الأحد 21 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

حكاية العمارة الطينية في إفريقيا

د. إسماعيل حامد
د. إسماعيل حامد

يعتبر البناء، أو صنعة البناء، من أول صنائع العمران الحضري، وهو أقدمها، ويُقصد به معرفة العمل في اتخاذ البيوت والمساكن بهدف السكن، والمأوى للأبدان والمدن. وهو ما يشير لأهمية البناء، وزيادة العمران، وانتشاره، وضرورة التوسع في ذلك لأي من المجتمعات البشرية. 

 

ويُعد "الطين" من المواد الأساسية والأكثر ذيوعًا التي كانت (وربما لاتزال في بعض المناطق) تستخدم في البناء والعمارة بشتى أنماطها، حيث ذاع البناء باستخدام قوالب أو كتل الطين الجافة في أكثر الحضارات القديمة. ومن المعروف أن البناء بالطين هو من أقدم الوسائل التي حرص الإنسان على أن يستخدمها في بناء البيوت والمساكن، وغير ذلك من صنوف المباني والعمارات التي كان يحتاج لها منذ عصور ما قبل التاريخ.

 

 ويمكننا القول بأن من أهم الأسباب في ذلك الانتشار الواسع لاستخدان "العمارة الطينية" هو سهولة الحصول على الطين أو قوالب الطين مقارنة بغيرها من مواد البناء الأخرى، وهو ما سهل الاستعانة بمادة الطين في البناء لكل طبقات المجتمع البشري عبر التاريخ، الأغنياء والأثرياء منهم، أو الفقراء. لقد انتشرت العمارة الطينية وارتبطت بالإنسان عبر تاريخه لما لها من ميزات مستدامة، ونظرًا لتوافقها مع حاجات الإنسان، كما الطين من أكثر المواد التي يمكنها أن تحافظ على البيئة أكثر من مواد البناء الأخرى. 

 

وتُعد العمارة والبناء بشكل عام حتى يومنا تحديًا فريدًا في مجال الاستدامة أمام الإنسان نظرا للحاجة إليها باستمرار، حيث تستهلك المشروعات المعمارية كميات كبيرة من المواد والطاقة المتاحة أمام الإنسان، كما ينتج عنها كميات ليست بالقليلة من المخلفات والنفايات. ولهذا تحاول المجتمعات المختلفة منذ فجر التاريخ أن تطور تقنياتها الخاصة وأساليبها المعمارية الملائمة لبيئاتها في استخدام تلك المادة الغنية بالاحتمالات. 

 

وحتى اليوم، فإن مدنًا بكاملها وصروحًا كبيرة كانت قد شيدت من قوالب الطين منذ مئات السنين لا تزال تشهد على متانة هذه العمارة، وجمالها وتنوعها. ويمكن الإشارة إلى أنه من أبرز ميزات العمارة الطينية التي جعلت الناس يقبلون عليها أكثر من غيرها في الماضي أن "العمارة الطينية" لاتلوث البيئة المحيطة بها، فهي من منتجات التربة ومأخوذة ومستخلصة من البيئة التي بنيت فيها، ومن ثمة فهي سوف تعود للأرض مرة أخرى في يوم من الأيام، وهو ما يقصد به "إعادة تدوير الأرض بنفسها تلقائيًا"، أي منها وإليها. 

 

غير أنه مع ازدهار صناعة الأسمنت مع العصور الحديثة، وتطور مواد البناء الحديثة الأخرى، وهو ما أدى لتراجع انتشار "العمارة الترابية"، أو "العمارة الطينية" بشكل واضح. لكن الاهتمام بها ما لبث أن عرف تزايداً ملحوظاً منذ منتصف القرن العشرين تقريبًا بسبب زيادة الإقبال عليه. 

 

وعن انتشار "العمارة الطينية" منذ أقدم العصور في بلاد العالم ومنها الصحراء الإفريقية، يقول أحد الباحثين: "يُعد الطين إحدى المواد الأساسية للبناء، وخاصة في المناطق التي تفتقر لمادة الحجارة، أو الخشب، لذلك فإن خليط البوج ظل مستعملاً محليًا..إن هذه التقنية المعروفة في الشرق الآدنى منذ آلاف السنين كان قد تم نقلها إلى شمال إفريقيا، وإلى إسبانيا، وكذلك انتقلت صوب فرنسا عبر المستعمرات الفينيقية والإغريقية ما بين القرنين 8 و6 ق.م".

 

متخصص في التاريخ والتراث الإفريقي

 

تم نسخ الرابط