
في ذكراه الـ 55.. "ناصر" زعيم لا يغيب عن وجدان المصريين

عادل عبدالمحسن
تحل في 28 سبتمبر من كل عام ذكرى رحيل الزعيم جمال عبد الناصر، ثاني رؤساء جمهورية مصر العربية، وأحد أبرز قادة العالم العربي في القرن العشرين، الذي رحل عن عالمنا عام 1970 بعد مسيرة سياسية غيّرت ملامح مصر والمنطقة بأسرها.
وبالرغم من مرور 55 عامًا على وفاته، لا يزال اسمه حاضرًا بقوة في وجدان المصريين والنقاشات العامة، ويمثل رمزًا للكرامة الوطنية وحركات التحرر من الاستعمار.
النشأة والبدايات
وُلد جمال عبد الناصر في 15 يناير 1918 بحي باكوس في مدينة الإسكندرية لأسرة من أصول صعيدية من قرية بني مر التابعة لمركز الفتح في محافظة أسيوط، ونشأ في كنف والده موظف البريد الذي رباه على القيم الوطنية.
وبحسب الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية، التحق جمال عبدالناصر بالكلية الحربية في مارس عام ١٩٣٧، وتخرّج في يوليو عام ١٩٣٨، ثم رُقِّي إلى رتبة ملازم أول عام ١٩٤٠.
خلال خدمته العسكرية شهد عن قرب مظاهر الاحتلال البريطاني لمصر، ما صقل وعيه الوطني ودفعه إلى الانخراط في العمل السياسي السري.
ثورة يوليو.. ميلاد الجمهورية
برز نجم عبد الناصر كأحد مؤسسي "تنظيم الضباط الأحرار"، الذي أطاح بحكم الملك فاروق في 23 يوليو 1952، منهيًا أكثر من 70 عامًا من الحكم الملكي.
وبعد فترة من الحكم الجماعي، تولى رئاسة الجمهورية رسميًا عام 1954، ليبدأ مرحلة بناء دولة جديدة تقوم على "العدالة الاجتماعية، وتحرير الإرادة الوطنية، وتحديث الاقتصاد".
إنجازات فارقة
شهدت حقبة عبد الناصر سلسلة من القرارات والمشروعات التي شكّلت علامة فارقة في تاريخ مصر:
- تأميم قناة السويس عام 1956، وهو القرار الذي واجه به النفوذ الاستعماري البريطاني والفرنسي، وقاد إلى "العدوان الثلاثي" الذي خرجت منه مصر منتصرة سياسيًا، ما عزّز مكانته كزعيم عربي ودولي.
ـ إنشاء "السد العالي" في أسوان، الذي مثل مشروعًا تنمويًا ضخمًا للتحكم في مياه النيل وتوليد الطاقة الكهربائية وتوسيع الرقعة الزراعية.
– قيادة تأسيس "حركة عدم الانحياز" مع الرئيسين اليوغوسلافي جوزيف بروز تيتو والهندي جواهر لال نهرو، في مواجهة استقطاب الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.
- تبنى "مشروع الوحدة العربية" بدعم الثورات وحركات التحرر، مثل الثورة الجزائرية، والوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية، وتأسيس الجمهورية العربية المتحدة مع سوريا عام 1958 رغم قصر عمرها.
نكسة 1967 وإعادة البناء
وواجه عبد الناصر أخطر اختبار في تاريخه السياسي مع "نكسة يونيو 1967" التي أسفرت عن احتلال إسرائيل شبه جزيرة سيناء وأراضي عربية أخرى.
ورغم صدمة الهزيمة، أعلن تحمّله المسؤولية وقرر التنحي، إلا أن الجماهير خرجت بالملايين تطالبه بالبقاء.
وأطلق بعدها "حرب الاستنزاف" لإعادة بناء الجيش، وهو ما مهّد لانتصارات أكتوبر 1973 التي تحققت بعد رحيله بثلاثة أعوام.
رحيل مفاجئ وجنازة تاريخية
في مساء 28 سبتمبر 1970، وبعد اختتام قمة عربية استضافتها القاهرة لوقف أحداث "أيلول الأسود" في الأردن، تعرض عبد الناصر لأزمة قلبية حادة توفي إثرها عن عمر ناهز 52 عامًا.
وشيعت جنازته في موكب مهيب يُعد من أكبر جنازات القرن العشرين، حيث خرجت "ملايين المصريين والعرب" في شوارع القاهرة يودعونه وسط مشاهد من الحزن العارم.
ويبقى تقييم تجربة جمال عبد الناصر موضع جدل حتى اليوم، فأنصاره يرونه "رمزًا للكرامة الوطنية والعدالة الاجتماعية ومقاومة الاستعمار"، في حين ينتقده معارضوه بـ"تقييد الحياة السياسية، وتراجع الحريات، وتأميم الاقتصاد، لكن الجميع يتفق على أنه زعيم استثنائي استطاع أن يحوّل مصر إلى قوة إقليمية، ويترك بصمة لا تمحى في تاريخ العرب وأفريقيا وحركات التحرر في العالم.
ورغم تغير الظروف السياسية والاقتصادية، لا يزال اسم جمال عبد الناصر يتردد في خطابات الزعماء وفي شعارات الحركات الشعبية، ويُستحضر في كل حديث عن "الاستقلال الوطني والعدالة الاجتماعية" فذكراه لا تقتصر على الماضي، بل تبقى مصدر إلهام للأجيال التي تبحث عن مشروع وطني جامع يعيد صياغة الحاضر ويرسم ملامح المستقبل.