

د. أحمد الديب
التعليم ..الملهاة والمأساة !.
بقلم : د. أحمد الديب
لا أعتقد أن الحكومات المتتالية والتي لا أعرف أعداد أعضائها ، ولا أكاد أذكر أسماء وزرائها ، تجهل ما هو معلوم بالضرورة ، أنه لا سبيل للنهوض بمصر إلا أن يكون ملف التعليم هو الملف الأول والأوحد والأولي بالاهتمام والتخطيط وتوفير الموارد . وأعلم تماما أن هذا الكلام قد لاكته الألسن مراراً وتكراراً حتي أصبح غير ذي قيمة إلا ما رحم ربي . وأنه قد نفد مداد الأقلام كتابةً عن هذا الموضوع حتي صار حبراً علي ورق ، وأضحي محض كلام نظري لا يتجاوز صفحات الجرائد ، وكلمات المسؤولين وتصريحاتهم أمام الكاميرات وبين الحشود الجماهيرية .
يوقن متخذ القرار في مصر ، أنه لا سبيل لنهضة هذه البلد ونصرتها ودحض كيد أعدائها إلا التعليم . كيف لا و أنت لا تكاد تركب تاكسي أجره إلا ويؤكد لك سائقه في كل مرة... "بص يا هندزة ، البلد دي مش هتتنتع غير بالتعليم ، أهو أنا قدامك راجل تعليمي علي قدي لكن كل إلي شاغلني ومخليني طافح الكوتة هو إني عايز أعلم العيال وأخليهم أحسن مني في كل شيء". وللأسف فإن يقينك أن الحكومات توقن وتعرف لا يحل المشكلة بل يزيدها تعقيداً فيرمي بك في دوامات الحيرة حيث تتساءل... " ما داموا يعرفون فلماذا لا يفعلون...؟"
كان الله في عون أسر متوسطة محدودة الدخل ، قليلة الموارد ، تستثمر في أولادها ، تمنيهم بالجنة من وراء التعليم ، تحفزهم علي المذاكرة بجد واجتهاد ،بالصبر والمثابرة حتي يؤتي هذا المجهود أكله فيصيروا ذوي شأن ، يقدرهم مجتمعهم ويقدرونه . أعرف أسراً كثيرة ، يمثل لها تعليم أولادهم الأمل الأول والأخير . يحسبون السنوات بالساعات ، وليس بالأيام أو الشهور . ها هو مجهود أولادهم يذهب أدراج الرياح . وها هي امتحانات الثانوية تتسرب وتلغي وتؤجل علي مرأي ومسمع من الدولة والمجتمع والمؤسسات والأفراد . أخشي أن نكون قد أصابنا إدمان الر داءة ، والتكيف مع كل ما هو قبيح .
حكي لي سائق الميكروباس الذي يقوم بتوصيل مجموعة من المدرسين البلديات الي لجنة الثانوية العامة في أحد مراكز محافظة أسيوط ، حكي لي عما يشاهد بعينيه ويسمع بأذنيه عن الغش الجماعي الممنهج الذي يباركه المجتمع ويدعمه أولياء الأمور . وعن حجم الضغوط التي تتعرض لها مجموعة المدرسين ، فيتعرضون للرشوة تارة وللسلاح تارة أخرة في فصول مسرحية ، لا يمكن تصنيفها، مأساة هي أم ملهاة .
أتذكر فيما أتذكر كيف تعلمنا في مدارس حكومية قليلة الإمكانيات . قوامها الأساسي معلمون لم تغرهم بعد الرفاهية التي وعدت بها الرأسمالية . كان الاحترام هو عماد العلاقة بيننا وبينهم , فنشأت بين المعلم والمجتمع علاقة تبادلية , يحسن المجتمع إلي للمعلم ، فيحسن إليه . وهكذا تعلمنا منهم ما يعجز الأبناء عن تعلمه في المدارس ذات الديكورات المبهجة والفواتير الكئيبة
كيف تقوم الدولة بدورها حيال هذه الأزمة....؟ ، ألا تعيد النظر في أولوياتها....؟ ، أليس فيها رجل رشيد يتخذ البحث عن جزور المشكلات منهجا....؟ ، متي سيخرج علينا من يعلن أن العقد القادم هو عقد التعليم ...؟ . أطلبوا منا أن نتحمل أي شيء في عشر سنوات مقابل أن تفوا بوعدكم أن أبناءنا سوف يحصلون على معلم جيد ومنظومة تعليمية لائقة , هو بمثابة اتفاق ، أن يتحمل المجتمع بعض العبء الناتج عن توجيه مقدرات وإمكانيات الدولة نحو هدف واحد في عشر سنوات ، التعليم .
نعم ، يمكن للناس أن يربطوا الأحزمة علي بطونهم ، وأن يصبروا علي أي شيء وكل شيء ، إذا خرج من يعدهم بصدق أن العقد القادم الجديد هو عقد التعليم ، عقد بناء المعلم وتأهيله ، عقد تنقيح المناهج حتي تواكب هذه السرعة المذهلة في التقدم في شتي المجالات ، وتواكب سوق العمل العالمي الذي أصبح يلفظ المنتج التعليمي المصري . كيف لا وأنت تستطيع الحصول علي شهادة دكتوراه من جامعة حكومية مصرية بأختامها الحقيقة الرسمية في أي وقت تريد ، فقط كن مستعداً لتقديم المال اللازم لهذه الصفقة . لم تعد دول الخليج علي نفس الثقة في شهاداتنا الأكاديمية بعد أن ساد المصريون سوق العمل الخليجي لعقود مديدة من الزمان.
كيف تقوم الدولة بدورها حيال هذه الأزمة....؟ ، ألا تعيد النظر في أولوياتها....؟ ، أليس فيها رجل رشيد يتخذ البحث عن جزور المشكلات منهجا....؟ ، متي سيخرج علينا من يعلن أن العقد القادم هو عقد التعليم ...؟ . أطلبوا منا أن نتحمل أي شيء في عشر سنوات مقابل أن تفوا بوعدكم أن أبناءنا سوف يحصلون على معلم جيد ومنظومة تعليمية لائقة , هو بمثابة اتفاق ، أن يتحمل المجتمع بعض العبء الناتج عن توجيه مقدرات وإمكانيات الدولة نحو هدف واحد في عشر سنوات ، التعليم .
وإذا كانت الكتابة حول هذا الموضوع ، أو حول ما يطرأ من موضوعات ، توصف من قبل البعض أنها لا تتعدي مقالات نظرية ، وأن عمليات التنظير لا تسمن ولا تغني من جوع مع أرباب السلطة وأهل الحل والعقد . فانا أجدد التأكيد أن مرحلة التنظير هي مرحلة حتمية ، وما من شعب نهض إلا سبقت نهضته جهود منظرين ، تدق ناقوس الخطر ، وتذكر الجميع بما أنساهم الواقع إياه ، وأن مصر قادمة لا محالة إلي التاريخ بعد غياب ، بعضلات أبنائها وضمائرهم وعقولهم .