
د. طه جزاع
الأرض بتتكلم عربي !
بقلم : د. طه جزاع
رحم الله شيخ الملحنين سيد مكاوي،ورحم زمانه وأيامه،يوم كان العرب من المحيط الى الخليج يترنمون مع لحنه المرهف وصوته العذب وهو يشدو " الأرض .. الأرض .. الأرض .. الأرض بتتكلم عربي " .. ورحم الله الشاعر العروبي فؤاد حداد يوم قال في انشودته تلك التي لحنها وغناها مكاوي " الأرض بتتكلم عربي ولا ترتاح " وماكانا يعلمان ان الأرض العربية بعد عقود قليلة سترتاح،وتصاب بالخرس،وان العرب من المحيط الى الخليج بغالبيتهم العرقية وأقلياتهم المتاخية على مر التاريخ،سيفقدون صوتهم ولغتهم وكلامهم العربي المبين،ليعودوا كما كانوا قبائل متناحرة،تفرقهم السياسة،وتمزقهم الأحزاب،وتتلاعب بمصائرهم الدول،وتستنزف طاقاتهم البشرية وثرواتهم ومخازن اسلحتهم الحروب والصراعات والاقتتال الداخلي،حتى اصبح " تحرير " مدينة أو قرية صغيرة من قراهم،بمثابة فتح عظيم أين منه تحرير الأقصى وبيت المقدس!
لا المغرب العربي بقي مغربا،ولا المشرق العربي بقي مشرقا،ولا المحيط محيطا،ولا البحر بحرا،ولا النهر نهرا،ولا الصديق صديقا،ولا العدو عدوا،ولا العربي عربيا،وضاع الصوت العربي في عصر التطرف والتشدد والكراهية والاقصاء والأرهاب وهيمنة وكلاء الله على الأرض،وتفرق العرب شعوبا وقبائل وعشائر وأنساب وأعراق وأديان وطوائف وأحزاب،واغنياء وفقراء،وسجانون ومسجونون،وأحرار ومأسورون،وجلادون ومجلودون،وظالمون ومظلومون،ومستقرون ونازحون،وشماليون وجنوبيون،ومؤمنون وملحدون،وثوريون وليبراليون،وتقدميون ورجعيون،وأختلفوا حتى على التاريخ والجغرافيا والحدود واللحود،والأصول والجدود،وعلى بحور الشعر،والأوزان والقوافي والنحو والصرف والاعراب،فأحتارت الأرض العربية في عصر الديمقراطية العربية بأي لسان تتكلم! . صارت الهوية العربية نقمة،وباتت جوازات السفر العربية تهمة ولعنة،وصار التفاخر بالجنسية الأجنبية وجواز السفر الأجنبي من علامات الرفاهية والنعمة،وتناثرت جثث اللاجئين العرب واطفالهم على شواطيء البحر المتوسط وسواحل بحر ايجة،وصار الخلاص فرديا،كل يبحث عن خلاصه وعن مستقبله وعن حياته،وارتفعت نسب الأمية والجهل والفقر والمرض والبطالة، وتكالبت الأمم على أمة العرب،وتعددت في مياهها الأساطيل وعربدت في سمائها الطائرات الحربية والصواريخ وكثرت على أرضها البساطيل،فلم تعد الأرض أرضهم،ولم تعد مياههم مغرقة ولا سمائهم محرقة،وماعاد العرب يجتمعون على كلمة سواء،ولا على موقف موحد،ولا على قضية واحدة .. تجمعهم فقط برامج المسابقات الغنائية ومقالب الكاميرات الخفية والمسلسلات التلفازية في الليالي الرمضانية!
الأرض – ياعم مكاوي – لم تعد تتكلم عربي،والأرض – ياعم حداد – ارتاحت خلاص،ولغة الضاد غلبتها لغة الرصاص،وأنتصرت عليها لغة المدافع والقنابل والراجمات والصواريخ والأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة،ولم يعد الأسطة عطية – ياعم سيد درويش – على باب الله،ولم تعد " الحلوة دي تعجن في البدريه .. والديك بينده كو كو كو كو بالفجريه " !
و ... رحم الله أيام العرب حين كان سيد مكاوي يشدو وهو يعزف على عوده الشهير مستنهضا الشباب العربي ومحفزا لثورتهم ونهضتهم : " الأرض بتتكلم عربي ولا ترتاح .. واصل كالسيل المجتاح .. فتحك ياعبد الفتاح "!