصر يتحول إلى حرب شوارع عنيفة يستخدم فيه المولوتوف والحجارة وضرب الرصاص والخرطوش.. وقتلى وجرحى بالعشرات وكأن الدم المصرى أصبح رخيصًا.. وأرواح المصريين هانت على أبناء هذا الوطن والذى هانت عليهم أيضًا بلادهم.
نار الفتنة والانقسام والحرب الأهلية تكاد تطل برأسها بقوة من حين إلى حين، والأسباب تافهة وغريبة وغير مبررة على الإطلاق ويجرنا إليها موتورون ومتعصبون.. يحاولون بتصرفاتهم الشاذة والمريضة أن يجرونا ويدفعوا بالبلد كله إلى أتون الحرب الأهلية، فالمصريون بعد قيام الثورة والإطاحة بالنظام السابق لا يعرفون سوى الخلاف والاختلاف والانقسام.. والاختلاف فى حد ذاته فضيلة وهو نعمة وليس نقمة إذا وضع فى إطاره الصحيح، وهوإحدى دعائم الديمقراطية لأن التعددية مظهر فعلى من مظاهر الديمقراطية الحديثة.. ولكن المشكلة أن يتحول الخلاف إلى تعصب وعناد وإصرار على أحادية الاتجاه.. وفرض الرأى بالقوة.. وعدم استيعاب واحتواء الآخر.
البلد انقسم والشارع انقسم.. وحتى الأسرة الواحدة انقسمت، لكن للأسف كل هذا يتم فى إطار عنيف وتصادمى يحرق البلد ويحرق كل شىء حتى لا يتبقى لنا شىء ولا حتى وطن يضمنا ويحتوينا.. الإخوان مختلفون مع الليبراليين.. والسلفيون مختلفون مع الاثنين، والأقباط مختلفون بشدة مع النظام الجديد ليظهر فى النهاية أن الخلاف طائفى بين مسلمين ومسيحيين.
والمشكلة أن المؤسسات الحاكمة الآن فى الدولة تغذى وتؤجج هذا الخلاف وهذا الاحتقان.. وتنميه وتزيده اشتعالا.. وإلا فما معنى موافقة مجلس الشورى مثلا فى إقراره لقانون مباشرة الحقوق السياسية على رفع الحظر عن استخدام الشعارات الدينية فى الانتخابات البرلمانية وأن يزج بالدين، سواء كان إسلاميًا أو مسيحيًا إلى أتون المعركة الانتخابية التى هى فى الأساس معركة سياسية.. تمثل شكلا من أشكال الديمقراطية لتتحول فى النهاية إلى معركة دينية، ومن ثم تصبح معركة طائفية قد تتحول إلى حرب أهلية.. بين مسلمين ومسيحيين..وبين مسلمين ومسيحيين أو بين سنة وشيعة هل من المنطقى أن يوافق مجلس الشورى على استخدام هذه الشعارات فى الانتخابات ليرفع مرشح ما أو حزب ما أو جماعة شعار «الإسلام هو الحل».. ويرفع مرشح آخر أو حزب آخر.. «المسيحية هى الحل» ما هذا الذى تفعلونه بنا وبالوطن.. ولماذا تحاولون العودة بنا إلى القرون الوسطى.. وعصور الظلام التى عاش فيها المسلمون فى سبات طويل لأنهم ابتعدوا عن إعمال العقل والعلم؟!
نعم الذى حدث فى الخصوص.. ومن بعدها أمام الكاتدرائية فى العباسية يعكس حالة احتقان شديدة بين الأقباط والكنيسة من ناحية، والنظام الحاكم من ناحية أخرى.. والأمر فى النهاية ليس له علاقة بفتنة طائفية أو خلاف طائفى ومعركة بين مسلمين ومسيحيين، ولكن له علاقة بحقوق الأقباط داخل هذا الوطن الذى يعتبر وطنهم لأنهم فى النهاية مصريون لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات.. لكنهم للأسف يشعرون بالغصة والمرارة لأن هذه الحقوق بدأت تتآكل وتتضاءل وكأنه تخطيط ممنهج لتحجيم وضعهم كأقلية فى هذا البلد.. فالأقباط فرض عليهم الدستور فرضا.. وانسحبوا من الجمعية التأسيسية له، والغريب أنهم وضعوا مسلمين يصوتون باسمهم فى جمعية الدستور.. ورغم احتجاجهم على العديد من مواد الدستور فإنه لم يسمع لهم.. وأقر الدستور رغم أنفهم ورغم اعتراضاتهم.
والأقباط كانت لهم مطالب بإقرار قانون دور العبادة الموحد حتى يتمكنوا من بناء كنائسهم، وإقامة مناسكهم، وحتى الآن لم يصدر على الإطلاق، والأقباط كانت لهم مطالب فى التمثيل الفعلى فى الجمعية التأسيسية للدستور، وكذلك فى البرلمان ومجلس الشورى ومؤسسة الرئاسة والحكومة، ومع ذلك لم يلتفت إليهم وكأنهم غير موجودين أو كأن النظام يمن عليهم بما يسمح لهم به ويعطيهم إياه كمنحة أو تفضل.. وأخيرا كانت لهم اعتراضات على بعض مواد قانون مباشرة الحقوق السياسية، لكن لا حياة لمن تنادى.
إن الأحداث الأخيرة فى الخصوص وأمام الكاتدرائية كشفت أشياء خطيرة ومفزعة.. وأكدتها.. وأهمها أن الدولة أوصالها تتفكك بالفعل وأنه لا دولة هناك ولا مؤسسات قادرة على أن تحقق كيان وهيبة هذه الدولة، ولا تستطيع أن تقوم بدورها.. وأيضا كشفت عجز الحكومة الشديد عن القيام بدورها.. ومسئولياتها تجاه الأحداث ومن أمامها الداخلية التى فشلت فى حفظ الأمن وأن تمنع ما يحدث من اشتباكات وكأنه ليس هناك حس أمنى على الإطلاق، وكلنا رأينا التراشق بالحجارة والمولوتوف والرصاص أمام الكاتدرائية وسط حراسة قوات الشرطة والأمن المركزى التى لم تحرك ساكنا، بل ظلت تشاهد ما يحدث دون أن تتحرك. والخطير أن الأقباط المحبوسين داخل الكاتدرائية استنجدوا بالشرطة العسكرية وقوات الجيش للحضور وتأمين خروجهم حتى يستطيعوا دفن جثامين ضحاياهم.. وهذه هى الداخلية التى كسرت فى 28 يناير وجاء النظام ليجهز على البقية الباقية بدعوى الأخونة لتظل عاجزة إلى هذا الحد.
والفضيحة الأخطر هى كم السلاح الرهيب والكبير الموجود لدى الأهالى وعامة الناس ويظهر بصورة مرعبة وسريعة مع كل صدام وكل أزمة وكل حرب شوارع.. والسؤال: من أين يأتى هذا السلاح وكيف يأتى ويظهر ثم يختفى فجأة.. ومن الذى يمول هذه الجماهير بهذه الأسلحة؟.. وما دور الداخلية الفعلى فى حصد هذه الأسلحة وانتزاعها من بين أيادى الناس؟!
إن أخطر ما حدث ويحدث خلال الفترة السابقة من تظاهرات واشتباكات ومعارك بين أفراد وجهات متصارعة.. أنه يجرنا جرا إلى حرب أهلية وشيكة.. ولابد أن يكون هناك بديل لنظام يحكم قبضته على مصير هذا البلد حتى لا يضيع الوطن.
تابع بوابة روزا اليوسف علي