عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
3 نوفمبر.. ثورة الثورة

3 نوفمبر.. ثورة الثورة

بقلم : علي الفاتح

تعويم الجنيه سيظل عنوانا كبيرا لأهم برنامج إصلاح اقتصادي أطاح بثقافة الدعم للجميع، لتصبح الدعم لمستحقيه.



الدولة حققت الاستخدام العادل لفائض تصحيح الدعم في برامج الحماية الاجتماعية بزيادة الحد الأدنى للأجور، والإنفاق على برامج الرعاية الاجتماعية والخدمات العامة.

لهذه الأسباب نطالب الحكومة بإعلان 3 نوفمبر عيدا قوميا للاقتصاد المصري.

لولا ثورة الثالث من نوفمبر 2016، لما وقف الرئيس عبد الفتاح السيسي في مدينة السويس بالأمس، ليفتتح عدة مشروعات قومية كبرى في كل من محافظتي جنوب سيناء والسويس، معلنا إنفاق 800 مليار جنيه على مدار خمس سنوات لتعمير ارض الفيروز، ولما أعلنت الحكومة عن فتح باب الحجز لامتلاك منزل وعشرة أفدنة زراعية بمناطق وسط وجنوب سيناء مقابل 600 الف جنيه تسدد أقساطا على مدى ثلاثين عاما.

لولا ثورة الثالث من نوفمبر لما ارتفع الحد الأدنى لأجور العاملين في الدولة من ألف ومئتي جنيه إلى ألفي جنيه، ولما نجحت الدولة في القضاء على العشوائيات ونقل سكانها من عشش الصفيح إلى منازل آدمية تليق بالمواطن المصري، ولما نجحنا في مكافحة فيرس "سي" القاتل، ولما كانت هناك برامج حماية اجتماعية على رأسها تكافل وكرامة، وأطفال بلا مأوى، وحياة كريمة.

لولا تلك الثورة ما كانت مشروعات الصوبات الزراعية والمزارع السمكية، ولما كانت اتفاقات وزارة الإنتاج الحربي مع الصين لتصنيع السيارة المصرية الكهربائية صديقة البيئة، ولما كانت مصانع الغازات الطبية التي تكفي استهلاكنا المحلي، ولما كانت مشروعات الطرق وأنفاق سيناء والمليون ونصف المليون فدان ومحطات توليد الكهرباء وتحلية المياه، إلى آخر تلك المشروعات التي بلغت في إجمالها أكثر من 9 آلاف مشروع قومي أنجزته دولة الثلاثين من يوليو في بضع سنوات.

في الثالث من نوفمبر عام 2016 كان المصريون على موعد مع ثورتهم الجديدة ضد كل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحتى الثقافية التي تسببت في اندلاع أحداث 25 يناير من عام 2011، التي فتحت الباب على مصراعيه أمام الفوضى والعنف بما مكن جماعة الإخوان الإرهابية من الاستيلاء على مقاليد الأمور في البلاد لتعيث فيها فساد وظلما اشد من فساد وظلم نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، ليثور المصريون ضدها بعد عام من حكمها.

أدركت ثورة الثلاثين من يونيو أن الإطاحة بجماعة الإرهاب لا تكفي لتحقيق الاستقرار، فثمة تغييرات جوهرية يجب أن تطرأ على الواقع المصري لبناء دولة جديدة تتمتع بكل عوامل القوة والاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ومن ثم الأمني؛ فكان لا بد لها من ثورة جديدة تحقق التغيير المطلوب الذي يساعد على بناء دولة مدنية حديثة بكل ما تعنيه الكلمة.

ومهدت الثلاثين من يونيو لثورتها الجديدة بعدة إصلاحات اقتصادية منها تحريك أسعار الطاقة، في إطار استراتيجية وطنية لإعادة بناء الاقتصاد المصري على أسس علمية، وقد واكب تلك الإجراءات البدء في تنفيذ عدد من المشروعات القومية الكبرى، وعلى رأسها مشروع قناة السويس الجديدة، ومشروعات الطرق والبنية التحتية إلى جانب مشروعات الإسكان الاجتماعي.

وفي اليوم المحدد أعلنت ثورة الثلاثين من يونيو عن ثورتها الجديدة في الثالث من نوفمبر لعام 2016، بإعلان تحرير سعر الصرف أو ما عرف اصطلاحا بتعويم الجنيه.

لو كان الأمر بيدي لأعلنت هذا التاريخ عيدا قوميا للاقتصاد المصري، فلولا الثالث من نوفمبر لظل الاقتصاد المصري يعاني من وجود سعرين للعملة الأجنبية احدهما رسمي داخل البنوك وآخر غير رسمي تفرضه السوق السوداء، وهو ما يعني استحالة الاستثمار في أي مشروع جديد ولو كان كشك سجاير لأنك ببساطة لا تعرف على أي أساس سعري ستحدد ميزانية مشروعك؛ ناهيك عن أن نشاط السوق السوداء لم يكن عشوائيا بل كان مدارا من قبل جماعة الإرهاب بهدف إسقاط الدولة وإجبارها على إشهار إفلاسها.

وإلى جانب المتحالفين مع جماعة الإرهاب من النشطاء السياسيين المحسوبين سواء على التيار اليساري أو الليبرالي، خرج علينا المتحذلقون الذين يفتون في كل شيء بغير علم، وكان منهم أساتذة في علوم الاقتصاد والسياسة يطعنون في برنامج الإصلاح الاقتصادي ويحذرون المصريين من العواقب الوخيمة لقرار تعويم الجنيه والاستعانة بقرض صندوق النقد الدولي مرددين كالببغاوات شعارات يسارية فارغة بشأن العمل مع الصندوق.

لكن الواقع كان يؤكد كل يوم صحة وسلامة رؤية الدولة المصرية، فعلى عكس كل توقعات الجهابذة تمكنت السياسات المالية والنقدية بالذات للبنك المركزي المصري من التحكم في معدلات التضخم، بل ونجحت في زيادة الاحتياطي النقدي الاستراتيجي بمعدلات غير مسبوقة؛ ولأن برنامج الإصلاح الاقتصادي لم يقتصر فقط على تحرير أسعار الطاقة بإلغاء الدعم تدريجيا وتعويم الجنيه، وانما شمل أيضا الاستثمار في مشروعات البنى التحتية، وإنشاء مشروعات قومية كبرى صناعية وزراعية وإنتاجية وبناء مدن جديدة علاوة على مشروعات الطاقة والاكتشافات البترولية وتنشيط السياحة، ولأنه اعتمد تلك الاستراتيجية الشاملة تمكن من خفض معدلات البطالة إلى ادنى مستوى لها منذ ثلاثين عاما لتصل إلى 7.5% فقط، وتحقيق معدل نمو بلغ في الربع الأول من العام المالي الحالي 2019-2020، 5.6% وهو معدل فاق توقعات أكثر المتفائلين، ما جعل المؤسسات الاقتصادية الدولية تعتبر الاقتصاد المصري قاطرة النمو في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بل أن مؤسسة بلومبرج الأمريكية توقعت ان تكون مصر ضمن 20 دولة تقود الاقتصاد العالمي بحلول عام 2024، وتسهم بنسبة 1.5 % من إجمالي النمو العالمي.

وبعيدا عن تقديرات المؤسسات الاقتصادية العالمية ورغم ما نعانيه جميعا من آثار الإصلاح الاقتصادي لكن أحدا لا يستطيع ان ينكر ان الدولة سعت في حدود تحسن الأوضاع الاقتصادية إلى ما يمكن تسميته بالاستخدام العادل للوفرة المالية التي تحققت جراء الإلغاء التدريجي للدعم على الطاقة، وقد لمسنا ذلك ماديا في قدرتها على توفير برامج حماية اجتماعية تجسدت في معاش تكافل وكرامة وبرامج الرعاية الصحية المختلفة بدء من مشروع 100 مليون صحة ونجاحها في القضاء على فيرس سي، مرورا ببرامج الرعاية الصحية للمرأة والأطفال والشباب ووصولا إلى مبادرة حياة كريمة المعنية بتحسين الحياة في القرى الأكثر فقرا وتمكين أسرها ليس فقط من مسكن ملائم وبيئة نظيفة وإنما أيضا تمكينها اقتصاديا عبر قروض المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة والتي انفق منها حتى الآن 144 مليون جنيه مصري، سواء في تلك القرى أو في غيرها لتقليص البطالة بين الشباب.

تعويم الجنيه في 3 نوفمبر 2016 يبقى عنوانا كبيرا لنجاح التجربة المصرية في بناء اقتصاد حديث يدفع بقيم العمل والبذل والإتقان التي تراجعت في زمن الدعم للجميع، الذي ولد ثقافة الاتكالية والمطالبة الدائمة بكل الحقوق كاملة، دون التفكير ولو للحظة في الواجبات التي يتعين علينا أداؤها والالتزام بها كمجتمع.

في ظني أن تعويم الجنيه الذي يعتبره البعض أسوأ إجراء اقتصادي اتخذته الحكومة المصرية سيظل عنوانا رئيسيا لأكبر عملية جراحية أعادت هيكلة وبناء الاقتصاد المصري على نحو ساعد على تغيير القيم الاجتماعية والاقتصادية السلبية التي سادت لعقود بسبب ثقافة الدعم للجميع التي لم تكن تعني فقط دعم السلع وإنما مسؤولية الحكومة عما يمكن تسميته بالتعيين الإلزامي للجميع داخل هيئاتها ومؤسساتها، وليس توفير الوظائف وفرص العمل من خلال إيجاد بيئة اقتصادية صحية لإقامة المشروعات وضح الاستثمارات.

تغيير هذه الثقافة لم يكن يجدي معه نفعا عشرات الآلاف من المقالات أو ندوات التوعية، وكان لا بد من برنامج وطني جريء لإصلاح هيكل الاقتصاد المصري على نحو يجعل المواطن يدرك انه قد آن الأوان ليتعلم كيف يرشّد استهلاكه من السلع والخدمات كافة، وأن يبادر لاحترام قيمة العمل حتى يتمكن من كسب قوته، وفي المقابل ها هي الدولة توفر له فرصة العمل إما بإقامة المشروعات أو بتوفير القروض الميسرة لتمكنه هو من خلق فرصة عمل بيده له ولغيره من خلال مشروع صغير أو متناهي الصغر.

الثالث من نوفمبر 2016 جوهر ثورة الثلاثين من يونيو وثمرتها، وبفضلها نحن على طريق بناء دولة محصنة ضد عواصف الفوضى والنكبات، واقترح عبر هذه الزاوية على حكومة الدكتور مصطفى مدبولي أن يعلن الثالث من نوفمبر يوما للاقتصاد المصري نحتفي فيه بصبر المصريين وتحملهم لأعباء الإصلاح الاقتصادي ونستعيد دروس رحلة الإنجاز.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز