عدت "للعليا"، لمقر المجلة لأجتمع برئيس التحرير علوي الصافي، ومديرها جلال العشري، والرسام محمد حماد، وفنان الخط العربي غريب، مستعرضين أمامنا المادة التحريرية.
ومع ملاحظات إدارة التحرير دارت عجلة العمل، كانت رغبة الأمير خالد أن تصدر مجلة الفيصل على أفضل صورة وأعلى مستوى فني وطباعي، وهو غير قلق على الشكل التي ستصدر به، والذي على أساسه تم اختياري- كما قال- بعد أن سمع بجرأتي وأسلوبي في الإخراج الصحفي من أصدقاء مشتركين في الوسط الصحفي والأدبي، منهم الدكتور سمير سرحان، والشاعر عبد المعطي حجازي، والأديب الناقد رجاء النقاش.
وتم الاتفاق في لقائي معه أن تتم مرحلة التصميم والإخراج الصحفي للمجلة في مقرها بمنطقة العليا، على أن أحمل الصفحات المصممة النهائية لمقر مودي جرافيك بلندن، للدخول في مرحلة الإعداد والتنفيذ من فصل ألوان المادة المصورة، والتصوير الميكانيكي للصفحات، وإنتاج الأفلام النهائية لعمل اللوحات المعدنية المعدة للطباعة بتقنية الأوفست لإرسالها للمطبعة لمرحلة الإنتاج الأخيرة.
وللحقيقة لم يكن لي شرف المشاركة في اختيار المطبعة، فوجئت أثناء مناقشة الإجراءات التنفيذية للإصدار باتفاق كان قد تم مع مطبعة في إيطاليا، ولم أعرف طوال عملي ومشاركتي في إنتاج هذا العمل الثقافي كيف اختيرت المطبعة، ومن كان صاحب الفكرة في الاختيار، ولكن أعتقد أن "فريد" المصور الخاص للأمير كان وراء الاختيار، فهو مقرب للأمير ولم يكن مجرد مصور، بل كان يستخدمه كثيرًا كسكرتير خاص مكلف بتنفيذ بعض العمل، والسفر خارج المملكة عندما يتطلب الأمر.
المطبعة كانت في مدينة بيرجامو Bergamo شمال إيطاليا، ومن أجمل مدنها السياحية، تقع على بُعد حوالي 40 كيلومترا شمال شرق ميلانو، وعلى بُعد 30 كيلومترًا من البحيرات كومو وإسيو بإيطاليا، وتشتهر بأكاديميا كارارا، وهو متحف وأكاديمية للفنون الجميلة، وأصول المتحف تبدأ مع الكونت جياكومو كارارا، أحد هواة جمع الفن من الأثرياء وراعٍ للفنون، والذي ترك إرثًا غنيًا من الفن لمدينة بيرجامو في نهاية القرن الثامن عشر.
قبل أن تنطلق "الفيصل" سافرت إلى بيرجامو لترتيب الإجراءات التنفيذية من نواحٍ فنية ومواعيد التسليم والتسلم.
مطبعة tipografia grafica كانت في مبني قديم أشبه بالمعابد الرومانية لارتفاع أسقفه وضخامة حوائطه الحجرية، والمطبعة كانت قديمة ومشهورة بطباعة لوحات الجرافيك L’Artegrafica بالأبيض والأسود مستخدمين أكثر من لون في الطباعة، للوصول لأعلى مستوى من التفاصيل بالأبيض والأسود، وهي تقنية كانت جديدة عليّ.
أما طباعة الألوان فقد كانت جديدة عليهم، لكنهم في الحقيقة نجحوا في تقديم عمل مميز، واتفقنا وبالترتيب معهم ومكتب الأمير على تسليم التجهيزات الطباعية منتصف كل شهر للسفارة السعودية في لندن، على أن تحمل لهم التجهيزات الطباعية طائرة حربية إلى مطار مدينة ميلانو التي لا تبعد كثيرًا من بيرجامو، على أن تعود الطائرة بالأعداد المطبوعة للمملكة للتوزيع قبل موعد الصدور، وكان ذلك بترتيب من الأمير بندر شقيق الأمير.
لقد وضع الأمير خالد الفيصل بنفوذه كل الإمكانيات والخدمات اللوجستية لمشروعه الثقافي حتى تخرج المطبوعة بالشكل الذي يشتهيه.
كان أخواه غير الشقيقين الأمير تركي الفيصل وقتها رئيسا للاستخبارات العامة، وشارك في تأسيس مؤسسة الملك فيصل الخيرية، وعضو مجلس أمنائها، والأمير بندر الفيصل، فريق طيار ركن بالقوات الجوية السعودية، والأمير سعود الفيصل، وزيرًا للخارجية.
كان العدد الأول يحمل عنوان "في ديار العرب والمسلمين" أكثر من ثلثي الغلاف صورة لمكة والمدينة المنورة، صورت من ارتفاع وتظهر بها الكعبة الشريفة، وفي الجزء الأسفل ثلاث صور صغيرة تمثل ثلاث دول عربية، مصر، سوريا والمغرب.
اللقطة الرئيسة كانت من تصوير المصور الباكستاني فريد، المصور الخاص للأمير، وكان يتحدث العربية، وهو المسؤول عن أرشيف الصور ويمدنا بما نحتاج من صور لصفحات المادة التحريرية.
قمت بتصميم لوجو وشعار المجلة، ونفذه الخطاط المبدع غريب، مزيج من الخط الكوفي الفاطمي.
الكوفي البسيط من أقدم الخطوط استعمالًا، اشتهر حتى آخر القرن الثالث الهجري، ويتميز بأنه خط بسيط غير معقد، تكتب حروفه من دون تنميق أو تزهير أو توريق، ويفضل استعماله في المواد التحريرية والكتابة على بعض الأبنية والعمارات، كما في الجامع الطولوني في مصر.
في افتتاحية العدد الأول، أوضح علوي طه الصافي، رئيس التحرير وقتها في نهاية السبعينيات، متحدثًا عن دور السياسة في تشويه معالم الفكر والثقافة، وإهدار القيم وإشعال روح الكراهية والبغضاء في صفوف المفكرين، وكيف أصبح الفكر الإنساني كأوراق الخريف تتقاذفها رياح السياسة حسب أهوائها، وسيطرتها بصورة واضحة على أغلب الرسائل الإعلامية والفكرية، بما فيها الإذاعة والتليفزيون والمسرح والكتاب والصحافة، ومن آثارها انحدار المستوي الثقافي والفكري للكتاب وانحراف عدد كبير من الكتاب الباحثين عن الشهرة والمال بأيسر السبل، تجاوبًا مع شباك تذاكر السينما ومكتبات الأرصفة.
ومن خلال هذا المنظور أكد الصافي في هذا الجو المشحون يأتي صدور المجلة وجهًا مشرقًا دائم الصحو كسماء بلاده، رحب الفكر كصحرائه، يسعى لخدمة الثقافة العربية والفكر الإنساني.
وأوضح في الافتتاحية هوية المجلة بأنها مجلة.. منطلقاتها البحث عن الحقيقة المجردة بلا إثارة أو افتعال وبأسلوب واقعي بلا انفعال أو تشنج، وبروح علمية، ولا تهويل فيها ولا تجريح.
وضم العدد الأول في صفحاته الكثير مما سنتابعه معًا.



