عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
حرب وغنيم.. المعارضة على "قديمُه".. !

حرب وغنيم.. المعارضة على "قديمُه".. !

بقلم : علي الفاتح

لا يختلف اثنان على أهمية وجود أصوات مغايرة في الشارع السياسي المصري لما تطرحه الحكومة من سياسات وبرامج وخطط، فلا غنى لأي حكومة عن تلك الأصوات المختلفة التي قد تتفق مع توجهاتها وسياساتها لكنها تُعارض أسلوب تنفيذ تلك السياسات الأمر الذي سيساعد الحكومة حتما على تحسين أدائها.



وفي حال اختلفت تلك الأصوات مع سياسات وبرامج الحكومة، فإن ما تطرحه من بدائل عملية وواقعية قد يُرشد الحكومة إلى أخطائها ويدفعها إلى تغيير تلك السياسات أو ترشيدها، ورُبما تتمسك بالرؤية التي تتبناها، في النهاية وجود هذه الأصوات المُغايرة يعمل على تقوية النظام السياسي بُرمته بتجديد شرايينه ودمائه ما لا يجعله أكثر حيوية وتفاعلًا مع الرأي العام ما يكسبه مناعة طبيعية تمكنه من الاستمرار قويًا متماسكًا قادرًا على حماية المجتمع والدولة.

لكن هذه الحالة تتطلب في المقابل نخبة سياسية قادرة على تجديد نفسها طوال الوقت سواءًا بالأفكار والرؤى أو حتى بالأشخاص والرموز.

وأكثر ما تعانيه النخبة السياسية والثقافية المصرية "الجمود" في الأفكار والتوجهات رغم كل ما يحيطها من تغييرات محلية وإقليمية ودولية، علاوة على عجزها عن افراز وجوه جديدة، وبتعبير أدق تُعاني النخبة السياسية المصرية من عقم مزمن إذا صح التعبير، فهي عاجزة عن إنجاب أجيال جديدة تتمتع بالمرونة المطلوبة للتعامل مع مستجدات الزمن.

كثيرون رحبوا بظهور كل من الطبيب والعالم دكتور محمد غنيم، والأكاديمي والسياسي دكتور أسامة الغزالي حرب مع الإعلامي عمرو أديب كونهما يعبران عن أصوات مختلفة عن صوت الحكومة من ناحية، وباعتبار كل منهما يعبر عن توجه سياسي مختلف، فالأول ينتمي للتوجه اليساري بينما الثاني يعبر عن تيار الليبرالية المصرية كما يحب البعض وصفه.

لكن هل أضاف حديث الرجلين على ما كان يتمتع به من وضوح وصراحة جديدًا في الحياة السياسية المصرية بما يجعلنا نقول أن تكرار التجربة على هذا النحو سيصنع رصيدًا نستطيع البناء عليه لتأسيس حياة سياسية صحية تتنوع فيها الأصوات وتختلف وتمضي قدما إلى مستوى تبادل الأدوار بين مقاعد الحكومة والمعارضة؟!

قول واحد لم يضف ظهور كلا الرجلين جديدًا على الإطلاق مع الإعتراف بمكانتهما العلمية والسياسية، وفي رأيي أن هذا الظهور أشبه باستدعاء التاجر المُفلس لدفاتره القديمة.

بوضوح أكثر انها محاولة يائسة للبحث عن أصوات مُعارضة جادة، وللإنصاف دعني أقول معارضة جديرة بدولة بحجم مصر.

هي فعلًا محاولة للبحث عن معارضة حقيقية وليس لصناعة معارضة مستأنسة كما قد يروق للبعض لأن الرجلين ينتميان فعلًا لتيار المُعارضة السياسية المصرية ولا يُمكن تصنيفهما بغير ذلك لكنها تبقى محاولة يائسة لأنها قامت باستدعاء رموز معارضة نظام الرئيس السابق حسني مبارك، وبمعنى آخر أن الأحزاب السياسية المصرية ورغم ما شهدته البلاد من أحداث سياسية جسام منذ يناير 2011 لم تستطع بلورة معارضة جديدة فكرًا ورؤية وحتى أشخاص ورموز.

فالرجلان قد استخدما في خطابهما ذات المفردات التي كانت تستخدم لمعارضة نظام مبارك، والحقيقة انهما قد استخدما نفس المنهج والأسلوب وكأن شيئًا لم يحدث، وكأن تغيرًا لم يطرأ، وإن كانا قد أضافا بعض المفردات والأفكار التي طُرحت خلال أحداث 2011، من طبيب إلغاء جهاز أمن الدولة أو الأمن الوطني كما فعل الدكتور أسامة الغزالي حرب متجاهلًا أهمية هذا الجهاز في عملية مكافحة التنظيمات الإرهابية.

اللافت أن الدكتور حرب طالب أيضًا بفتح باب حرية التعبير على مصراعيه ضاربًا مثلًا اعترف بفجاجته بأن لو وقف أحدهم في قلب العاصمة البريطانية قائلًا أن الملكة عاهرة لم يمسه أحد بسوء أو يقيد حريته في التعبير وبغض النظر عن عدم واقعية ما قاله الدكتور حرب إلا أنه وبذهابه بعيدًا إلى هذا الحد يتناسى وهو الأكاديمي والباحث السياسي المرموق الخصوصيات الثقافية لكل مجتمع.

ومع هذا لم يكن ذلك أخطر ما جاء في حديثه، فقد تشارك مع الدكتور محمد غنيم في حديث الأولويات وضرورة وجود جهاز استشاري على أعلى مستوى للرئيس والدولة وهو حديث يكشف بوضوح المشكلة التي تُعانيها المعارضة المصرية منذ زمن مبارك وربما قبله وهي عدم اهتمامها بالتفاصيل وعدم التفاتها لما يجري ويتم بالفعل واكتفائها بالشعارات الرنانة التي لا تصلح سوى في صياغة عبارات الهتافات.

الرجلان ربما غاب عنهما وجود مجلس استشاري من خيرة علماء مصر يعمل مع مؤسسة الرئاسة في كل التخصصات تقريبًا والدكتور غنيم نفسه كان واحدًا من اعضاء هذا المجلس، تمامًا كما أن الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم قد جاء إلى منصبه من داخل هذا المجلس.

كذلك عمد الرجلان إلى تجاهل حقيقة أن العاصمة الإدارية ومدينة العلمين الجديدة قد تم بنائهما من خارج الموازنة العامة واعتمادًا على عائد بيع أراضيهما للمطورين العقاريين أي أن الدولة نجحت في أن تحيل أراضي صحراوية جرداء إلى مُدن كبيرة لها قيمة استثمارية عالية، وأن المُطورين العقاريين والمستثمرين الذين ضخوا أموالهم في تلك الصحاري لم يكونوا ليدفعوا تلك الأموال لخزينة الدولة لاستثمارها في التعليم باعتباره الأولوية الأولى بالنسبة لهم.

وعندما تم مواجهتهما بهذه الحقيقة جاءت اجابتهم واحدة تقريبًا بالقول مهم الحكومة تدبير الأموال اللازمة لتطوير التعليم من اي مصدر ولم يقدما حتى أي تصور لطبيعة هذا المصدر ما يعني انهما لم يهتما بمناقشة الموضوع بشكل جاد.

الواقع ان التعليم والصحة يمثل كلًا منهما أولوية على اجندة الحكومة، وبالفعل تمكنت من توفير بعض الأموال اللازمة لتطويرهما، وإلا كيف باشر وزير التعليم خطته فيما يُعرف بنظام التابلت وتغيير المناهج، وكيف نفذت وزارة الصحة مبادراتها العديدة بدءًا من مكافحة فيروس سي وصولًا إلى الحملات الصحية الخاصة بالمرأة والطفل.

لم يدخل الرجلين في مناقشة حقيقية حول استراتيجية تطوير التعليم او تطوير القطاع الصحي او حتى تجربة تطبيق قانون التامين الصحي الشامل بمحافظة بورسعيد.

اللافت أيضًا أن الدكتور غنيم حاول في سياق حديثه عن ضرورة الاستعانة بمستشارين متخصصين تنبيه الدولة إلى وجود مخزون هائل من المياه الجوفية بأحد وديان محافظة قنا صالح لزراعة سبعة ملايين فدان وقال: "ارجعوا إلى الدكتور فاروق الباز لديه معلومات تفصيلية عن هذا الوادي".

وكان الدولة ستتجاهل هذه المعلومة وهي التي تسعى لاستصلاح مليون ونصف فدان ولديها بعض المشكلات في انجاز هذا المشروع كما قال الدكتور غنيم نفسه.

لكن الغريب حقًا كان حديث الدكتور اسامة الغزالي حرب عن لجنة العفو الرئاسية التي كلف برئاستها، فبعيدًا عن استثماره للقاء التليفزيوني للمطالبة بالإفراج عن ابن شقيقه الدكتور شادي الغزالي حرب اعتبر ان اللجنة قد فقدت معناها لأن الدولة تجاهلت القرائن التي أعدتها اللجنة، وبدون الخوض في تفاصيل تلك القوائم والأسماء التي كانت تضمها نستطيع توقع الطريقة التي عملت بها تلك اللجنة والمعايير التي وضعتها للعفو عن المحتجزين والمحبوسين من خلال حديث الدكتور حرب فهو يتجاهل عمدًا على سبيل المثال ان ابن شقيقه كان ضيفًا دائمًا على قناة التليفزيون العربي المدعومة قطريًا والتي يديرها عزمي بشاره والمصنف ضمن شاشات الإرهاب التي تُروج لجماعة الإخوان وأكاذيبها وشائعتها وأن احاديثه على تلك الشاشة كانت جزءًا من عملية ترويج الشائعات والأكاذيب ضد الدولة المصرية، بل ان ظهوره عليها تطبيع صريح مع العدو الإخواني فهل علينا كمصريين أن نتسامح مع كل هذا؟!

كلا الرجلين الدكتور غنيم والدكتور حرب يعكسان ازمة حقيقية تعانيها المعارضة المصرية وهي انها لم تسعى إلى تطوير خطابها منذ عهد مبارك وإلى الآن بل أنها لم تكن معنية بتقديم بدائل حقيقية لنظام اتلرئيس الأسبق في مختلف المجالات ولم نرى حزبًا سياسيًا واحدًا سعى إلى تأسيس مركز دراسات يهتم ببحث كل مشكلات مصر اعتمادًا على المعلومة وبالمناسبة لا مجال للتعلل بأن نظام مبارك كان استبداديًا وغير شفاف ولا يسمح بالوصول إلى المعلومة الحقيقية، فعن تجربة شخصية كان معهد التخطيط القومي ولا يزال يضم مئات وآلاف الأبحاث والدراسات والتقارير الخاصة بكل شيئ تتخيله في مصر بدءًا من صناعة الملابس وحتى زراعة البطيخ اي من الإبرة إلى الصاروخ وكانت بيانات جهاز التعبئة العامة والإحصاء ولازالت تقدم كل ما يحتاجه اي باحث في اي مجال ناهيك عن تقارير المجالس القومية المتخصصة التي تضم شُعبًا وأقسامًا شديدة التخصص في كل شيئ بلا استثناء، وطالما كانت تلك التقارير مصدرًا لمعظم التحقيقات الصحفية التي قُمت بها.

هذه المعارضة ورغم كل ما مرت به من أحداث طوال السنوات الماضية لم تعمل على تجديد خطابها واستمرت تستخدم ذات الخطاب الثوري والمناهض للنظام السياسي الذي استحدثته حركات مثل 6 ابريل والاشتراكيين الثوريين وكفاية وغيرها وللأسف لا تزال تستخدمه حتى الان في التعبير عن مواقفها تجاه سياسات الحكومة وتوجهاتها دون وعي إلى أن هذا الخطاب مناهض للدولة.

الرجلان دعيا إلى بناء حياة حزبية سليمة وطالبا الدولة بالاجتماع مع الأحزاب واطلاق المبادرات لتحقيق هذا الهدف وهما محقان، لكنهما لم ينتبها إلى أحد توصيات مؤتمر الشباب السابع والتي اعتبرها أهم التوصيات التي نتجت عن مؤتمرات الشباب عمومًا، فقد خرجت توصيتين عن المؤتمر السابع تتحدث الأولى عن دمج شباب الأحزاب السياسية والجامعات مع شباب البرنامج الرئاسي في نموذج محاكاة الدولة، فيما تحدثت التوصية الثانية عن تشكيل مجموعات شبابية مختلفة أيضا من الأحزاب والجامعات وشباب الباحثين والأكاديميين لمشاركة الحكومة في عملية تنفيذ المشروعات القومية الكبرى.

والهدف من التوصيتين خلق جيل جديد من الشباب على دراية كاملة بعملية صنع واتخاذ القرار ويمتلك خبرة كافية لأسلوب ومنهج عمل الحكومة وأجهزتها التنفيذية حتى يكون واعيًا كفاية سواءً أصبح جزءًا من الحكومة أو جزءًا من المعارضة.

والحق أقول أن هاتين التوصيتين لم تلقيا اهتماما يذكر لا من الأحزاب السياسية ولا حتى من جانب وسائل الاعلام ما يعني أننا أمام مشكلة حقيقية بشان طبيعة النخبة السياسية والثقافية الموجودة فعليًا.

أخيرًا لا أنصح بتكرار التجربة وعلى الإعلام البحث عن وجوه جديدة وشابة داخل الأحزاب والحركات السياسية التي تعتبر نفسها معارضة فحتى لو استخدموا نفس هذا الخطاب العقيم والقديم إلا أن حداثة تجربتهم السياسية وحيوية شبابهم ستدفعهم للتفاعل بمرونة أكثر ما يساعد على انضاجهم ومن ثم إنضاج الحياة السياسية المصرية بطرفيها المؤيد والمعارض.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز