عاجل
الأحد 28 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
بريق الذهب

بريق الذهب

بقلم : عاطف حلمي

 



 
 إذا كان البعض يسأل "لماذا يكره الإخوان جمال عبدالناصر"، فأنني أرى أن السؤال هو لماذا يعشق المصريون والعرب والأفارقة وشعوب دول أمريكا  اللاتينية وغيرها من الدول الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر؟.
 
لم تشهد مصر على مدار تاريخها الحديث والمعاصر قادة تركوا بصماتهم مثلما فعل محمد علي والزعيم جمال عبدالناصر، وقوة عبدالناصر في أنه انحاز للفقراء من دون أن يتاجر بهموهم أو يستغل فقرهم، كما فعل تنظيم الإخوان بشراء أصوات الطبقة المطحونة برشاوى الزيت والسكر وكراتين السلع الغذائية بداية من الانتخابات البرلمانية وحتى الانتخابات الرئاسية.
 
المعجزة الناصرية
لن اتحدث عن معجزة مئات القلاع الصناعية التي أنشئت في العصر الناصري، أو قلاع التعليم والصحة، أو السد العالي وتأميم قناة السويس، وغيرها من الأمور التي لاينكرها إلا جاحد أو حاقد على التجربة الناصرية، ولكن يكفي أنه في عهد ناصر شعر المواطن بالأمن والآمان بمفهموهما الشامل والعميق.
 
لقد شعر المواطن المصري بالأمن فلم يكن هناك بلطجة أو قهر تحت أي مسمى للمواطن الضعيف، كما شعر بالآمان لأنه كان يدرك أن هناك عدالة اجتماعية، لا وساطة ولا محسوبية أو"تهليب" أو"فهلوة".
 
ميراث
ولكن ماذا تبقى من ميراث عبدالناصر الآن؟، لن اتطرق لفترة حكم السادات التي تم خلالها تشويه صورة الزعيم خالد الذكر جمال عبدالناصر، ولكن سوف اتطرق إلى حقبة المخلوع حسني مبارك، ففي عهده اقتات نظامه على ما تركه عبدالناصر من قلاع صناعة والتي تم تفكيكها وبيعها بابخث الأثمان تحت مزاعم الإصلاح الاقتصادي والخصخصة.
 
أمن النظام
 وشهد عصر مبارك غياباً تاماً لمفهومي الأمن والآمان، فأصبح الأمن مجرد أمن النظام السياسي، أو بمعنى أدق أمن الرئيس، حتى شعار "الشرطة في خدمة الشعب" تم تغييره عن عمد ليعكس توجهات النظام فأصبح "الشرطة في خدمة سيادة القانون" كما لوكان الشعب سبة أو "جربة" لايجوز خدمته، ثم تطور الشعار إلى "الشرطة والشعب في خدمة الوطن"، باعتبار أن الوطن هو الرئيس ونظامه، وأختفى مفهوم الأمن الجنائي والاجتماعي وحل محله مفهوم الطوارىء وتلفيق التهم، وما أكثر ضحايا هذا العهد البوليسي.
 
ماركة مسجلة
وترافق مع ضياع الأمن تلاشي الآمان فتحول نظام مبارك من نظام فاسد إلى نظام مفسد أي يعمل متعمداً على افساد المجتمع ولعل هذا النظام "المفسد" يعد ماركة مسجلة بأسم مبارك وحاشيته، فهو نوع لم تشهده أي دولة في العالم، ولم يعد يشعر أي مواطن بالآمان، فليس هناك مكاناً للكفاءات أو حتى أدنى معايير العدالة الاجتماعة، وباتت المحسوبية وسطوة السلطة والثروة السمة المميزة لذلك العصر.
 
بلطجة
والآن نعاني من تفشي ظاهرة البلطجة وفرض الاتاوات وتفاقم دائرة البؤر الاجرامية، وللأسف هذه البؤر معروفة للجهات الأمنية لكن لاتزال رواسب نظام المخلوع تهيمن على العقلية الأمنية التي يجب عليها أن تدرك أن الأمن الاجتماعي والجنائي مقدم على أي شيء آخر.
 
البدر
هنا يظل بريق عبدالناصر مثل الذهب، لايتأثر بعوامل الزمن، بل على العكس أصبح ناصر مثل البدر الذي نفتقده في أحلك الليالي ظلاماً وسواداً، فما قامت من أجله ثورة 25 يناير من عيش وحرية وعدالة اجتماعية، وما انتفض من أجله عشرات الملايين من الشعب المصري في موجته الثورية الثانية في 30 يونيو للقضاء على سلطة المتاجرين بالدين، لم يتحقق كل هذا في التاريخ المعاصر مثلما تحقق في الحقبة الناصرية، بل ولم يتذوق هذا الشعب المطحون بين رحى الفساد وتسلط الدولة البوليسية طعم الأمن والآمان كما تمتع بحلاوة العصر الناصري رغم أي سلبيات عانتها التجربة.
 
لذلك لم يكن غريباً أبداً أن تشهد مختلف ميادين الثورة منذ 25 يناير وحتى الآن هذا الكم الهائل من صور الزعيم جمال عبدالناصر، وهذا الاستدعاء من قبل الضمير الجمعي المصري للحقبة الناصرية والحنين إليها، وهذا ليس اجتراراً للماضي بقدر كونه رؤية للمستقبل، فلن تقف مصر على قدميها ما لم يكن هناك احتراماً حقيقياً لسيادة القانون وعدالة اجتماعية هدفها الفئات المطحونة، حتى يشعر المواطن بالأمن والآمان معاً.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز